كاسرة توجهت بعد صلاة الظهر لاستلام شهادة دورتها الأخيرة
كان تميم من أصر على إيصالها. وهاهما عائدين للبيت
في السيارة يتبادلان بعض الاشارات الطفيفة لأن تميم لابد أن يركز نظره على الطريق
وفي أغلب الوقت يغرقان في صمت الإشارات حتى
تميم من بعد عقد قرانه وهو يزداد هدوءا وصمتا
أمر غريب أن يُقال عن من هو صامت دوما أنه إزداد صمتا
ولكن هذا ما حدث مع تميم
فهناك سكون غريب يلفه. لم يعد حتى يكثر من الحديث مع وضحى كما كان سابقا
ووضحى لاحظت ذلك طبعا وهي تحاول جاهدة اقتحام حصونه
ولكنه لا يشجعها مطلقا بروحه الخالية من الحماسة
شيء ما في روحه إنطفأ
فأقسى ما قد تواجهه روح شفافة كروحه هو إجبارها على عناق روح لا تتقبلها
ولو كان يعلم أن ختامه في زواج كهذا كان ليؤجل فكرة الزواج لعدة سنوات أخرى
فروحه الفتية مازالت غضة طرية لا تحتمل قسوة هذا الإجبار
وربما بعد سنوات كان ليقتنع برأي والدته حين تصيبه عقلانية الكبار البليدة
لكن الآن أفكاره التي تنبع من روحه الوثابة الأبية هي ما تسيطر عليه
الأخرى جواره. غارقة في أفكارها الخاصة
موعد زواجها يقترب والمشكلة أنها تشعر بنفسها غير مستعدة له غير متقبلة لهذا الزوج
تحاول أن تلتزم بالحكمة وتجعل نفسها الحكيمة في هذا الموقف
ولكن كل حِكم العالم وحكمته ماعادت تنفع في تفسير كل هذه الفوضى أو تهدئة هذا التوتر!!
يرن هاتفها تستغرب من سيتصل بها في وقت الظهيرة هكذا
لا أحد سوى فاطمة
رفعت الهاتف لتنظر للرقم لتشعر بنفورها الغريب يتصاعد في روحها
فهي لم تنسَ بعد الرقم الذي اتصلت به بالأمس
" وش يبي ذا الوقح بعد
صدق ماعنده ذوق
وش ذا اللزقة ياربي"
لم ترد عليه
اتصل مرة أخرى لم ترد
حينها وصلها رسالة:
" يا مدام يا بنت الأصول
يا للي من زود الذرابة والأدب اللي فيش تشوفين رقم رجالش وتسفهينه
عباتش ترا طالعة برا
ليتها تلتف على التاير ورقبتش ونخلص منش"
حينها التفت كاسرة بحدة جوارها لتراه في سيارته من ناحيتها
رأت ناظره معقود بغضب وهو ينظر ناحيتها
ثم أشاح بنظره عنها في نظرة ازدراء مقصود تماما
وأسرع بسيارته ليتجاوزهما
بينما أشارت هي لتميم حتى يخفف السرعة لتفتح الباب وتدخل عباءتها
دون أدنى اهتمام بنظرة الازدراء من صاحب السيادة
بعد دقائق
يصلون المنزل
تميم يشير بالسلام ويصعد
ومزنة تهتف بقلق فور رؤيتها لها: توني فقدتش وين رحتي
كاسرة تبتسم: رحت أجيب شهادة دورتي الأخيرة قبل أنسى جيت بأقول لش عينتش تصلين الظهر قلت بأروح وأرجع بسرعة
خص إن تميم اللي موديني مهوب مع السواق والخدامة
مزنة بتأثر: يامش من أمس وأنا ممتغثة من حريق شغلش الله يكفينا
كاسرة برقة: ياذا الحريق اللي سويتوه أزمة ماصار إلا الخير وهذا أنا قدامش مافيني إلا العافية
حينها قاطع حديثهم صوت وضحى المرح: بركات البطل الهمام اللي جابش
كاسرة تلتفت لها بغيظ ثم تبتسم وترد عليها بخبث لطيف: ذا الأيام شايفة لسانش طايل
وعينش زايغة
وضحى تضحك: على قولت هريدي خال سميرة (خدي بختك من حجر أختك)
مزنة تنهرها: عيب يا بنت
وضحى تصلهم وهي مبتسمة: لا تكونين صدقتي أنتي وبنتش . فكوها الله يفكها عليكم طالبتكم
كاسرة تجلس وتبتسم: فكيناها يا بنت الحلال
مزنة تهتف بهدوء: باروح أجهز الغدا للغرف قولوا لتميم امهاب اليوم عنده رحلة
وضحى تجلس جنب كاسرة ثم تهمس بتردد: ودي أسأل عن شيء بس أخاف تأكليني
كاسرة تهمس لها بخبث لطيف: إسالي عن أي شيء إلا عن كسّاب وقتها ماني بماكلتش لا تخافين
وضحى بخيبة أمل: يمه سكنية. يأختي بأموت خاطري أدري وش قال لش وهو جايبش أمس
الطريق من مكان شغلش لين بيتنا طويل
تقريبا يأخذ 40 دقيقة في زحمة الدوحة.
مستحيل إنه قعد ساكت أبو الجراءة اللي نط عندش في مكتبش عقب الملكة بكم يوم
تكفين علميني!!
كاسرة حينها ضحكت برقة: أنتي اللي يمه منش. وحاسبتها بالدقايق
وأشرايش أقول لش وش صار من الدقيقة واحد لين الدقيقة 40 بالتفصيل الممل
وضحى تبتسم: ماعندي مانع كلي أذان صاغية ولو تبين تحطين عليها بهارات تخليها ساعة ونص يعني مدة فيلم ماعندي مانع بعد
حينها همست لها كاسرة بنبرة تشويقية فهي ترى الموضوع بات مسليا وفتح حوارا لطيفا بينها وبين شقيقتها: تدرين إذا كبرتي شوي علمتش
حينها وضعت وضحى يدها على قلبها وهمست بنبرة تمثيلية:
يا ويل قلبش يا الوضحي. السالفة فيها لين تكبرين بعد اللي رحت وطي
الحين بأحط إعلان في الجريدة إني كبّرت عمري 10 سنين عشان نثبت التاريخ الجديد في الأوراق الرسمية
يا الله خلاص عمري 32 سنة علميني.
تكفين كاسرة
كاسرة تغمز بعينها: إذا جبتي لي بطاقتش الشخصية بتاريخ ميلادش الجديد. علمتش
*****************************
"غريبة المطعم فاضي"
منصور يجلس بعد أن جلست عفراء ويهتف بهدوء: خبرش اليوم دوامات والساعة الحين توها وحدةعشان كذا مافيه حد
عفراء برقة: يعني أقدر افسخ نقابي
منصور يبتسم: افسخيه خلني أمتع عيوني وأنا أكل وعلى العموم أنا اللي وجهي ناحية الباب وستاف الخدمة كلهم حريم
لو حد دخل باقول لش تلبسينه
بعد أن طلبا طلبهما وهما في الانتظار دخلت سيدتان ومعهما طفل
جلسوا جميعا والطفل كان يدور بين الطاولات ولأن الطاولة الوحيدة المشغولة كانت طاولة منصور وعفراء
فهو كان يعبر من جوارهما عفراء نادته وأجلسته معهما على الطاولة
همست له برقة: وش اسمك يا حلو
الطفل بعذوبة : همودي
منصور يبتسم: حيا الله حمودي
الطفل ينظر لمنصور ثم يسأله بصوت خافت: ماعليه أدول لها أنتي هلوه
منصور حينها انفجر ضاحكا: قل لها أنتي حلوة مرخوص
الطفل حينها ألتفت لعفراء وغمز بعينه ثم قال لها بنبرته الطفولية المحببة: أنتي هلوة
منصور حينها ضحك : أنا قلت لك قول حلوة مهوب تغمز بعد وأنا قاعد كني طوفة
الطفل يضحك: كالي يدول لي قول أنتي هلوة وسوو ئينك كدا (قالها وهو يغمز بعينه)
عفراء تبتسم له برقة: الله يصلح خالك على ذا التعليم خوش تعليم.
الام نادت ابنها وهي تشير بتهذيب لعفراء.
عفراء أخرجت من حقيبتها مصاصة وأعطتها له ثم قبلته وهي تهمس: هذي تأكلها عقب الغدا زين
الطفل يشير برأسه إيجابا ثم يقفز جوار والدته وهو يفتحها من فوره
منصور باستغراب: من وين جبتي المصاصة
عفراء بتلقائية: دايما معي في شنطتي حلويات تعودت كذا
أحب أونس البزران اللي ممكن أصدفهم سواء كنت مسيرة على حد من جماعتي أو في مكان عام
منصور بنبرة ذات مغزى: يعني شفقانة على البزران؟
عفراء بحرج مصدوم: منصور ماله داعي ذا الكلام لا تخرب شيء حلو تعودته من سنين
منصور بحزم: زين إنه ماله داعي لذا الكلام لأنه أنتي عارفة إنه سالفة العيال هذي مابي أسمعها
ولا حتى أسمع تلميح عنها مثل التلميح البايخ اللي قبل شوي
عفراء بصدمة حقيقية: أنا ألمح منصور؟
ثم أردفت بعتب: منصور ما تحس إنك زودتها شوي؟!!
منصور بتصميم حازم : لا زودتها ولا شيء بس أنا واحد صريح وأحب كل شيء واضح قدامش
عفراء بذات نبرة العتب الرقيقة: بس ترا فيه خط تماس بين الصراحة واللباقة والوقاحة بعد
حينها انقلب وجه منصور وهو يصر على أسنانه: وقاحة؟!!
عفراء بألم: منصور لا تمسك لي عالكلمة كفاية وجيعتي منك
منصور بدهشة: أنا آجعتش؟!!
عفراء تتنهد ثم تهتف بألم شفاف: أجعتني وتأكيدك بذا الطريقة الجارحة إنك ما تبي شي يربطك فيني ماتشوفه يوجع يعني؟!!
منصور أنا ماني ببزر وقلت لك أنا موافقة على اللي تبيه
فليش تبي تحرجني وتجرحني بذا الطريقة؟!!
أنهت عبارتها ثم تشرنقت على نفسها تماما لم تسمع كلمة واحدة مما قاله منصور بعد ذلك. ولا تريد أن تسمع
فصدمتها من تجريحه المباشر لها جعلها عاجزة عن الاستماع لشيء مما يقوله
لماذا يريد أن يفسد روح الصفاء التي بدأت تشعر بها تحيك علاقتها به
لماذا يكون حادا بهذه الطريقة في وقت أبعد ما يكون عن الحدة
لماذا يريد إفساد عادتها الجميلة بإحادية نظرته؟!
بــــــل
لماذا يريد بالفعل أن يؤكد لها أنه لا يريد رباطا فعليا يربطها به؟!
فرغم أنها وافقت على شرطه لكنها في داخلها وأساسها وكينونتها أم على الدوام هي أم
وهي ترى بالفعل أنهما غير كبيران على أن ينجبا أكثر من طفلتمازج فعلي لروحيهما وارتباط أبدي بينهما
أرواح صغيرة عذبة تبعث الحياة في برودة أيامهما
ولكن هذا كان مجرد تفكير شفاف قررت دفنه في قرارة نفسها فلماذا يريد نبشها وتجريحها بهذه الطريقة؟!!
لماذا يستكثر عليها حتى مجرد التفكير في الخيال بعد أن حرمها من الحقيقة؟!
****************************