قبل أربع سنوات وشهرين ليلة زفاف عبدالله وجوزاء
" لماذا أبدو أبلها و(غشيما) رغم أني لست واحدا منهما
فلست بالأبله ولا الغشيم
وليست هذه بالتأكيد هي تجربتي الأولى في الزواج
ولكن لم أتوقع مطلقا أنها قد تبدو طاهرة ونقية إلى هذه الدرجة الموجعة
أشعر بطهارتها تحيط بها كهالة
أ مثل هذا الجسد الطاهر يقذر ببقايا نجاسة راكيل التي لم أكن حتى الرجل الأول في حياتها؟!
ألا أخاف الله في مثل هذه الروح النقية أن أطبعها بسواد روحي
يا الله ألهمني الصواب
ألهمني الصواب "
يحاول ألا ينظر إليها يشعر أن حتى مجرد النظر لها ليس حقا له
ولكن نظراته رغما عنه كانت تتجه ناحيتها وتترصدها كبوصلة لا تستطيع تغيير اتجاهها عن الشمال
كان ينظر بشغف غريب لارتباكها توترها خجلها الرقيق ارتعاش فكها فركها لأناملها
لكن ما أن يشعر أنها تكاد ترفع بصرها حتى يوجه بصره إلى أي مكان عداها
وحين تعود للنظر ليديها المشبوكتين في حضنها يعود لترصدها
يشعر كما لو كان يعود مراهقا وهذه الطفلة تعبث به بطريقة غير معقولة ولا مفسرة
لم يظن ولا حتى للحظات أن هذه المشاعر الغريبة ستغزوه
كان يظن أنه وافق والده وسيتزوج كما يتزوجون الآلاف بينهما الاحترام ينشئان أسرة ويربيان الأولاد
لم يخطر له ولو لثانية أن هذه الأفكار الغريبة في مشاعرها في مثاليتها ستغزوه بهذا العنفوان. ومن مجرد النظرة الأولى
بينه وبينها سبع سنوات يشعر بها كطفلة فليس بينها وبين صغيرته عالية سوى عام واحد
يشعر أن بين جوانحها قلب طفلة طاهر لم يمس
كره أن يؤذيها أو يجرحها أو ينجس طهارتها بأي صورة
شعر أنه مقارنة بها مخلوق مدنس قذر لا يستحق شرف ملامسة جسدها ولا حتى مشاعرها
قرر أن الطريقة الأسلم هي في التمترس خلف بروده ألا يتواصل معها بأي صورة
حتى تصفو الرؤية أمامه ويرى ماهو فاعل
وهو غارق في أفكاره سمع همسها الرقيق: لو سمحت
لم يستوعب حتى سمع ذات الهمس يتكرر بارتجاف مختنق: لو سمحت
انتفض دون أن تظهر انتفاضته للسطح (أ تتكلم هذه أم تغرد؟!!)
رد عليها بهدوء ظاهري عميق يختلف عما يمور داخله: نعم
ردت عليه باختناق عظيم آلمه لأبعد حد: أبي أروح للحمام لو سمحت
تأثر بشدة إلى أنه أضطرها إلى إحراج نفسها بهذه الصورة هتف لها بأقصى نبرة احترام استطاعه عله يعوضها عن إحساس الحرج:
سامحيني المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء
تفضلي الحمام من هنا
تبين مساعدة
همست له باختناق شعر أنه يذيب قلبه بصورة غير معقولة: لا شكرا ما أبي مساعدة
كان فعلا يحاول ألا ينظر لها لا يعلم متى أصبح بارعا بالتمثيل هكذا في الوقت الذي كان يبدو لا ينظر لناحيتها كان يقتنص غضها لبصرها بعيدا ليلتهمها هو بنظراته
كأنه يكتشف عالم النساء لأول مرة فأي سحر تحتويه هذه الصغيرة أي سحر غير متصور وعصي على كل تفكير؟!!
تابعها بنظراته وهي تتعثر في خطواتها لناحية الحمام.
حالما دخلت سمح لنفسه بإطلاق تنهيدة طويلة وهو يقفز ناحية شرفة الجناح ويخرج للهواء الطلق
رغم أن الجو كان حارا حينها ومثقلا بالرطوبة إلا أنه كان بالفعل بحاجة لهواء طبيعي
شعر مهما كانت الحرارة لاهبة فهي لا تقارن بالحرارة التي شوت جسده ومشاعره في الداخل
استند على حاجز الشرفة وهو ينظر للبحر
" ما هذا الذي يحدث لك يا عبدالله
ماذا يسمون ما يحدث لك
تبدو كما لو كنت مراهقا يرى امرأة للمرة الأولى في حياته
أي سحر في هذه الجوزاء
سوى كونها الجوزاء نفسها
لها من أسمها كل النصيب. نجمة عالية في السماء
ارتفعت عن أدناس الأرض وقذارتها ولأنها شيء سماوي رفيع
فما شعرتُ به هو على مقدار سماويتها وارتفاعها
أ مثل هذه تقارن براكيل أو سواها
أ مثل هذه تكون الزوجة الثانية في حياة رجل بينما يجب أن تكون الأولى والوحيدة"
عبدالله بعد أن شعر أن عرقه تصبب غزيرا من كل أنواع الحرارات التي اغتالت جسده في هذه الليلة
قرر أن يستحم توجه للحمام الآخر استحم وقرر أن يصلي قيامهرغم قلقه من تأخرها ولكنه كان محرجا من اقتحام خصوصيتها
لذا قرر تركها كيفما تشاء
سمع صوت الباب يُفتح وهو مازال يصلي استمر في صلاته
وحينما انتهى كانت تجلس على سجادتها شعر بحنان عميق يغمر قلبه ناحيتها
كانت تبدو مرهقة محرجة وعذبة لأقصى أقصى درجات العذوبة
تنهد في داخله تنهيدة بحجم الكون ربما وهو يتجه ليجلس على الأريكة
حينها سمع همسها الرقيق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين
آلمه قلبه بشدة أنها لم تنسَ أنها تحلم بالفعل بحياة طبيعية مع مخلوق ماعاد طبيعيا غام وجهه حزنا وهو يهتف لها بنبرة محايدة: قومي نصلي
حينما انتهيا من الصلاة دعا عبدالله بعمق أن يلهمه الله الصواب ألا يؤذيها أو يجرحها بأي صورها
حينما نهضا عن سجادتيهما كان عبدالله يراقب حركاتها المتوترة الخجولة وهي تخلع جلال الصلاة وتطويه بدقة كأنها تفرغ ارتباكها فيه
تعدل شعرها بارتباكثم تعود لتجلس أمامه
عبدالله زفر بداخله (أوف وش ذا التعذيب)
كان شكلها الحالم تعذيبا حقيقيا له ولرجولته بدت في عينيه أكثر من موجعة في رداءها الملكي الأبيض الذي كان يكشف بدقة راقية عن تفاصيل جسد بالغ المثالية
هذه المرة لم ترفع عينيها مطلقا طوال جلوسها أمامه وهي تدعك كفيها بارتباك وعقلها يطوف بها لا يعلم إلى أين
بينما كانت عيناه تترصدها بدقة بدءا من صندلها الحريري الأبيض في قدميها الناعمتين وصولا لعناق شعرها مع نحرها في صورة بدت له غاية في الإبهار
وهي تحرص بين الفينة والأخرى على شد جيب روبها لتتأكد من سترها لصدرها وحركتها الخجولة تصيبه بما يشبه الحمى
بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر. حينها توجهت هي لتنام على السرير
بينما بقي هو على أريكته عاجز عن النوم عاجز عن الفهم عاجز عن السيطرة على دقات قلبه التي أعلنت العصيان عليه
وكأنها تتنتقم منه على خطيئته في زواجه من راكيل
*******************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر
أنا متيم بها. هكذا ببساطة
ومنذ اللحظة الأولى التي عانقت عيناي محياها الخجول
لا أعلم كيف حدث هذا ولا بأي صورة
في أحيان كثيرة أشعر أن هذه هي عقوبة من الله عز وجل أنني خالفت عقلي وفطرتي اللذين كانا ينهياني عن راكيل
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)
كان يجب أن أعلم أن زواجي من راكيل هو أثم لأني خشيت أن يعرفه الناس
لو أنه كان صوابا لم أكن لأخشى أحدا
وأعلم الآن أن الله عز وجل غاضب علي لأنه لم يبتليني بحب جوزا فقط ولكن منعني أن أمد يدي إليها
وجعل منعي لنفسي ينبع من نفسي ليزداد عذابي أكثر
أكاد أجن من رغبتي فقط في وضع عيني في عينيها أريد فقط أن أضمها لصدري
أشعر بأنفاسها في حناياي أتلمس خصلات شعرها حرير خديها
ولكن كل هذا يبدو بعيد المنال.
يستحيل أن أرتكب هذه الجريمة في حقها كل يوم يمر يثبت لي مقدار طهارتها وبراءاتها التي لم أتوقع لها نظيرا على سطح الأرض
منذ زواجنا وهي تستميت في لفت انتباهي
أريد أن أصرخ فيها لا تحاولي لفت انتباهي لأنكِ أشعلته اشتعالا
بت ألاحظ تغييرها لنوعية لباسها ولست جاهلا لأعرف سبب هذا التغيير
فهذه الطفلة العذبة تشك في رجولتي وحرصا على مشاعري لا تريد أن تضايقني بلباس قد يبدو كدعوة ما
ألم أقل أن عذوبتها وبراءتها لا حدود لها؟!!
بعد هذا الشهر الذي كان عذابا متواصلا وأنا أمثل التجاهل والبرود بينما أنا أشتعل بكل معنى الكلمة
قررت أن هذه الطريقة في تجاهلي لها هي الأسلم حتى تمل وتعود إلى أهلها دون أن أدنس جسدها أو روحها
أن ننفصل بطريقة ودية تحفظ احترامها لنفسها واحترامي لها
فكرت أن أكون قاسيا حتى أضايقها تعجيلا بذهابها لأهلها
ولكني لم استطع لم أستطع
لا أستطيع أن أقسو عليها بأي صورة
من يستطيع أن يقسو على ملاك مثلها
أصبحت الآن كل أمنيتي هي أن تذهب لأهلها قبل أن أفقد ما تبقى من عقلي
أعلم أن ذهابها سيكون صعبا علي ولكن مهما كان صعبا سيكون أهون كثيرا من وجودها أمامي (شوف وحر جوف)
مثل هذه الليلة تماما التي تمثل حالنا طيلة الليالي الماضية
.
.
وقفت أمام باب الغرفة لعدة دقائق وأنا أدعو الله أن يلهمني الصبر
وأحاول أن أتلبس وجه الجدية واللا مبالاة الذي أرسمه بمهارة كل ليلة
سلّمت
فردت ثم همست لي بسؤالها الليلي الذي لا أعرف ماذا تقصد به حقا فربما كان يجب أخر ما تهتم به هو هل تعشيت
وأجبتها إجابتي الليلية المعتادة: متعشي في المجلس
واهتمامها بي تجاوز مجرد سؤالي عن هل تعشيت أو تغديت كالشيء الوحيد الذي تستطيع أن تسألني عنه بغير حرج
فهي تهتم اهتماما بالغا بكل ما يخصني ملابسي متعلقاتي الشخصية وحتى أحذيتي
تتفانى في كل ذلك لأبعد حد وأجدني عاجزا حتى عن قول كلمة شكرا لها
أو حتى أرجوك توقفي عن ذلك فأنا لا أستحق اهتمامكِ
الليلة كانت مبهرة تماما أنثى حقيقية تتدثر بالغموض الأسود المثير المسبب للهلوسات
فهل هناك من هي مثلها جمعت الطفولة والأنوثة من أقصى طرفيها؟!
أجبرت نفسي على غض البصر
وهل هناك مصيبة أعظم أن يغض الرجل عينيه عن حلاله؟!
صليت قيامي وأنهيت وردي وهي جالسة في مكانها صامتة شاردة ساحرة موجعة
ابتلعت تنهداتي حتى تصبحين على خير لم أستطع قولها وأنا أندس في أريكتي التعيسة وأوليها ظهري وأنا أعلم أن النوم هو حلم صعب المنال.
*****************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف
الليلة يحدث شيء غير طبيعي
فلأول مرة منذ زواجنا تقاطع جوزا تمثيلية النوم التي أمثلها كل يوم
كنت قد تمددت حين سمعت اسمي الذي يذيب عظامي حين أسمعه منغما بين شفتيها: عبدالله
جلست معتدلا وأنا أهتف لها باحترام أجدني مجبرا عليه تجاهها: نعم
شعرت أنها طعنتني في عمق قلبي وهي تهمس باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني
حينها حاولت أن أبتسم رغم أني شعرت أن قلبي يُعصر : ومن قال لش أني متضايق منش
هل حقا تحاول منع نفسها من البكاء أم يخيل لي ذلك : ما يحتاج حد يقول تصرفاتك تقول وزود
عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك
ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني
أنا ماني بحجر ما يحس وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا
ما تبيني يا ابن الناس فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة
كلماتها كانت كحراب مسنونة رشقت في أعماق روحي لم أتخيل أنها تحمل في داخلها كل هذا الألم
ولكن أ ليس هذا ما أردته أن أضايقها حتى تعود لأهلها لذا وجدتها فرصة أن أقترح عليها ذلك لأريحها وأرتاح:
شكلش أعصابش تعبانة تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش ماعندي مانع
آلمتني صدمتها البريئة: وهذا هو الحل عندك زين ورحت أسبوع ورجعت نرجع لنفس موال حياتنا هذا
عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل حتى الكلام ما تكلمني ليش أقعد عندك
أنا لو رحت لهلي ما ابي أرجع هنا خلاص
تنهدت وجعي (ليس لدي حلا سواه يا أميرتي) : يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش وما يصير إلا خير
بدا لي أن كل شيء انتهى. وحياتي القصيرة معها التي كانت كحلم عذب مرير أوشكت على النهاية
شعرت بألم لا حدود له وأنا أخذها إلى بيت أهلها وأقرر أنني لن أعود لأخذها مرة أخرى
سأنتظر شهر أو شهران قبل أن أطلقها
كنت أرى وهي تدلف لبيت أهلها وكأنها تنتزع روحي معها وتذهب بها معها
طوال ذلك اليوم كنت في غير وعيي أشعر كما لو كنت مخدرا يسير متخبطا
أشعر بصداع مؤلم وأشعر كما لو أن هوة لا قرار لها سكنت يسار قفصي الصدري
حتى صالح وفهد كلاهما لاحظا شرودي وحالتي غير الطبيعية
يسألاني مابي فأجيبهما: لا شيء مرهق قليلا في العمل
ماذا أقول لهما هل أقول لهما أخوكما عاشق أبله حُكم عليه بالهوى ليتعذب عذابا مُستحقا؟!!
تلك الليلة كرهت أن أعود لغرفتي قضيت الليل ساهرا في المجلس ثم بعد ذلك خرجت مع فهد ودرنا قليلا في الشوارع
ولكن حرارة الجو أجبرتنا على العودة صليت الفجر ثم وجدت نفسي مجبرا على العودة
فجسدي وعقلي كلاهما كانا يئنان من الإرهاق
حين دخلت الغرفة كنت أحاول أن أغض بصري عن كل شيء يثير ذكراها
وإذا بغض البصر نفسه يذكرني بها وبحالي معها
أغراضها مازالت منثورة في المكان كل شيء هنا بات يحمل رائحتها وبصمتها
كل شيء هنا يحز في عروقي لتنثر دمي اشتياقا لها
قلت لا بأس سأعاني لعدة أيام وبعد ذلك سأعتاد غيابها
فإذا بي أتفاجأ بنفسي في الليلة التالية أقف في باحة بيت أهلها أنتظرها وأطلب منها أن تنزل لي
أي جنون أرتكبه في حق نفسي وحقها
أ بعد أن خطوت الخطوة الأولى في سبيل تحريرها مني أعاود تقييدها لأسري مرة أخرى
كانت المسألة ستتعقد وبدا أن والدها يرفض مغادرتها في هذا الوقت المتأخر
بينما أنا شعرت أنني سأموت فعليا إن لم أراها الليلة
آلمني حزنها الشفاف الذي شعرت به يتسرب من حناياها وهي تركب جواري صامتة لأعيدها إلى سجنها بقربي أنا الكاذب الصامت المحترق
عدنا إلى غرفتنا صامتين
اكتفيت فقط بوجودها معي في نفس المكان لا أريد المزيد أبدا
كوني معي فقط أرجوكِ
*********************************************