هل تكفي حقن السيولة؟
جيه برادفورد ديلونج - 26/08/1428هـ
في كل أسبوع يُـحقَن النظام المصرفي العالمي بالمزيد من السيولة بواسطة بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة والبنك المركزي الأوروبي. وكان متوسط سعر الفائدة المدفوعة عن مدخرات الليلة الواحدة في الولايات المتحدة أدنى من مستوى 5.25 في المائة سنوياً الذي ما زال بنك الاحتياطي الفيدرالي يصرح علناً بأنه هدف له.
إلا أن سوق مدخرات الليلة الواحدة تبدو الآن منقسمة إلى ثلاثة أقسام. فالبنوك المعروف عنها الازدهار والقوة تستطيع أن تقترض بسعر فائدة أقل كثيراً من 5.25 في المائة. أما البنوك التي تواجه مشكلات سيولة محتملة ـ والتي يرغب بنك الاحتياطي الفيدرالي في أن تكون قادرة على الاقتراض بفائدة 5.25 في المائة ـ فإنها تقترض من بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه بسعر فائدة 5.75 في المائة، وينطبق الوضع نفسه على عدد قليل من البنوك الضخمة التي ترغب في المزيد من السيولة ولكنها لا تصدق أنها تستطيع الحصول على هذه السيولة دون إرباك السوق.
إن هذا الفارق في الأسعار الذي تتحمله "البنوك المنظمة" في الأسواق المالية يعتبر بمثابة إشارة إلى انهيار محتمل. حتى اليوم كانت المبالغ الإضافية التي يتم تقاضيها بسيطة: ففي حالة اقتراض 100 مليون دولار لليلة واحدة، لا تتجاوز قيمة زيادة نقطة نسبية واحدة على سعر الفائدة ثلاثة آلاف دولار. وهذا يعكس ضعف الاحتمالات التي تفترض أن السوق تخصص بعض المبالغ تحسباً لحدوث أزمة مالية شاملة يصاحبها إعلان إفلاس بنوك وعجز بنوك أخرى عن السداد. ولكن في الأوقات العادية لا يتم تقاضي مثل هذه الرسوم الإضافية على الإطلاق.
إن مجرد وجود أزمة بسيطة في السيولة لدى البنوك يشير ضمناً إلى وجود أزمة سيولة أكثر ضخامة لدى المؤسسات المالية الأقل تنظيماً وانضباطاً، بل وحتى أزمة سيولة أضخم وأضخم لدى شركات التصنيع والتعامل في العقارات. وإنه لمن العسير أن نتصور أن الشركات العاملة في مجال التصنيع لا تلجأ الآن إلى تأجيل طلباتها من السلع الرأسمالية، وأن مبيعات المساكن الجديدة في أمريكا لا تشهد هبوطاً في هذه اللحظة.
ولكن كيف يتعامل بنك الاحتياطي الفيدرالي مع مثل هذا الموقف؟ الإجابة هي: "بحذر شديد". منذ عقد من الزمان شبه ألان جرينسبان المشكلات التي تواجهه في إدارة العملية النقدية بالمشكلات التي تواجه من يقود سيارة جديدة، كأن يوقفها فجأة عن دون قصد، أو أن يرفع غطاء المحرك فلا يفهم أي شيء مما يراه. لقد كانت التغييرات التي طرأت على عالم المال بهذا القدر من الضخامة.
تضمنت تصرفات بنك الاحتياطي الفيدرالي ما سماه محافظ البنك السابق لاري ماير "أدوات السيولة"، في مقابل السياسة النقدية القائمة على سعر الفائدة. ويأمل بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يتمكن من معالجة الموقف الحالي دون أن يضطر إلى إنقاذ سيولة السوق عن طريق تخفيض أسعار الفائدة بصورة حادة، وبالتالي التسبب فيما يخشى أن يكون تعزيزاً للإنفاق. وما زال بنك الاحتياطي الفيدرالي يأمل في أن يتمكن من استعادة السيولة واسترداد الثقة بسرعة، وأن يخدم صيف عام 2007 خبراء الاقتصاد في المستقبل كمثال يوضح كيف تشكل أسواق المال غير المترابطة تدفقات الإنفاق والإنتاج في الاقتصاد الحقيقي.
أظن أن بنك الاحتياطي الفيدرالي على خطأ في هذا: ذلك أن توابع أزمة السيولة الحالية تعني أننا بعد عام من الآن سنتمنى على الأرجح لو كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أعطى دفعة للإنفاق في هذا الشهر.
والسبب وراء هذا أن الإنفاق والإنتاج السليمين ما عادا يعتمدان على سلامة وصحة النظام المصرفي والثقة الشعبية باستقرار ذلك النظام فحسب. ذلك أن النظام المصرفي في وقتنا الحالي أصبح يشكل كياناً أضخم كثيراً من مجموعة المؤسسات التي كانت تسمى فيما قبل "البنوك" الخاضعة للرقابة والتنظيم المكثفين من قِـبَل البنوك المركزية ووزارات الخزانة.
فالبنك في الأساس كيان (أ) يتلقى الإيداعات، (ب) يقدم القروض، (ج) يتظاهر أمام مودعيه أن أموالهم (وما يترتب عليها من مسؤوليات) أكثر سيولة من الأصول التي يمتلكها، (د) يجني أرباحاً صافية نتيجة لهذا، و(هـ) يفلت بهذه الحيلة في كل مرة تقريباً. قد تكون الإيداعات عبارة عن رواتب أفراد، والقروض قد تكون لأعمال صغيرة. أو قد تكون الإيداعات عبارة عن أوراق استهلاكية صادرة عن شركة KKR Atlantic للتمويل، وتكون القروض عبارة عن سندات استثمار CDO متنوعة المجازفة، في سوق الرهونات العقارية الثانوية، وتكون شركة KKR Atlantic لها حصة قابضة في حافظة هذه السندات. أو قد تكون الإيداعات عبارة استثمارات في صناديق شركة D.E. Shaw، والقروض قد تكون عبارة عن استثمارات ثانوية معقدة تشكل حافظة استثمار شركة D.E. Shaw ذاتها.
في كل هذه الأحوال حصل المودعون على وعد بتوفير السيولة، إلا أن الوفاء بهذا الوعد أمر متعذر للغاية إذا ما أصبح موضع شك، وهو الآن موضع شك بالفعل.
لا ينبغي للبنوك المركزية أن تركز فقط على الحفاظ على سيولة الأسواق. ففي المستقبل ستصبح حتى الأسواق السائلة قادرة على الوساطة في صفقات أقل مما كانت قادرة على إتمامها منذ شهرين فقط. وعلى هذا فلا بد أن تركز البنوك المركزية أيضاً على الكيفية التي قد يؤثر بها الهبوط في حجم الأموال المتدفقة عبر الأسواق المالية على الإنفاق، وإلى أي مدى يتعين عليها أن تخفض أسعار الفائدة وأن توسع من المعروض من المال لمعادلة الآثار المترتبة على الإنفاق؟