شعرت أيفين بالأضطراب مجددا , وشعرت كذلك برغبة في أن تثور , أن راكيل بالمقارنة مع دون جوان سطحية , أنها تقضي أيامها في متع تافهة , وحبها له ليس عميقا.
كانت عودة السيد فونسكا الى الحديقة حاملا معه كتابا به مستنسخات من روائع الفن يريد منها دراسته , بمثابة خلاص لها من راكيل , أذ سأل أبنته:
" أتنوين البقاء ومشاركتنا الدراسة؟ ظننت أنك كنت في طريقك للغداء في هيدالغو مع واحد من المعجبين بك".
أبتسمت راكيل مبدية شفقتها على أيفين , وأجابته:
" أنه لن يمانع في أنتظاري , أشفق عليك يا عزيزتي لأنك مضطرة للعمل, عليك أن تأخذي بنصيحتي وتبحثي عن زوج".
سألها والدها بجفاء:
" وهل وجدت أنت زوجا لك".
" نعم يا أبي , هناك شخص خاص".
وأبتسمت في غموض وهي تقبل والدها على خده , وكانت لا تزال تبتسم وهي تلوح لأيفين مودعة , خرجت من باحة الحديقة , وأنتشر عطرها في الهواء ولم تفارق كلماتها أيفين بقية الصباح , كان دون جوان هو هذا الشخص الخاص , الذي يجب أن يتزوج ليكون له أبن يحمل لقبه ووصايته على الجزيرة.
تناولت أيفين الغداء مع معلمها تحت شجرة ظليلة , بينما الطيور تغرد والزهور تتعرّض لهجمات النحل.
" يبدو أنك حزينة , هل أنت متعبة؟".
" كنت أفكر يا سيدي أنني لا أستطيع البقاء في القلعة الى ما لا نهاية , متى تعتقد أنه يمكنني أن أعمل في غاليري مدريد؟".
أبتسم وهو يقطف خوهتين من الشجرة القريبة من الحائط بواسطة سكين ذات مقبض عاجي وقال :
" أن الصغار لا يصيرون , وهم يتوقون للمغامرات الجديدة , هل مللت بسرعة من مدرسك ذي اللحية والكتب السميكة التي يريد منك دراستها؟".
أسرعت الى القول:
" كلا , ليس هذا هو الأمر أنني أستمتع بكل لحظة هنا , وألعق كل ما تعلمني أياه كقطة عطشى , ولكنني أتوق الى الأعتماد على نفسي . لا يمكنني أن أعتمد دائما على دون جوان في مأكلي ومسكني".
أخرج فونسكا بذرة أحدى الخوختين ثم وضعها في صحن أيفين , وقال :
" أنا متأكد من أنه مسرور بتوفيرهما لك , أن جوان أسباني أصيل وهو كريم جدا , والقلعة خالية بالنسبة اليه وأنت تساعدين على شغلها , تعالي , تناولي لخوخة ولا تتصوري أنك عالة على أحد".
" متى يتزوج يا سيدي ؟".
" لا أظن أن االيوم الكبير قريب يا صغيرتي".
" ولكنني أريد أن أرحل يوم حدوثه".
ركّز السيد فونسكا نظره على أيفين وقال :
" هذا مفهوم , يوم يتزوج جوان , ستتغير الحياة بالنسبة اليك , ولكن أستمتعي حاليا بأيامك وأنت تحت وصايته".
أبتسمت وأكلت الخوخة وقالت :
" هذه هي الحياة".
" أجل يا صغيرتي , ما كتب علينا سنراه , وليس لنا جميعا غير الرضى بقدرنا مهما كان شكل هذا القدر".
" هذا يجعلني كورقة خريفية لا تدري متى تسقط".
" أنت تشعرين كذلك لأنك في سن الشباب , وللشباب أحلامه وآماله وأحزانه أحيانا , أن أفضل الشعراء والفنانين هم من الشباب , يجدون في الحب العذاب أكثر مما يجدون فيه من الراحة , والحب يتغلغل في كل شيء . لا مفر منه".
" لم أحب أبدا , وأعجب كيف يعرف المرء".
تأملها فونسكا للحظة طويلة ثم قال :
" يشعر المرء كأنما يموت ميتة صغيرة في كل مرة يودع فيها شخصا معينا بالذات , ويبتعد عنه ويكون مراده هو فقط البقاء الى جانبه , الحب شيء أساسي يا أيفين , أنه الرغبة لأن نكون جزءا من ذلك الشخص , ليس لساعة واحدة وأنما كل يوم , صدقيني , ستعرفين عندما تحبين , فأنت حساسة وعاطفة صادقة".
ضحك بهدوء على الطريقة التي تطلّعت بها اليه , كانت عيناها في صفاء العسل , وتنبأ قائلا:
" ستجدين سرورا عظيما أو حزنا كبيرا , ولا يمكن أن تكون حالة وسطى للفتاة التي يجب أن تعطي كل شيء لرجل واحد ".
قالت شبه ضاحكة :
" بدون هذا التفاني لا تصبحين طالبة ممتازة ".
♪♪♪