غابة الغجر
كانت السيارة تسير علىمهل الطريق الساحلي تجلس خلف مقودها فتاة جميلة تتأملروعة المشهد الطبيعي هضابخضراء تمتزج أطرافها برمال الخليج الصغير الذهبية وتحجب قسما منها أشجار عاليةمورقة.
كانت لين سلدن تنوي قضاء العطلة في ايرلندا الجنوبية برفقة صديقة لهالكنصديقتها اعتذرت عن المجئ فقررت لين المضي في رحلتها وحدها. انتقلت منانجلتراإلى ايرلندا بحرا وبذلك تمكنت من شحن سيارتها على الباخرةنفسها.
أمضت الفتاه إلى الأن عشرة أيام رائعة تتنقل في ارجاء ايرلنداالخضراءالساحرة . جمال الطبيعة انساها وحدتها فلم تكن تتذكر ذلك الا عندرجوعها فيالمساء إلى الفندق لتخلد إلى النوم. وبعد ان امضت لين يومها في مدينةدونيغالاستعدت للعودة على الفندق الواقع في اطراف المدينة لتتوجه في الصباحالباكرجنوبا نحو دانليرى حيث ستستقل الباخرة بعد ايام عائدة علىانجلترا.
اوقفت السيارة إلى جانب الطريف و اخرجت من حقيبتها خريطة المنطقةعيناهاتحدقان في الخريطة في حين ان فكرها شارد في امور اخرى و خاصة في عرضالزواجالذي تلقته قبل اسبوعين من زميلها في العمل توماس انه شاب لطيف و مهذبلكنهلا يتمتع بأية جاذبيه لا بل هو كما وصفته احدى زميلاتها بليد و مثير للضجروعدته لين بالتفكير جديا في الامر لانها بدات تشعر بالملل من العيش وحيدة فلاباس بفكرة الاستقرار مع رجل طيب رقيق لبناء عائلة صالحة.
الى جانب ذلكهناك سبب اخر يجعل لين تأخذ في الاعتبار عرض الزواج و هو شعورهابالأسف نحوتوماس الذي فجع خيانة زوجته له و انفصالهما بالطلاق وجدت الفتاهمعاناة قواسممشتركه مع ما تعرضت له حياتها العائلية تمتعت ليت بطفولة سعيدةبين والدينمحبين و في منزل وافر الامان لكن والديها انفصلا عن بعضهما و هيلم تتجاوز بعدالسبعة عشر ربيعا بعد ما وجدا ان طريق كل منهما يختلف عن طريقالاخر و خلالثلاث اعوام تزوجت امها من رجل امريكي و هاجرت معه الى امريكاكما ان والدهاتزوج من سيدة اقنعته بالهجرة الى استراليا و هكذا اصبحتلين وحيدة و هي فيالعشرين و تعيش دون عائلة لذلك قررت ان تجد الرجل الذيينتشلها من عذابها ويقاسمها حياة هنيئة.
ايكون هذا الرجل توماس سؤال لم تجد له بعد جواباشافيا تنهدت و هي تقودالسيارة و في طريق فرعي ضيق محاط بالاشجار العالية بعدان توغلت بضعة كيلومترات وصلت الى غابة كثيفة تقع في وسطها بحيرة جميلة يقومقربها مخيم للغجروجود جماعات الغجر في ايرلندا امر مألوف اكثر من وجودهم فيانجلترا غريب امهؤلاء القوم يتنقلون من مكان الى اخر لا يحبون الاستقرار كبقيةالبشر يبحثونعما لا يجدون فيستمرون في التجوال.
فجاة اذ تجاوزت السيارةاولى عربات الغجر اصدر المحرك صوتا قويا ثم توقفترجلت لين من السيارة و التفحولها عدد من الاطفال الفضوليين ثم تقدمت منهاغجريتان فيما هي منهمكة بالنظرعلى المحرك تحاول عبثا معرفة سبب العطل و برزمن بين الجميع شاب اسمر اللونعارضا المساعدة رفعت لين عينيها لترى شاب طويلمفتول العضلات اسود العينين اجعدالشعر نظراته ثاقبه ارعبتها فبلعت ريقها منالخوف.
قالت له اخيرا:-
- تعطل محرك سيارتي.
- هل نفذ منها الوقوداومات لين بالنفي و اجابت:
- الوقود فيها اكثر من كاف00وجدت الفتاة نفسها تحدق لاحظت تعاليا و غطرسة في هذهالملامح يجعلانه مختلفاعن بقية قومه فالغجر عادة اناس بسطاء متواضعون علمهمالفقر ان الخضوع هوالوسيلة الوحيدة لكسب ارزاقهم.
- بما ان الوقود متوافرلا اعلم سبب الداء. نحن نستعمل الجياد لا السياراتلذلك خبرتي في محركات ضعيفةجدا كل ما يمكنني فعله هو ارسال احد على المدينةلاحضار ميكانيكيا.
هذا لطفكبير منك , لكنني سأتدبر الأمر وحدي فلا داع للأزعاج0هز الرجل كتفيه علامة عدمالأكتراث , لكن لين كانت تدرك انه كاذب من خلالنظراته الشغوفه و الفاحصة. ولانها لمحت شابا يتوجه على حصانه نحو المدينةليحضر ميكانيكيا0شعرتبالحرج و هي واقفة بين هؤلاء الغجر0 فبدأت تتمشى حتى ابتعدت عن المخيمفي طريقموحش تحيط بجانبيه خضرة عذراء تبدو من خلالها مياه البحيرة مرآهتنعكس علىصفحتها بفرح أشعة الشمس الذهبية.
و بينما هي تتأمل شاعرية المكان و سحر وجوهالغامض سمعت وقع خطى تتقدم منهاعلى مهل فارتعدت علمت انه الغجري الاسمر تراءتلها اشياء كثيرة مرعبة اذ رأتهيقترب منها بكل ثقة و خانتها شجاعتها حتى كادتتصاب بالاغماء.
تحدث الشاب بنبره آمره:
- انت انجليزية اليس كذلك ظننت فيالبدء انك اميركية.
توقف عن الكلام و اقترب من الفتاه عضلاته القوية يبرزهاقميصه الاسود الضيق و
(( غجريته)) يدل عليها الشال الاحمر القذر الملفوف حولعنقه لو اراد فنان رسممتشرد لوجد فيه النموذج الامثل ارتجفت لين لتراودها فكرةالفرار و لكن الغجريلم يدع لها الفرصة لتجد منفذا تقدم منها بغته و اطبق علىذراعها دافعا اياهاالى مكان كثيف الاشجار خلال ثوان صارت بين ذراعيهالقويتين.
صرخت بأعلا صوتها:
- ايها الوحش!!
لم يابه الرجل لكلماتها بلطوقها ضاحكا و كان مقاومتها تزيد لعبته اثارة وبينما هم يهم بطرحها ارضا داساحدهم على غصن يابس فسمع صوت انكساره عالياالتفت الرجل و هو يزمجر غضبا لتظهرفتاه غجرية جميلة يتطاير الشرر منعينيها:-
- الم تشبع من افعالك القبيحةبعد دع الفتاه و شانها ايها الوقح!!
ذهلت لين لاطاعة الرجل الشرير اوامرالغجرية من دون نقاش و ما كاد يحرر يدهاالمليئة بالخدوش حتى اطلقت ساقيهاللريح.
جلست لين تفكر في كيفية افلاتها من قبضة الغجري الاسمر و لحسن حظهاوجدتاتوبيسا اقلها على الفندق في المدينة و من هناك اتصلت هاتفيا بجراجللسياراتفتكفل الميكانيكي باصلاح السيارة و جلبها في اليوم التالي بعد ان تبينانالعطل كان بسيطا للغاية.
سارعت لين بعد ذلك على مغادرة المنطقة وساهم انتقالها بين الطرقات الجميلةعلى نسيان الحادثة الاليمة فاستعادت روحهاالمرحة و رغبتها في اكتشاف المزيدمن ايرلندا.
وصلت على منطقة تدعى لاف كوريب حيث وجدتالمشاهد رائعة تحبس الانفاس الجبالالمراعي الواسعة البحيرات الغابات كلهامناظر خلابة تسحر الالباب تمتعالعين و النفس و ترحب بانسان المدينة التعبلينفث في رحابها الهموم وصلت علىواد اخضر تبحث عن مكان تمضي فيه ليلتها ووفقتفي العثور على المكان الملائممزرعة صغيرة يستقبل اصحابها النزلاء في جناح خاصمقابل مبلغ القليل من المال.
اوصلتها المراه صاحبه المزرعة الى غرفتهاالبسيطة النظيفة و اطللت لين منالنافذة لتشاهد المنظر الجميل و الجبال تكسوهاالغابات الكثيفة ثم لاحظتمدخنة بعيدة في وسط جبل اخضر.
سالت لين المراة وهي تشير الى المدخنة:-
- هذا بيت في الجبل اظن اني رأيت مدخنة.
- نعم هذاقصر السيد دوغى.
لاحظت الفتاة تغير في نبرة المرأه التي تابعت تقول:
- السيددوغى هو مالك كل هذه الاراضي و قد ورثها عن والده الذي كان الحاكمالاقطاعىللمنطقة بناء فخم تحيط به حدائق رائقة.
- هل يسمح للجمهور بزيارة الحدائق
- نعم الابواب تفتح للزوار يومي الثلاثاء وو السبت.
- اود لو سمحت يا سيدتي اناحجز هذه الغرفة ليومين.
- امرك انسة سلدن بامكانك حجزها المدة التي تريدينهنالك اشياء كثيرة يمكنكالقيام بها في هذه المنطقة باستطاعتك مثلا اذا كنتتجيدين ركوب الخيل استئجارجواد من مدرسة الفروسية و التوجه الىالغابات.
اعجبت لين بهذه الفكرة فهي لا تزال تجيد الفروسية التي تعلمتها ايامالطفولة.
انطلقت لين ظهر السبت صوب الحدائق قصر دوغي و بعد ان سلكت بسيارتهاطريقامنحدرا وصلت الى سفح التلة التي يقوم عليها القصر و بدات بالصعود نحوهالى انبلغت سورا كبيرا في وسطه بوابه مفتوحة يقف بجانبها حارس يرتدي ثياباانيقة.
دخلت الى موقف مخصص لسيارات الزوار بعد ان دفعت مبلغا صغيرا يذهب الىالاعمالالخيرية.
اخيرا وجدت لين نفسها تتجول في هذه الجنة اينما نظرتوجدت جمالا و بهاء ممراتتظللها اشجار سخية برك ماء صغيرة تغطيها الزنابق جداولتتدحرج بين الصخورتعلوها جسور خشبية صغيرة مكسوة بالنبات المتسلق تماثيل بديعةوسط نوافيرالمياه و تشكيلات من اجمل الزهور و ازهاها توقفت لين مرارا لتقرااسماءالاشجار و الازهار النادرة فتحت كل مجموعة وضعت لوحة صغيرة فيها شروحاتموجزةعن النوع كما قرات على احدى اللوحات ان شرفات الجهة الجنوبية من القصرصممتهاالسيدة موريل زوجة الكونت دوغى حاكم المنطقة في القرن التاسععشر.
وصلت لين خلال تجوالها غالى حديقة مليئة باشجار الزيزفون و شجيرات اخرىاجنبية مستوردة من القارة الأميركيه 0حديقة اقل ما يقال فيها انها فاتنه جعلتالفتاه تنسى كل شي و تعتبر ان العالم تقلص كثيرا ليصبح هذا المكان الخلابالذي لا موطئ قدم فيه الحزن او لهم لم تتمكن من كتم شعور بالحسد تجاه مالكىالقصر و تمنت لو تكون مكانهم.
حان وقت العودة الى الفندق و تساءلت لين: كيف يتمكن سكان القصر من حبس انفسهمفي الداخل عندما تفتح الابوابللزوار.
فيما هي متوجهه الى البوابة الرئيسية لاحظت لين مجموعة من الزوارملتفين حولنافذة من نوافذ القصر تقدمت منهم يدفعها فضول الاكتشاف فسمعت الحوارالدائربينهم.
قالت السدة المتوسطة العمر:
- هذه اللوحة تمثلوالدته.
علقت السيدة الاخرى:
- لقد كانت رائعة الجمال.
- من المؤسف انهااقدمت على هذا العمل!
- يقال ان علما اسود رفع على شرفات القصر بعد الحادث.
- و ما معنى ذلك
- معناه انها اعتبرت ميته بالنسبة لعائلتها بعد العار الذيسببته لهم.
- قيل انها ماتت بعد ذلك بوقت قصير اليس كذلك
- ماتت و هي تضعطفلها.
- و هل تعهد اهلها الطفل
- البعض يؤكد ذلك
- لكنه اصبح مالكالقصر و سيد الأراضي الان رغم كل ما حدث
- السيد دوغى عثر على هذه اللوحة و امربوضعها هنا ليعيد الاعتبار الى والدتهالمنبوذة
- يا لها من قصة محزنة! كميبلغ دوغى من العمر؟
- اعتقد انه اصبح في الثلاثين.
- هل هو متزوج؟
- لاهناك اشاعات كثيرة عن علاقة تربطه بممثلة سينمائية كبيرة لكنها اخبارملفقة لاتمت الى الحقيقة بصلة يقال عنه انه يؤمن بالحب من اول نظره و عندمايجد ضالتهالمنشودة سيتزوج فورا
- اتمنى لو استطيع رؤيته لانه كما سمعت شاب باهرالجمال
- ما يميز غيره من الرجال هو قصته الحزينة
- ما هي القصة الحقيقيةالتي وقعت لامه انا لا اعرفها كاملة
- يقال انها هربت مع
لم تسمعلين من القصة اكثر من ذالك لان المجموعة ابتعدت عنها باتجاه قسم اخرمن الحديقةنظرت من النافذة داخل القصر حيث علقت اللوحة المعنية فرات رسمامراه رائعةالجمال ترتدي فستانا من الحرير الازرق و على بساطته لا يخفيوجهها نظراتارستقراطية واضحة في العينين الزرقاوين شفتاها الورديتان ترسمانابتسامةالسعادة و البراءة من المحزن انها ماتت عند الولادةخرجت لين من الحدائق وهي تفكر بهذه القصة التي لم تتمكن من معرفة كل فصولهاشعرت بفضول كبير لمعرفةالحقيقة و للتعرف الى صاحب القصر الذي انقذ لوحةوالدته لينقذ شرفهاالضائع.
في الصباح التالي استعدت لين للرحيل بعدان سددت الفاتورة ووعدت بالعودة الىالمزرعة في رحلتها المقبلة الى ايرلنداتوجهت الى مدرسة الفروسية حيث تركتالسيارة في موقف خاص و ترجلت لتستاجر حصاناقررت ان تقوم بنزهه صغيرة علىالحصان في ذهابها الى منطقة جديدة ووقع اختيارهاعلى فرس قوي
- هل هذا الحصان هادئاجابت الفتاه المسؤولة عن الاسطبل:
- فونيلا افضل حصان عندنا و انا واثقة من انك ستفتقدينه كثيرا عندنا تنتهينمنجولتك.
حدقت الفتاة في لين جيدا و تاملت الوجه الرقيق و الشعر الاسود الطويلالمعقودبشريط ابيض كما اعجبت بالقامة الرشيقة و خصوصا بالساقين الطويلتين والخصرالضامر لاشك في ان لين فتاه جميلة تجذب الرجال و تديررؤوسهم.
بعد قليل كانت الفتاه الانجليزية تمتطي جوادها في الغابة التيارشدتها اليهافتاه الاسطبل حيث يمكنها التجول بحرية و حيث لا خطر بان تتوه لاناللافتاتمنتشره في الغابة خصيصا لارشاد المتنزهين.
كانت اشعة الشمسالساطعة تنفذ من بين اوراق الكثيفة بحياء مضفية على الجوالداكن اشراقه منالسحر وومضة من الغموض
- يا الهي! كانني بالجنة!
ضحكت لين مسرورة لأنها تتمكنمن الكلام و التفكير بحرية مطلقة في هذا المكانكان العالم اصبح ملكها لاينازعها فيه احد.
- حسنا يا حصاني الجميل لنرتح قليلا هنا.