ومن البدع العقدية جنبنا الله شرورها والخوض فيها ورزقنا الله اتباع سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
11.إنكار القدر وأن الله لا يعلم الأمور إلا بعد وقوعها : وهي بدعة شنيعة قديمة أنكرها الصحابي الجليل عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – عندما بلغه قول أصحابها، وقال غاضباً لمن أبلغه: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر " ثم ساق حديث جبريل، وفيه أن جبريل أجاب عن الإيمان فقال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره " رواه مسلم .
ومعنى الإيمان بالقدر: التصديق بأن الله علم الأشياء قبل خلقها، وأنه كتب ذلك العلم في اللوح المحفوظ، ثم خلق الخلق وفق علمه، فلا يتخلف عن علمه شيء، فهذه مراتب القدر التي يجب على كل مسلم الإيمان بها .
12.إنكار كرامات الأولياء : وهي بدعة قال بها المعتزلة متعللين بأنه لو ثبت القول بالكرامة لأشكل ذلك على إثبات المعجزة، ولما تم التفريق بين النبي والولي، ورد عليهم أهل السنة بالقول: إن النبوة انقطعت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكل من يأت بعده ويحدث له أمر خارق للعادة فلن يكون سوى ولي ليس إلا، فإيراد مثل هذا الاعتراض والتوصل به إلى نفي الكرامة ما هو إلا تشغيب على النصوص المصرحة بإثبات الكرامات للأولياء، وهي كثيرة جداً منها قول الله سبحانه عن مريم، وهي ليست من الأنبياء بل من الأولياء: { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }(آل عمران: 27)
ومنها حديث أنس - رضي الله عنه - أن أُسَيد بن حُضير وعبَّاد بن بشر – رضي الله عنهما - خرجا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما . رواه البخاري ،
وفي قصة أسر خبيب بن عدي - رضي الله عنه -، قالت من كان أسيرا عندها: " ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله إياه " رواه أحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/153: "
ومن أصول أهل السنة والجماعة : التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ".
13. القول بأن الإيمان مجرد تصديق القلب، وأن الرجل إذا صدّق بقلبه ولم ينطق لسانه بالتوحيد، ولم يقم بأي من الأعمال الصالحة فهو مؤمن ناج عند الله : وهو قول المرجئة، وهو بدعة مخالفة لأدلة الكتاب والسنة وإجماع السلف، قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } ( الأنفال:4)
فوصف سبحانه المؤمنين بأوصاف قلبية من الخوف والوجل وبأوصاف عملية من الصلاة والصدقة فدل ذلك على أن اسم الإيمان يجمعهما، ووصف - صلى الله عليه وسلم – الإيمان بأنه مجموع القول والعمل، فقال – عليه الصلاة والسلام - :( آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس ) متفق عليه،
وعلى هذا إجماع السلف قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : " وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر " ( اللالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة ).
14. حصر أسباب الكفر في جحود القلب، فلا يكفر إلا من كذّب بمعلوم من الدين بالضرورة كالتكذيب بفرض الصلاة والصوم والزكاة والحج : وهو مذهب مبتدع مفرّع على سابقه في حصر الإيمان بتصديق القلب، فلا غرو أن يقول أصحاب هذا المذهب بحصر الكفر في التكذيب، وحيث ثبت بالأدلة الشرعية بطلان القول بحصر الإيمان بالتصديق فما تفرّع عنه باطلٌ أيضاً، ونزيد على ذلك أن الله أكفر إبليس بتركه السجود لآدم، ولم يكن إبليس جاحداً لأمر الله منكراً له، وإنما كان معترضاً عليه حيث قال: { أأسجد لمن خلقت طيناً }(الإسراء: 61 )
فدل على أن الكفر لا يحصل بالجحود فقط وإنما قد يحصل بأسباب عديدة منها: الفعل المجرد كرمي المصحف في القاذورات، ومنها قول اللسان كالاستهزاء بالله ورسوله، ومنها اعتقاد القلب كإنكار الصلاة والزكاة والحج .
15. القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص : وهو بدعة تفرعت عن القول بأن الإيمان هو التصديق، وأن التصديق شيء واحد لا يتفاضل أهله فيه، وبالتالي فهو لا يزيد ولا ينقص، وأنكر أهل السنة هذا القول وأبطلوه وأبطلوا ما بني عليه، وبينوا أن الإيمان ليس مجرد التصديق فقط، وإنما تصديق وقول وعمل ولا يجزئ أحدهما عن الآخر، وأن إيمان القلب يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }(آل عمران: 173) .
16. إنكار خروج المهدي عليه السلام : وهو إنكار ذهب إليه بعض المعاصرين ظناً منهم أنه يعارض عقيدة ختم النبوة، أو أن في الإيمان به تعلقاً بغيب يؤدي إلى تعطيل مهمة الإصلاح الواجب على الأمة،وهو تعليل عليل؛ إذ لا يمكن أن نجعل من فهم بعض الناس الخاطئ لبعض النصوص سبباً في إنكارها، وإلا لأدى ذلك إلى إنكار كثير من الأحكام، وأحاديث خروج المهدي كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً (يعني سنين ) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والأحاديث في هذا الباب كثيرة نص بعض العلماء على تواترها تواترا معنوياً .
17. إنكار نزول عيسى عليه السلام : وهو مذهب قال به بعض المعاصرين مخالفين في ذلك النص والإجماع، قال تعالى: { وإنه لعلم للساعة }(الزخرف: 61 )
روى أهل التفسير عن ابن عباس و مجاهد و الضحاك و السدي و قتادة في تفسير الآية أن المراد بها: خروج عيسى عليه السلام،
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم بن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ) رواه البخاري ومسلم
والقول بأن نزول عيسى آخر الزمان معارض لعقيدة ختم النبوة مردود من وجهين:
الوجه الأول: أن نبوة عيسى – عليه السلام – بعد نزوله هي استمرار لنبوته السابقة، وليس استحداثاً لنبوة جديدة، والحديث إنما نفى استحداث نبوة جديدة وليس استمرار نبوة سابقة.
الوجه الثاني : أن عيسى حين نزوله إنما يعمل بالإسلام، ويكون تابعاً لنبيه – صلى الله عليه وسلم - حيث يقتل الخنزير، ولم يقتله في زمن نبوته الأولى، ويصلي بصلاة المسلمين مأموماً لا إماماً، ويجاهد مع أهل الإسلام، ولم يجاهد مع أهل ملته.
18. القول بأن الله حل في بعض خلقه : وهو مذهب منكر وبدعة شنيعة كفر العلماء من قال بها، وبينوا أن الله لا يحل في أحد من خلقه ولا يتحد بهم، بل له سبحانه التفرد المطلق، فهو بائن من خلقه، مستو على عرشه يعلم ما في السموات والأرض، وهو على كل شيء قدير . قال الإمام العز بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام":" ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر ".
19. القول بوحدة الوجود : وتختلف هذه البدعة عن سابقتها، أن الأولى يدعي أصحابها الاتحاد الجزئي أي أن الله يحل في بعض مخلوقاته، بينما يدعي أصحاب هذه البدعة أن الكون كله من عرشه إلى فرشه ما هو إلا الخالق سبحانه، وألا وجود في الكون لسواه، حتى نطق بعضهم بالكفر جهراً فقال:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة
وهذا كفر وإلحاد وزندقة، فالله واحد أحد متفرد متعال لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يحل شيء من مخلوقاته فيه قال تعالى: { الرحمن على العرش استوى }(طه: 5 ) فكيف يستوي على العرش ويبين عن الخلق إذا كان الخلق صورته وحقيقة وجوده، لا شك أن هذا القول أشبه بهذيان المجانين منه بكلام العقلاء فضلاً عن العلماء .
20. القول بتناسخ الأرواح : وهو قول الهندوس والبوذيين، وانتقل إلى بعض من ينتسب إلى الإسلام فقال به، ومفاده أن الروح إذا فارقت الجسد انتقلت إلى غيره، ويتحدد الجسد المنتقل إليه من خلال عمل الإنسان في حياته، فإن كان صالحاً انتقل إلى جسد ينعم فيه، وإن كان فاسقاً انتقل إلى جسد يعذب فيه، وهو قول باطل ومذهب عاطل، ليس عليه دليل من عقل ولا نقل، ولا معرفة لهم بما يقولون إذ لم يخبر أحد بما حصل له في حياته السابقة، وأمكننا التحقق مما يقول، فمن أين لهم ذلك ؟!، وكيف عرفوا به ؟! واحتجاج البعض بآيات من القرآن على هذا الهراء نوع من السخرية بآيات الله، حيث نزع البعض إلى بعض الآيات التي وردت في سياق معين ليركبها على مذهبه المشين كقوله تعالى: { في أي صورة ما شاء ركبك }(الانفطار: 8 ) وهي آية لا علاقة لها بالتناسخ من قريب ولا من بعيد، فهي تتحدث عن غرور الإنسان، وتتساءل كيف يغتر بنفسه وأمره كله بيد ربه ؟ فهو الذي خلقه، وهو الذي صوره على صورته التي هو عليها، ولو شاء لصوره على غير خلقه المستقيم، كأن يصوره قرداً أو خنزيراً، فالآية تضمنت امتنان الله على عباده بخلقهم على ما هم عليه، ولا تعلق لها بتناسخ الأرواح البتة.
.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وصلِ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
يتبع
إن شاء الله