احتكار «القطاع الخاص»!
عبدالله بن ربيعان الحياة - 10/09/07//
نتذكر جميعاً ان موظفي «الخطوط السعودية» و «وزارة البرق والبريد والهاتف» سابقاً كانوا هم الأكثر «حظوة» والأكثر أهمية في المجتمع، وكانوا «يُجلسون» في «صدر» المجلس و «تدار» عليهم «الفناجيل» قبل الجميع، وكانت معرفتهم والتقرب لهم هدفاً للجميع، لأن الحصول على هاتف او «تذكرة» في الموعد المناسب يحتاج لتدخلهم و «واسطتهم» .
ولكن مع انفتاح الاقتصاد وتحويل إحداهما الى شركة تدار بمفهوم «الربحية» والأخرى الى مؤسسة عامة، غيّر كثيراً من واقعهما، وأصبح موظف هذين القطاعين «يبتسم ويرد بأدب وينفذ ما تريد بحسب رغبة العميل» لأن مفهوم «الربحية» قلب كثيراً من الموازين وجعل «رضا الزبون» الهدف الأول لهذه المؤسسات والشركات، وهذا كله بفضل فتح باب المنافسة في سوق حرة ترتبط ربحية مقدمي الخدمة فيها بالجودة والكفاءة.
وان كان التحول للتخصيص وفتح باب المنافسة أثرى سوق الاتصالات السعودية بثلاث شركات تتنافس على خدمة العميل، كما ادى فتح باب المنافسة في الطيران الى دخول شركتين جديدتين لسوق الطيران الداخلي، وهو ما يؤدي الى رفع كفاءة الأداء وتحسن وتطور الخدمات، الا ان «المنافسة» تحتم عدم الاقتصار على الموجود فقط، لأن المنافسة قد تتحول من «منافسة كاملة» الى «احتكار قلة» او «كارتل»، ولنا في البنوك خير مثال، فليس هناك منافسة بينها وإنما اتفقت ضمنياً على «اقتسام» السوق بينها، ولم تسع للتطوير والابتكار لأنها أمنت دخول منافسين جدد، سيما مع توجه البنوك الأجنبية التي حصلت على تراخيص في المملكة لفتح وكالات فقط تبحث عن شريحة معينة في المجتمع ولا تنافس في مجال «مصرفية الأفراد»، وهو ما يجعل 43 في المئة من السعوديين لا يستفيدوا من خدمات المصارف والبطاقات والصرافات لأنهم بعيدون عن المدن الكبيرة وفي قرى وأرياف لا يوجد فيها فرع لبنك، ومما طالبت به في مقال سابق ان تفتح الأبواب لإنشاء «بنوك المحافظات» ليقوم بنك الشمالية بخدمة المنطقة الشمالية، وبنك الجنوب بخدمة اهالي المنطقة الجنوبية ويصل بفروعه الى هجرهم وقراهم ومراكزهم الإدارية، ومثلها في جازان ونجران وبقية مناطق المملكة، فخدمة البنوك أصبحت ضرورة ولا يجب ان ننتظر مصارف الرياض لتفتح فروعاً في بيشة او الحديثة او سامطة او غيرها، فقيام بنوك المحافظات سيخدم السعوديين أينما وجدوا على امتداد رقعة الوطن، وبالمثل فإن «احتكار» شركة النقل الجماعي التي تملك الحكومة نسبة كبيرة من أسهمها جعلها تحقق نتائج متواضعة، مع انها تحتكر بمفردها مساحة وطن تقدر بـ 2.25 مليون كلم، وبعدد سكان يربو على 23 مليون نسمة، ولاشك ان فتح باب المنافسة سينفض عن هذه الشركة الغبار ويجعلها اكثر جودة وكفاءة.
ان باب «التراخيص» يجب ان يفتح على مصراعيه بعد وضع شروط وضوابط معينة لكل قطاع على ان يدخل للقطاع من اراد بعد ان يستوفي كل الشروط والمتطلبات التي تطبق على الجميع بالتساوي وتكون واضحة ومنشورة في شكل نقاط أ، ب، ج، وليس من المعقول ان نمنع شركة او مصرفاً من دخول السوق بحكم «النظام» وعدم اعطاء «ترخيص» لأن ذلك سيحول المنافسة التي ننشدها الى «احتكار تام» او «احتكار قلة» وهو ماسيقضي على جودة الخدمات والسعي لتطويرها وتحسينها، سيما في المرحلة التي يمر بها اقتصادنا الوطني حالياً من تغيير وانفتاح سيكون رهانه على «قطاع الخدمات» الذي لا يشكل عندنا الا حوالى 40 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، في حين يشكل في الدول المتقدمة ما يصل الى 75 في المئة من نواتجها المحلية، وذلك بفضل فتح المجال لمن رغب في دخول النشاط بعد استيفاء الضوابط والمتطلبات.