وفيما هي تهبط درجات السلم رحت اردد في ذهني كلماتها:
"ترى اين هو الآن؟ وماذا يفعل؟"
***
غادر المستر الكسندر بونابرت سوست مسرح توركاي مع الخارجين بعد ان استمتع بمشاهدة الفيلم العاطفي جدا"ليس عصفورا" ورمش بعينيه في شمس ما بعد الظهيرة وتلفت حوله كعادته دائما او على الأصح كما يفعل الكلب الضال في الحياة وغمغم لنفسه " انها لفكرة"
وانطلق باعة الصحف حوله يصيحون "آخر طبعةمجرم مجنون في بلدة سيرستون " وكانوا يحملون لافتات مكتوبا عليها بالخط العريض "جريمة سيرستون آخر طبعة" ودس المستر سوست يده في جيبه فوجد قرشا اشترى به نسخة من احدى الصحف المسائية ولكنه لم يتصفحها فورا ومضى إلى حدائق "البرنس جاردنز" حيث سار في بطء وتمهل إلى مقعد يواجه مينا توركاي فجلس عليه وفتح الصحيفة حيث واجهته العناوين الرئيسية بهذه الأنباء"مصرع السير سيرميكال كلارك"، " مأساة رهيبة في بلدة سيرستون " "المجرم المجهول مجنون رهيب" وتحت هذا كله قرأ ما يلي "روعت البلاد منذ شهر واحد بمصرع الفتاة الشابة الحسناء بيتي بارنارد في مصيف بكسهيل ولعلنا نذكر انه وجد بجانب الجثة دليل "ا.ب.س" للسكة الحديدية وكذلك عثر رجال المباحث على دليل من هذا النوع بجانب جثة السير سيرميكال كلارك ومن ثم يرى رجال المباحث ان مرتكب الجريمتين مجرم واحد فهل يمكن ان يكون ثمة مجرم مجنون يعبث فسادا في مصايفنا"
وغمغم الشاب في قميص ملون وبنطلون رمادي كان جالسا بالقرب من المستر سوست قائلا:
- شيء مزعج.
وجفل المستر سوست في جزع ولكنه تمالك نفسه وقال:
- آهأجل أجل
ولاحظ الشاب ان يدي الرجل الكهل الجالس بجانبه ترتعدان بحيث كان عاجزا عن امساك الصحيفة بهما فقال له:
- ان الإنسان لا يستطيع ان يواجه مجرما مجنونا كهذا بالطرق المألوفة وأعجب من هذا ان الواحد منهم لا تبدو عليه مظاهر الجنون في اغلب الأحوال.
- اعتقد هذا
- ويلوح ان الحرب هي المسؤولة عن كثرة هذه الإصابات العقلية.
- اظن انك انك على حق في هذا.
- انني ابغض الحرب
فالتفت المستر سوست اليه وقال:
- كلنا نكره الأوبئة ومرض النوم والمجاعات والسرطان ولكنها مصائب لابد من وقوعها.
فقال الشاب بلهجة تأكيد:
- ولكن الحروب مصائب من الممكن تلافيها.
وضحك المستر سوست ضحكا عاليا ولمدة طويلة وجزع الشاب بعض الشيء وقال لنفسه "ان الرجل مجنون" ثم قال بصوت مسموع:
- انني آسف يا سيدي اعتقد انك اشتركت في الحرب الأخيرة.
- أجل وقد اصابنتني في عقلي ان عقلي لم يعد كما كان ابدا ان الصداع يلازمني دائما بشكل لا يحتمل.
- أوه انني آسف لهذا.
- وفي بعض الأحيان أكاد لا اعرف ما افعله من فرط الألم
فقال الشاب وهو ينهض مسرعا:
- أحقا؟ آه يجب ان امضي الآن فاني على موعد.
وبقي المستر سوست في مكانه واخذ الناس يسيرون امامه ذهابا وجيئة وكان معظمهم يتحدثون عن الجريمة وطوى المستر سوست صحيفته ودسها في جيبه ونهض في طريق العودة إلى المدينة وراى في طريقه فتيات كثيرات جميلات ضاحكات يغازلن بالنظرات والإبتسامات الشبان والرجال الذين يمرون بهن في الطريق ولكن لم تفكر واحدة منهن في ان تلقي مجرد نظرة واحدة على المستر سوست.