عودتنا ظروفنا الاقتصادية ومفاهيمنا الاجتماعية أن الزواج هو نهاية المطاف لكن الحقيقة أن رحلة الحياة الزوجية لابد من الالتفات لها طوال الوقت ومراجعة أدائها من حين لآخر وذلك علي كل من الزوجين دون اقصاء طرف لآخر
لأن الحياة الزوجية مثل أية مؤسسة كما تحتاج دفعة قوية عند إنشائها فإنها تحتاج إلي صيانة من حين إلي آخرحتي تستمر.
وأهل الخبرة وأصحاب الدراسات يؤكدون أن الحوار هو أهم أدوات صيانة تلك المؤسسة والسطور القليلة ندعو فيها إلي تبني فكرة الحوار بين جميع أفراد الأسرة الزوجين والآباء والأبناء فالمؤسسة الزوجية المصرية تحتاج دائما إلي الارتقاء بالحوار الراقي الذي يدعو إلي تحمل عناء الحياة ومواجهتها.
تري الدكتورة نسرين البغدادي أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الحوار أساس التواصل; وتقول: فكرة الحوار مطلوبة علي أي مستوي من المستويات لأنه يؤدي إلي مد جسور التواصل, وأساس التواصل أن يعرف كل طرف من الطرفين أو الشريكين في ماذا يفكر الطرف الآخر وبالتالي عند مواجهة مشكلة من المشكلات فإنه لايمكن حلها إلا بالحوار, الأمر الثاني أن الحوار يخلق حالة من الود والتعاطف وأحيانا توضيح الأمور وتوضيح ملابسات السلوكيات التي من الممكن أن يتفهمها الآخر بصورة مغايرة تماما لما يقصده الطرف الثاني, فتوضيح الصورة هو أساس الحوار, كما أن الديمقراطية أساسها الحوار ولا يصلح أن يتحدث طرف ويكون الآخر سلبيا, فالحوار يقلل حدة الخلافات, فإذا صادفتنا مشكلة 'ما' ولم نتحدث فيها من كل الجوانب فسيحدث تراكم للمشكلة مع الزمن, أما في حالة الحوار فالمسألة تخف حدتها ويصبح الوصول لحلول لها أمرا ممكنا, ولكي ينجح الطرفان في الحوار فلابد أن يتقبل الشخص وجهة نظر الآخر ويتفهمها ويعطيه الفرصة لشرحها بالكامل, وكذلك لابد من تقبل رأي ووجهة نظر الآخر والاقتناع بها وتفهمها بشكل كبير واستخدام لغة راقية في الحوار, فالرقي في الحوار أساس أي رقي في الدنيا, أما إذا كان الحوار غير راق وبه من الألفاظ الجارحة وتفسير وجهة نظر الآخر حسب ما يريده الطرف الأول, فبالضرورة سيصل الأمر إلي طريق مسدود.
وعن الوقت المناسب للحديث والحوار بين الزوجين; تقول: أنسب وقت للحوار أن يكون الطرفان علي قدر كبير من الاستعداد لفتح حوار ونقاش وأن يقصدا الوصول لحل ووجهة نظر مقبولة, والأهم ألا تكون عليهما ضغوط, فإذا كان أحدهما يعاني من وجود ضغوط معينة فلا يصلح في هذا الوقت الحوار, وينطبق ذلك علي جميع المستويات حتي علي مستوي الدول.
والحوار بين الزوجين سيقلل المشكلات بينهما وبالتالي ستكون هناك فرصة كبيرة جدا لاستمرار الحياة.
أما فكرة عدم احترام أو تقدير طرف لآخر فبالتأكيد سيؤدي ذلك إلي فشل الحوار وليس بالضرورة أن يحدث ذلك من الرجل تجاه المرأة, فكثيرا ما نري أن المرأة لاتحترم أو تقدر زوجها وبالتالي لا يوجد بينهما حوار .
فالمسألة تتلخص في كيفية وجود احترام ورقي في الحوار وامتلاك القدرة علي الاستغناء عن وجهة النظر, وبالتالي إمكانية الوصول إلي وجهة نظر مغايرة تماما ربما تكون هي الحل .
ويتفق معها الدكتور فاروق لطيف أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة القاهرة ويري أن الحوار يزيد من التفاهم والترابط والقبول بين الطرفين; ويضيف قائلا: الإنسان مخلوق اجتماعي بطبيعته, والحوار أو الحديث ينقل الأفكار إلي الطرف الآخر, وهو ضروري عند تعرف طرفين أو تفاوضهما وتكون نتيجته الراحة النفسية وسهولة التعامل وتحقيق المطالب, وكلما زاد الحوار بين مجموعة من الأفراد فإنه يزيد من التضامن بينهم, حتي الناس في المجتمع عندما يكون بينهم حوار يسود التفاهم والتعاون والتعارف والقبول والترابط, لذلك كانت المجتمعات الشرقية في الماضي تمتاز بوجود حالة من الحوار بين الناس, ولم يكن هناك وجود لأشياء كثيرة ينشغل بها الناس, وكانت الطريقة الوحيدة للتواصل هي الحوار بين الناس وأحيانا كانت تقام الحفلات كوسيلة للحوار والتعرف علي فكر ومشكلات الآخرين وبالتالي إمكانية حلها.
لكن مع بدء ظهور وسائل أخري يتعامل معها الإنسان بذاتية مثل الراديو والتليفزيون وبعض الألعاب -وهي ممارسات فردية- كاد التجاوب بين الأفراد يختفي كما قل الانفتاح علي الآخرين.
والشيء نفسه ينطبق علي الزواج الذي يعتبر شركة بين اثنين وعليهما أن يتفاوضا وكلما زاد الحوار بينهما زاد التفاهم والتراضي والتراحم وتحقيق المطالب دون طلب وبالتالي سيزداد الترابط بينهما, لذلك أري أن هذه الدراسة الألمانية التي تربط بين الحوار وديمومة الزواج وقلة الطلاق هي دراسة جيدة جدا, أخرجت فرضية جديدة لكنها موجودة, فالزمن يعيد أو يراجع نفسه تماما مثل الموضة التي تعود للظهور وأري أنها إثبات لحقيقة ثابتة بالفعل.
* هيا نتحاور
ويشرح الدكتور فاروق لطيف الطريقة المثلي لإنجاح الحوار بقوله: الحوار يدخل فيه دائما العموميات أكثر من الخصوصيات وكذلك اكتشاف الآخر, ومن المفترض ألا تكون الأسئلة مباشرة في الحوار, فإذا جاء الزوج إلي المنزل ويظهر عليه الضيق مثلا, فلا يصح أن تسأله زوجته مباشرة عن سبب ضيقه, فالحوار دائما يبدأ بالتخفيف علي الطرف الآخر وعدم التحدث بشكل مباشر في أي موضوع لكن التمهيد للطرف الآخر لكي يعرض رأيه, وكذلك لابد من التدرج من العام إلي الخاص, حتي في التفاوض والحديث بين أطراف لايعرفون بعضهم البعض; هناك بروتوكول للحديث فالتحدث في العموميات يمهد الطريق للطرف الآخر لعرض ذاته, لذا لابد من خلط العموميات بالخصوصيات وتحقيق مطالب الآخر من غير طلب والإنصات والتفهم والتعامل والقبول.
أما بالنسبة للمدة المناسبة للتحدث يوميا بين الزوجين, فأري أن كل ثقافة لها نظامها والإنسان مخلوق خاص وكذلك الزواج علاقة خاصة فلا أستطيع تحديد المدة أو الوقت كعموميات, فمن الممكن أن يحتاج البعض للتحدث علي مدار اليوم وآخرون لأقل من ساعة حتي ما تم تحديده في البحث هو عرض رأي أكثر من كونه بحثا مقننا, فالحوار هو الكلام والثقافة تجميع للفكر الإنساني, وأساس الإنسان هو الاختلاف, فكل فرد له فكر خاص مختلف عن غيره وعندما نقوم بعمل حوار أو عرض لهذا الفكر سنصل إلي اتفاق وتوافق يعني التراضي وبالتالي حسن التعامل وحب الاستمرارية, فأساس الحياة الاختلاف والاتفاق يأتي نتيجة للحوار وبالتالي تحسين مستوي التعامل بين الأفراد.
من جانبه يري الدكتور محمد صلاح الدين أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة القاهرة أن ثقافتنا تفتقر إلي وجود الحوار وأن الرجل يعتبر الحوار معه أو مراجعته أو الجدال انتقاصا لكرامته ورجولته; ويقول: فكرة الطلاق في ألمانيا مستبعدة وهم من أقل الشعوب علي مستوي العالم في الطلاق, والعقل الألماني عقل رشيد وعندما يأخذ أحدهم قرار الزواج يكون بعد تفكير عميق ربما يصل إلي عشر سنوات, لأنه يأخذ قرار الزواج وهو يعرف أنه يريد تكوين أسرة وفكرة الحوار لابد أن تكون موجودة وخصوصا في المجتمعات الديمقراطية, وذلك مختلف عنا تماما, فإذا قلنا للرجل بضرورة أن يفتح حوارا فإنه يعتبر ذلك انتقاصا لكرامته ورجولته وذلك غير صحيح تماما, فأي قرار يتم اتخاذه يؤثر علي الأسرة كلها, وعندما يكون القرار جماعيا ومن وجهات نظر متعددة وبعد مناقشة فمن المنطقي أن تقل معدلات الطلاق, وذلك متناسب مع الألمان وطبيعة الشعب وعدم الطلاق بسهولة بينهم, أما بالنسبة لنا في مؤسسة الزواج فلدينا خرس زواجي وما يحدث في الزواج هو انفراد فرد بالقرار دون اعتبار للشخص الآخر أو رأيه, وهذا 'الآخر' يكون مستسلما لهذا الوضع علي اعتبار أنه قضاء وقدر, ولذلك لابد أن نسأل عن سبب ارتفاع نسبة الطلاق عندنا وخصوصا في السنة الأولي, بالتأكيد لأن مفهوم الزواج لدينا هو إشباع الغرائز وليس بناء أسرة, أما في الغرب فإشباع الغرائز لا يمثل مشكلة, وبالنسبة لنا فالزواج هو السبيل الوحيد لإشباع الغرائز, وطالما حدث إشباع لها فلا ننظر لاحتياجات الطرف الثاني والجاني هنا دائما هو الرجل الذي لا يهتم بما تشعر به وتريده المرأة, وبالتالي يتحول إلي حوار غرائزي منتقص, بالإضافة إلي ذلك ساهمت الظروف الاقتصادية في انعدام الحوار بين الزوجين, فالزوج يأتي من عمله منهكا ويدخل المنزل لينام أو يأتي ليأكل ثم يذهب لعمل آخر, وبالتالي من الممكن عدم حدوث أي حوار ويتخذ هو القرار.
ولتغيير هذه الثقافة وإعمال الحوار بين الأزواج; يقول الدكتور محمد صلاح الدين: لكي يتغير ذلك لابد أن نغير مفهوم مؤسسة الأسرة, والثقافة التي تبني عليها مؤسسة الأسرة, فتنشئة الفتاة عندنا عليها علامات استفهام كثيرة حيث تنشأ وتتربي علي عدم 'كسر' كلمة الزوج, ومن الممكن أن تكون العلاقة بينهما فاشلة فشلا ذريعا لكن تجبر علي الاستمرار حرصا علي الشكل العام, وبالتالي تنشأ الفتاة معتبرة أن ذلك هو مفهوم مؤسسة الزواج الناجحة والتي ليس من بين مكوناتها الحوار, لذا لابد من تغيير ثقافة الزواج لدينا والمناخ العام وقواعد التنشئة.
من ناحية أخري أري أن الشخص الذي لديه القابلية للحوار لابد أن ينشأ في وسط فيه هذا الحوار, فابني عندما يحاورني وأقول له 'اخرس' أو 'أنت لا تفهم' سيحصل له كبت وبمرور الوقت يتحول إلي عقدة نفسية وبالتالي لن يتكلم, بالإضافة إلي المدرسة التي تفتقر إلي فكرة الحوار مع المدرس وإذا حدث وتناقش أحد الطلبة مع المدرس يقول له 'إيه فهمك انت ',لذا لابد من تغيير المناخ العام, فإما أن نخلق جيلا مريضا أو جيلا صحيحا علي المستوي الفكري والنفسي وعلي مستوي الحوار.
وبعد: هل ندخل مجال الحوار؟ وهل نفكك مشكلاتنا بالكلام والتحاور والإقناع بدلا من القهر؟ ابدأ بنفسك.