شكرا hameli وبارك الله فيك
|
شكرا hameli وبارك الله فيك
قربات رمضان
أولاً: صلاة التراويح
وهي صلاة القيام في ليالي شهر رمضان والتراويح في اللغة: جمع ترويحه وهي المرة الواحدة من الراحة وسميت الترويحة بهذا الاسم في شهر رمضان لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات ولقد اتفق المسلمون على سُنِّية قيام ليالي رمضان عملاً بقول النبي{مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[1]وخاصة الليالي العشر الأخيرة طلباً لليلة القدر فقال {اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ}[2] وكان رسول الله {إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ}[3] وهي سُنَّة مؤكدة للرجال والنساء وليست واجبة فمن تركها حُرِمَ أجراً عظيماً ومن زاد عليها فلا حرج عليه ومن نقص عنها فلا حرج عليه وتكون بعد صلاة ركعتي سُنَّة العشاء البعدية ويستمر وقتها إلى طلوع الفجر يُسن أن تكون في جماعة ويُسن أن يوتر بعدها وقد صلاها رسول الله ثماني ركعات كما ورد في الموطأ وصلاها إحدى وعشرون كما قال الحافظ في الفتح وصلاها سيدنا عمر بن الخطاب عشرين ركعة وهذا الأخير هو ما عليه عمل المسلمون سلفاً وخلفاً في اجتماعهم لهذه الصلاة وهو معتمد المذاهب الفقهية الأربعة أنَّ صلاة التراويح عشرون ركعة من غير الوتر وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهذا بإجماع الصحابة من عهد عمر ويُستحب ختم القرآن في صلاة التراويح خلال شهر رمضان قال العلامة الدردير في الشرح الصغير{وندب الختم فيها: أي التراويح بأن يقرأ كل ليلة جزءاً يفرِّقه على العشرين ركعة} وجرت عادة الناس في عصرنا على تخصيص عدد من الركعات في آخر ساعات الليل غير صلاة التراويح سموها صلاة التهجد وذلك في الليالي العشر الأخيرة من رمضان وهو أمر محمود لما فيه من الالتماس لبركة هذا الوقت وللأحاديث الواردة في فضل قيامه وإجابة دعاء السائلين فيه وتحرِّياً لليلة القدر التي أمرنا أن نتحراها لفضلها والدليل على ذلك قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }
ثانياً: ختم القرآن
كان للسلف عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فمنهم من كان يختم القرآن في اليوم والليلة مرَّة وبعضهم مرتين وانتهى بعضهم إلى ثلاث ومنهم من كان يختم في الشهر مرة ويُسن الدعاء عقب ختم القرآن لما رُوى عن النبي أنه قال{مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ}[4]قال النووي{قال السلف:يستجاب الدعاء عند الختم وتنزل الرحمة واستحبوا الدعاء بعد الختم استحباباً متأكداً وجاء فيه آثارٌ كثيرة ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح ولاة أمورهم ويختار الدعوات الجامعة}[5] ويستحب حضور مجلس ختم القرآن استحباباً متأكداً فقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال{لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ - أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ - وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ}[6] ورُوي عن أنس {أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم }[7] ويُسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لما رُوي عن ابن عباس أنه روى عن النبي{ قال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: فَتْحَ الْقُرْآنَ وَخَتَمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ }[8]
ثالثاً: الاعتكاف
وهو : الإقامة الكاملة في المسجد وعدم الخروج في مدة معينة على نية التقرب إلى الله ومقصده وروحه إنما هو عكوف القلب على الله وجمعيته عليه والفكر في تحصيل مرضاته وما يقرب منه حتى لا يصير أُنسه إلا بالله واختُصَّ الاعتكاف بالمسجد لئلا تُترك به الجمعة والجماعة فإن الخلوة القاطعة عنها لا خير فيها ومن ثم سُئل ابن عباس عمن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة فقال {هذا في النار}[9] والاعتكاف ثابت بالقرآن والسُنَّة والإجماع أما القرآن فقد قال الله تعالى {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ومن السُنَّة عن عائشة قالت{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ } [10] وعنها أيضاً قالت{ كَانَ النَّبِيَّ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ}[11] والاعتكاف مستحب في كل وقت سواء أكان في رمضان أم في غيره وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء فإنها أفضل ليالي السنة وليس للاعتكاف وقت محدد وأقله الزيادة على قدر الطمأنينة ولا حدَّ لأكثره واتفق العلماء على أنه يستحب لداخل المسجد أن ينوي الاعتكاف ولو كان مكثه يسيراً وشروط صحته : الإسلام والعقـــل والخلوُّ من الحدث الأكبر وأركانه : اللبث في المسجد -- النيَّـة – المعتَكِف - المعتَكَفُ فيه (وهو المسجد) ويجوز في جميع المساجد وأجاز بعضهم للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها ويستحب للمعتكف أن يذكر الله، ويسبحه ويستغفره ويُصلِّي على النبي ويتلو القرآن ويذاكر العلم ولا يشغل نفسه بما لا يعنيه ويُكره له الصمت عن الكلام ويُستحب له الخروج لقضاء حاجته وأن يتطيب ويحلق رأسه ويُقلم أظفاره وينظف بدنه ويلبس أحسن الثياب ولو خرج بغير عذر مباح فسد اعتكافه.
رابعاً: ليلة القدر
وتنزل فيها مقادير الخلائق إلى السماء الدنيا ويستجيب الله فيها الدعاء وهي الليلة التي نزل فيها القرآن العظيم وسميت ليلة القدر بذلك لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السَنَة لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}وقيل: سميت به لعظم قدرها عند الله وقيل: لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها وقيل: لأن للطاعات فيها قدر ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكَد وفي ليالي الوتر منه آكَد، فقد قال النبي { تََحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ}[12] وعن عائشة قالت{ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي }[13] ويستحب أن يجتهد المسلم فيها بطاعة الله وذكره والدعاء قال ابن قدامة في المغني{ قال بعض أهل العلم: أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ويجِدُّوا في العبادة في الشهر كله طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجِدَّ الناس في العمل حذراً منهما} وقد ورد في الحديث الشريف أنه من علامات ليلة القدر:أن تطلع الشمس لا شعاع لها فقد ورد عن أبي كعب في ذكر علامة ليلة القدر كما أخبر النبي أصحابه أن أمارتها{ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا}[14] وفي بعض الأحاديث{كَأَنَّهَا طَسْتٌ}[15] ورُوي عن النبي أنه قال{وَهِيَ طَلْقَةٌ[16] بَلْجَةٌ[17] لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا لا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا}[18] وقيل: إن المـُطَّلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجداً وقيل: يرى الأنوار ساطعة في كل مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل: يسمع سلاماً أو خطاباً من الملائكة وقيل: من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها ولا ينبغي أن يُعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق بل فضل الله تعالى واسع ورُبَّ قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خوارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة إنما هي بالاستقامة بخلاف الخارقة فإنها قد تقع كرامة وقد تقع فتنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله{مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }[19]
[1] أخرجه البخاري ومسلم[2] أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير[3] أخرجه البخاري ومسلم[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير[5] المجموع شرح المهذب[6] أخرجه البخاري والإمام أحمد في مسنده[7] أخرجه الدارمي[8] أخرجه الدارمي في سننه[9] اتحاف أهل الإسلام للهيثمي[10] أخرجه البخاري ومسلم[11] أخرجه البخاري ومسلم[12] أخرجه البخاري[13] أخرجه أحمد في مسنده[14] أخرجه مسلم[15] أخرجه أحمد في مسنده – والمعنى كأنها طست من نحاس أبيض[16] طيبة لا حرَّ فيها ولا برد[17] مشرقة[18] أخرجه ابن حبان في صحيحه[19] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
شهر مبارك كل عام وانتم بخير
صدقة الفطر
هي ما يخرجه المسلم من ماله للمحتاجين طهره لنفسه وجبراً لخلل الصوم وهي واجبة لسد حاجة الفقراء والتوسعة عليهم وإدخال السرور على قلوبهم ورد في الحديث {فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ}[1] ومقدارها : صاع عن كل فرد من غالب قوت البلد = 2,5كجم تقريباً تجوز الزيادة ولا يجوز النقص وأجاز بعض الأئمة إخراجها قيمة قاله الحنفية وجماعة من التابعين ورواية مخرجة عن الإمام أحمد والإمام الرملي من الشافعية والباحثون الشرعيون بجامعة الأزهر بمصر (الفقه) ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ودار الإفتاء المصرية وغيرهم ويخرجها من يملك قوت نفسه وقوت من يعول ليلة عيد الفطر ويومه فهي تلزم المسلم عن نفسه وعمن تلزمه شرعاً نفقته من زوجة وأولاد وغيرهم وهي على الصائم وغير الصائم الصحيح والمريض المقيم والمسافر الكبير والصغير الحر والعبد البالغ وغيره وتجب عن الجنين إذا ولد حياً قبل صلاة عيد الفطر ولا تجب على من مات قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان وتجوز فيها الوكالة والنيابة لأمين فرد أو هيئة وتجب بدخول فجر يوم عيد الفطر عند الحنفية وبغروب شمس آخر يوم من رمضان عند الشافعية والحنابلة وأجاز المالكية والحنابلة إخراجها قبل وقتها بيوم أو يومين وأجاز الشافعية إخراجها من أول دخول رمضان لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطر منه فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر ولعل هذا هو المناسب لعصرنا الآن وتخرج للفقراء والمساكين وكذلك باقي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى في آية مصارف الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }ولقول النبي{ أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ }[2]
العمرة في رمضان
العمرة هي زيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة لأداء المناسك وهذه العمرة لها ثواب كبير ويضاعف أجرها إذا وقعت في شهر رمضان ففي الحديث {عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي}[3] وخاطب الرسول بعض النساء فقال { إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ}[4] أي كحجة في الثواب وإذا كانت العمرة في رمضان له ثواب مثل ثواب الحج إلا أنها لا تُسقط الحج عمن عليه الفريضة
صلاة العيد
للمسلمين عيدان مرتبطان بعبادتين من أهم العبادات في الإسلام وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى قال أنس{قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ}[5] سُمي العيد عيداً لأنه يعيد الله إلى عباده به الفرح والسرور في يوم عيدهم وقيل: إنما سُمي عيداً لأن فيه عوائد الإحسان من الله وفوائد الامتنان منه للعبد وقيل لأنه يعود العبد فيه إلى التضرع والبكاء ويعود الرب فيه إلى الهبة والعطاء وقيل إنهم عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من الطهارة وقيل: معناه عادوا من طاعة الله إلى طاعة الرسول من الفريضة إلى السُنَّة ومن صوم رمضان إلى صوم ستة أيام من شوال وقيل: إنما سُمي عيداً لأنه يقال للمؤمنين فيه: عودوا إلى منازلكم مغفوراً لكم ويُسن إحياء لياليهما: بطاعة الله وتلاوة القرآن وغير ذلك من العبادات للحديث{مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ }[6] ويحصل الإحياء بمعظم الليل وقيل بساعة منه وعن ابن عباس {بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة} والدعاء فيهما ويستحب الغسل والطيب للعيدين، من خرج للصلاة ومن لم يخرج لها ويستحب لبس الحسن من الثياب للقاعد والخارج ففي حديث ابن عباس{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى }[7] وروى عن الحسن بن عليّ قال{أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ}[8] ويستحب أن يتزين الرجل ويتنظف ويحلق شعره ويستحب أن يستاك وفي عيد الفطر يُسن أكل شيء حلو قبل الخروج للصلاة أما في عيد الأضحى فيؤخر الأكل إلى ما بعد الصلاة ويسنُّ أن يخرج إلى المـُصَلَّى ماشياً وعند العودة إلى داره ماشياً من طريق آخر وأن يُكَبِّر في الطريق إلى المـُصلَّى وفي المـُصلَّى والتكبير إلى صلاة العيدين والتهنئة بالعيدين سُنَّة ومن الصيغ المشهورة في كتب العلم (يتقبل الله منا ومنكم) وحث الشرع على إحياء ليلتي العيدين بالذكر والتكبير ويبدأ التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال ليلة العيد حتى يغدو الناس إلى المـُصلَّى وحتى يصعد الإمام على المنبر أما في عيد الأضحى فيبدأ التكبير من صبح يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد لقوله تعالى {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} ويستحب التكبير سواء في المسجد أو في الطريق أو في المجالس قبل الصلاة أو بعدها في أيام التشريق وصلاة العيدين ركعتان بلا آذان ولا إقامة وهي واجبة عند أبي حنيفة وفرض كفاية عند أحمد وسنَّة مؤكدة عند الشافعي ومالك على من تجب عليه صلاة الجمعة وتصح فرادى وجماعات ووقتها يبدأ عند ارتفاع الشمس قدر رمح وهو الوقت الذي تحل فيه النافلة (وقدره عشرون دقيقة تقريبا) ويمتد وقتها إلى زوال الشمس عن وسط السماء ويُسن قضاؤها إن فاتت ويستحسن أداؤها في الصحراء في غير مكة وذلك بخلاف الشافعية فإنهم قالوا: إن أدائها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر فتسن في الصحراء وصلاة العيد ركعتان تجزئ إقامتهما كصفة سائر الصلوات وسننها وهيئاتها- كغيرها من الصلوات – وينوي بها صلاة العيد هذا أقلها أما الأكمل في صفتها فأن يُكَبِّر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام والركوع والتكبيرات قبل القراءة لما روي أن رسول الله{كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى سَبْعًا وَخَمْسًا، فِي الأُولَى سَبْعًا وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاةِ }[9] والسُنَّة أن تصلي جماعة وأن يرفع يديه مع كل تكبيرة ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله والسُنَّة أن يقرأ بعد الفاتحة بـ (الأعلى) في الأولى و (الغاشية) في الثانية، أو بـ (ق) في الأولى و (اقتربت) في الثانية والسُنة أن يجهر فيهما بالقراءة والسُنَّة إذا فرغ من الصلاة أن يخطب على المنبر خطبتين يفصل بينهما بجلسة والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع لو جاء العيد في يوم الجمعة وجب أداء كل صلاة منهما في وقتها المشروع عند الأئمة الثلاثة أما الإمام أحمد فقد ذهب إلى عدم وجوب الجمعة فإذا لم تُصَلَّ وجب الظهر فعن أبي هريرة قال رسول الله{قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى}[10] وعليه فالأمر في ذلك واسع ما دامت المسألة خلافية ولا يعترض بمذهب على مذهب فتقام الجمعة في المساجد عملاً بالأصل والأحوط ومن كان يشق عليه حضور الجمعة أو أراد الأخذ بالرخصة تقليداً لقول من أسقط وجوبها بأداء صلاة العيد فله ذلك بشرط أن يُصلي الظهر عوضاً عنها من غير أن ينكر على من حضر الجمعة أو ينكر على من أقامها في المساجد أو يثير فتنة في أمر وسَّع سلفنا الخلاف فيه ومن السنن المستحبة في العيد : التوسعة على الأهل في العيد بأي شيء كان وتبادل التهاني والتزاور بين المسلمين والتأكيد على الصلة للأرحام والجيران وغيرهم والعطف على الفقراء والمساكين وأرباب الحاجات ليستغنوا عن السؤال في هذا اليوم والترويح عن النفس فيباح فيه الغناء المباح واللعب والسفر والتنزه لورود الأخبار والآثار الصحيحة في ذلك كخبر عائشة{ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا}[11]وحديث السيدة عائشة رضي الله عنها أيضاً{ إن النَّبِيُّ يَرْفَعُنِي فَأَنْظُرُ إِلَى لَعِبِ الْحَبَشَةِ }[12]
فضل صيام ست من شوال
ومن الأعمال الصالحة المستحبة المتعلقة بشهر رمضان صيام ستة أيام من شوال لقول النبي{مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ}[13] ووجه الدلالة: أن الحسنة بعشر أمثالها لقول الله {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} فصيام شهر يساوي عشرة أشهر وصيام ستة أيام يساوي شهرين (ستين يوماً) فيكون من صام رمضان وست من شوال أصاب أجر صيام سَنَة وإن دام على ذلك كان كصيام الدهر كله قال النبي{جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ}[14] والأَوْلى صيامها متتابعة عقب عيد الفطر وإن صامها متفرقة خلال شهر شوال فلا بأس هل يجوز الجمع بين القضاء من رمضان وثواب الست من شوال في عمل واحد؟ ذهب الشافعية إلى أن من يقضي رمضان في الست من شوال تبرأ ذمته بقضاء هذه الأيام من رمضان ويحصل له أجر الصوم في شوال ولكن مع التأكيد على أنه لا ينوي صيام الست من شوال وإنما ينوي صيام ما فاته من رمضان فقط وبوقوع هذا الصوم في أيام الست يحصل له الأجر، فإن فضل الله واسع وقد أفتى بذلك العلامة الرملي الشافعي رحمه الله في إجابة سؤال عن شخص عليه صوم من رمضان وقضاه في شوال هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال؟وهل في ذلك نقل؟ فأجاب فضيلته{بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان وإن نوى به غيره ويحصل له ثواب ستة من شوال وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين}[15]وبناء عليه فإنه يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما فاتها من صوم رمضان في شهر شوال وبذلك تكتفي بصيام قضاء ما فاتها من رمضان عن صيام الأيام الستة ويحصل لها ثوابها لكون هذا الصوم قد وقع في شهر شوال وذلك لما ذكر وقياساً على من دخل المسجد فصلَّى ركعتين قبل أن يجلس، بنية صلاة الفرض أو سُنَّة راتبة فيحصل له ثواب ركعتي تحية المسجد
[1] أخرجه أبو داود وابن ماجة[2] سنن الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي[3] المعجم الكبير للطبراني[4] أخرجه البخاري[5] رواه أبو داود[6] أخرجه ابن ماجة والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي[7] أخرجه ابن ماجة في سننه والبيهقي في السنن الكبرى[8] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك[9] أخرجه الدارقطني في سننه والبيهقي سننه[10] رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم[11] أخرجه البخاري ومسلم[12] أخرجه ابن حبان[13] أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في مسنده[14] أخرجه النسائي في السنن الكبرى[15] فتاوى الرملي جـ2 ص66
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
تعالوا نتمعن في كتاب الله الذي أرسله إلينا أجمعين ليُعلمنا فيه بأنه فرض علينا الصيام ماذا قال لنا؟{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} هو خطاب في الكتاب لكن لكل مؤمن فيه زاد خاص به من العلم والنور من العلي الوهاب بل إن المؤمن كلما قرأه بصفاء قلب ونورانية وشفافية ورَدت علي قلبه معاني علوية وأنوار ربانية لا يدرى لها كيفية وإنما من باب قول رب البرية {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} وهذا من إعجاز كتاب الله لا يُرسل الله خطاباً إلى فرد ولكن يُرسل الله خطاباً إلى جماعة فيه معنى عام تتفق عليه الجماعة وفيه ما لا يُحصى من المعاني الخاصة لكل فرد في هذه الجماعة الخطاب واحد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} للمؤمنين في عصر رسول الله والمؤمنين من بعده إلي يوم الدين خطاب عام لكل من انتسب إلى دائرة الإيمان وفي ثناياه معاني خاصة لكل مؤمن تمعن في آيات كتاب الله وتدبر في خطاب الله وأراد بقلبه وروحه أن يصل إلى شئ من فحواه فكل واحد له فيه معاني ليست لغيره من السابقين ولا المعاصرين ولا اللاحقين لكن نقف الآن عند المعني العام الذي يُخاطب الله به جميع المؤمنين إلى يوم الزحام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }وكُتِب أي فرض فهو فريضة والصيام معناه لغة الترك صام عن الأكل أي ترك الأكل وصام عن الشرب أي ترك الشرب وصام عن الكلام في قوله {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} أي ترك الكلام إذاً الصيام معناه الترك ترك أي أمر من الأمور يُسمى صيام ولكن الصيام الذي خاطبنا به الله وأمرنا أن نتدبر في معناه ونتذوق في فحواه ونقوم به عاملين متابعين لحبيب الله ومصطفاه ذكر الأئمة الكرام له معاني لا تُعد ولا تُحصى ومن جملة هذه المعاني - التي تجمع ما يناسب هذه الحقيقة العبادية من الحضرة الربانية وهي الصيام -قول أحد الصالحين في تعريف الصيام ( الصِيامُ جِهادٌ للجِسمِ ومُخَالَفةٌ للنَفسِ وسِياحَةٌ للعَقلِ ومُشاهَدةٌ للرُوحِ فمَنْ صَامَ بِهذه الحَقائِق نَفذَ مِن أَقطارِ السَمواتِ والأَرضِ ومَنْ لَم يَصُم بِهذه الحَقائِق كَان صِيامُه صِيام عَادة عَن الطَعامِ والشَراب ولَم يَنفُذ بِحقَائِقه مِن أَقْطارِ السَمَواتِ والأَرْض) الصيام في نظر العارفين والصادقين والمـُخلصين والمـُقربين له معاني علوية جهاد للجسم ومخالفة للنفس وسياحة للعقل ومشاهدة للروح فالصيام هنا بأربعة حقائق صيام فيه نصيب للجسم وفيه نصيب للنفس وفيه نصيب للعقل وفيه نصيب للروح وهذا هو صيام الموقنين والمقربين الذين مدحهم الله في آية المقامات بقوله {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} يُقصد في هذه الآية صيام أهل العناية وصيام أهل الولاية الذي نتحدث عنه في هذه البداية إن شاء الله فالصيام جهاد للجسم لأن الجسم يترك ما أحله الله فإذا ترك الحلال فمن باب أولي ينبغي أن يترك الحرام وهذه حكمة لا بد أن يتدبرها كل صائم وإلا فإن صيامه يكون معني بقول الحبيب{رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ}[1] الأكل حلال ومنعه الله والشرب حلال ومنعه الله وإتيان الرجل أهله حلال ومنعه الله فإذا كان الله منع الحلال لنعلم علم اليقين أن حرمة الحرام أشد وقعاً في رمضان فينبغي أن نتجنب جميع المحرمات التي نهانا الله عنها في كتابه وبيَّنها الحبيب في سنته ومن هنا يجب علي الجسم أن يجاهد لأن الصيام جهاد للجسم لا يجاهد في ترك الطعام والشراب لأن من أمر بذلك يعين ولولا عونه ما استطعنا أن نصبر علي ترك الطعام والشراب لحظة أو أقل لكن إعانة الله هي التي توفقنا إلى تنفيذ أمر الله لكن جهاد الجسم في سد المنافذ والحواس التي جعلها الله هي التي تنقل للجسم ما يحس به الإنسان وما يراه وما يسمعه وما يشعر به فيمنع عن العين كل النظرات التي حرمها الله في كتابه وبيَّنها النبي في سنته ويكون صيام العين بقول الله {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والأذن يسدها عن سماع الكذب والغيبة والنميمة فيترك كل سماع حرَّمه الله وأنَّب الله على من فعله وقال في فاعليه وهم اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} إذاً لا بد أن تصوم الأذن عن سماع الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وأقوال الخنا والفجور وهذا مقتضى جهاد الجسم أما اللسان فيصوم عن اللغو ويصوم عن المحرمات من السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة وقول الزور لقول الحبيب في الأمر الجامع لسوءات اللسان {مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه}[2] ووضع الروشتة الإلهية للصائمين المـُخلصين الصادقين فقال{إذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَصْخَبْ فإنْ سابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قاتَلَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنّي امْرُؤٌ صائِمٌ}[3] الرفث هو الكلام عن الجماع أو عن النساء أو ما شابه ذلك ولا يصخب أي لا يرفع صوته بأي كلام يُغضب الله وهذا صوم الصادقين الذين يجاهدون في صوم اللسان كما قال سيدنا رسول الله في حديثه المبارك وصوم الأيدي عن الشكايات الكيدية والبلاغات الظالمة فضلاً عن السرقة وإعانة الظالمين ومد اليد للمساعدة مع البعيدين عن الله الذين يسعون لظلم العباد وإفساد البلاد وصوم الرِّجل عن الحركة إلى أي مكان حرَّمه الله فجهاد الجسم بصيام الحقائق التي جعلها الله نوافذ للجسم وهذا صيام العلماء والحكماء الذين قيل في شأنهم:
إذا ما المرء صام عن الخطايا -- فكل شهوره شهر الصيام
وقول الحبيب في روشتته الجامعة ) إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاء}[4] ليس البطن والفرج فقط ولكن السمع والبصر واللسان أما النفس فهي كما قال الله في شأنها {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ} ولم يقل {آمرة} ولكن قال {أمَّارة} بصيغة المبالغة أي لا تكف عن تكرار الأمر للإنسان الذي فيه مخالفة لحضرة الرحمن ولذلك اقتضى الصيام أن يخالف الإنسان كل ما تهمس وتوسوس به النفس إلي الإنسان:
وخالف النفس والشيطان واعصهما -- وإن هما محضاك النصح فاتهما
لا بد من مخالفة النفس وفي خلافها الوصول إلى رضاء الله لأنها كما قال الله في شأنها لا تأمر إلا بالسوء والله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم والصيام يعين الإنسان علي جهاد النفس ولذلك قال النبي{يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ }[5] وقال لجميع الأمة{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ والعطش}[6] فأعلمنا أن الجوع هو الباب الأول الذي يخوضه المجاهد في طلب الوصول إلي مولاه لأنه هو الذي يهذب النفس ويجعلها تكف عن المطالب الشهوانية والرغبات الدنية فيَقْوى القلب وتسطع الروح ويطالبان بالمطالب الروحانية والعلية التي توصل المرء إلى المراتب الهنية.
والنفس شهوة مطعم أو مشرب أو ملبس
أو منكحٍ فاحذر بها الــداء الدفـين
كيف السبيل إلي علاجها والتغلب عليها؟ :
جع إضعفنها وحـاذرن من غــيها
واحذر قوى الشيطان في القلب كمين
وغيِّها أي الوسوسة الداخلية لك التي ربما لا تشعر بها إذاً السلاح الذي أنبأنا به الله وبيَّنه ووضَّحه رسول الله وزاده ايضاحاً العارفين بالله لجهاد النفس هو سلاح الجوع فمن لم يستطع أن يخوض هذه المهمة وأن يقوم بهذه الملمة ويجاهد نفسه علي الجوع فإنه لا يستطيع أن يتغلب علي نفسه قالت السيدة عائشة {أوَّل بدعة حدثت بعد رسول الله الشبع إنّ القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا}[7] وقال ذو النون { ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية }[8] فالإنسان عندما يشبع وتمتلئ العروق بالدم تثور غرائز الشهوة في نفسه لكن أثناء الجوع لا يستطيع الإنسان أن يواصل حتى في شهوة الكلام لضعف جسمه فما بالكم بشهوة النساء؟ وما بالكم بشهوة أصناف وألوان الطعام؟وشهوة الزى وشهوة حب الظهور وغيرها من الشهوات فالذي يُضعف الشهوات النفسية هو الجوع ولذلك كان سلاح الصالحين والعارفين أبد الآبدين هو قول النبي{صُومُوا تَصِحُّوا}[9] تصحوا ظاهراً وباطناً قلباً وقالباً جسماً وروحاً والكلام في هذا المجال لا نستطيع إيفاءه في هذا الحديث مع صغر كلماته لدقة معانيه التي جعلها الحبيب فيه فجهاد النفس يكون بترك شهواتها ومحاولة إيقافها في رغباتها وتحويلها من رغبات دنية إلى رغبات أخروية أو رغبات فيها فوز برضاء الله ولذلك كان السلف الصالح يقولون{من حدَّث نفسه بالنهار علي ماذا يفطر فقد أخطأ طريق الصالحين} وكان أصحاب رسول الله يصومون ولا يفكرون علي ماذا يفطرون ولا علي ماذا يتسحرون وإنما يتركون الأمر لمن يقول للشئ كن فيكون ورد أن السيدة عائشة أرسل لها ابن أختها عبد الله بن الزبير مائة وسبعون ألف درهم وكان ذلك ساعة العصر فأخذت في توزيعها حتى لم يبق منها إلا درهم واحد فقالت لها خادمتها: أنسيت أنك صائمة؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت اشترِ لنا بهذا الدرهم إفطاراً فاشترت بالدرهم إفطاراً علي قدره وبعد شراءه جاء سائل فقالت: أعطه له قالت: وعلي ماذا نفطر؟ قالت: كوني بما في يد الله أوثق منه بما في يدك وقبل المغرب مباشرة إذا بآت يأتي ومعه شاة مشوية وقدمها هدية للسيدة عائشة فقالت السيدة عائشة لخادمتها: هذا خير لي ولك أم ما كنت تريدين أن ننشغل به ونفكر فيه فأعطتها درساً عملياً فيما كان عليه الحبيب المصطفى وأحبابه وأصحابه الكرام ولذا رُوي عنهم أنهم كانوا إذا أرادوا السحور كان بعضهم يجرع جرعة ماء وبعضهم كان يسف سفَّات من الشعير وبعضهم كان يأكل لقمة هينة بسيطة لأنهم كانوا لا يفكرون إلا في إرضاء الله ويحاولون نزع نوازع النفس في الصيام ليكون صيامهم أكمل عند الله ولكي يتم الصيام ويكون الإنسان من أهل مقام الصائمين أو كما قال الله{السَّائِحُونَ} فالسائحون في الحقيقة هم الذين صامت أجسامهم ونفوسهم، فساحت قلوبهم وأرواحهم في ملكوت الله العلي ينبغي أن يصوم الإنسان بفكره عن كل فكر دنيوي دني لا يفكر إلا في الأمور العلية أما الأمور الدنية من الكيد ومن الخداع ومن اللؤم ومن النفاق لا بد أن يصوم عنها بالكلية ويتجمَّل بجمال يقول فيه الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} يُعلي الفكر بدلاً من أن يُفكر في الهموم والغموم والأمور الدنية فإن من أكبر حِكَم الصيام عند العارفين أن الصوم يُخلص الإنسان من الهموم والغموم والأمور الدنية والدنيوية لانشغاله بالكلية بالقرب من رب البرية فإذا صام الفكر عن الهم والغم والأمور الدنية انشغل بالفكر في الآخرة وبالتمعن في الآيات القرآنية وبالفكر في آيات الله الكونية وبالفكر في إبداع صنع الله في كل مصنوعاته الظاهرة والخفية فيدخل في قول الله { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فيصبح من أولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض لأن فكره علا عن الحجاب وأصبح له باب من الوهاب يفد إليه فيه عوارف وآداب يُجَمل بها بما كان عليه جمال الأصحاب والنبي الأواب فالصوم في هذا المجال سياحة عقلية في النفس وفي الآفاق إذا صام الإنسان عن الفكر الدَّني تسامي الفكر وانشغل بالفكر في أمر عَلِي أو في تجلي إلهي أو في باب معنوي فتحه الله له من لطفه أو غيبه الخفي وهذه سياحة العقل للصائمين إذا ساح العقل في آيات الله النفسية أو الكونية الظاهرة أو الخفية أو آيات الله القرآنية تنبلج في القلب أذكار يذكر بها رب البرية ولا يغيب عن حضرته بالكلية فتظهر عليه الفتوح ويلوح عليه جمال الروح ويفتح الله باباً له لتعرج منه روحه إلي ملكوت الله العلي أو جبروته السني أو قدسه الإلهي وتتمتع الروح بالتجليات التي يُكاشف الله بها أهل العنايات وقال في شأنها في محكم الآيات {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}وقال فيها النبي{ لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات }[10]
[1] سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [2] صحيح البخاري عن أبي هُريرة [3] مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة[4] رواه البيهقي في فضائل الأوقات عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [5] الصحيحين البخاري ومسلم عن عبد الله[6] رواه مسلم في الصحيح عن أنس [7] ذكر في احياء علوم الدين[8] سبل السلام وإحياء علوم الدين[9]ابن السني وأَبو نعيم في الطب عن أَبي هُرَيْرَةَ[10] أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
مراتب الصائمين
المرتبة الأولي: صوم العوام
وصوم العوام عن مقتضيات شهوة الجنس والشراب والطعام لا يعرفون غير ذلك بل ربما يمنون علي الله بذلك ويروا أنهم فعلوا فعلاً يستوجب من الله كذا وكذا من المطالب التي يطلبونها من حضرة الله مع أن صومهم على التحقيق ربما يكون داخلاً في قول رسوله { رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }[1]
المرتبة الثانية: صوم العلماء
وهم الذين صاموا بالجوارح والجوارح سبعة وإذا انضم إليهم القلب صاروا ثمانية العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن والقلب وهؤلاء القوم صائمون طوال العام وإن أفطروا في غير رمضان وهؤلاء يقول فيهم النبي{ إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ }]2] فكما تُفَتَّح أبواب الجنان العالية تُفَتَّح أبواب الجنان في الإنسان وهي الجوارح إذا اشتغلت بطاعة الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه فالعين إذا اشتغلت بالنظر في كتاب الله وفي ملكوت الله وفي ملك الله كانت باباً إلى الجنة والأذن إذا استمعت إلى علم العلماء وكلام الحكماء وآيات الله العصماء كانت باباً إلى الجنة واللسان إذا اشتغل بذكر الله أو بتلاوة كتاب الله أو النصيحة لعباد الله أو الصلح بين المتخاصمين من خلق الله صار باباً إلي الجنة واليد إذا امتدت إلي الفقراء والمساكين أو دفعت الظلم عن المظلومين كانت باباً إلي الجنة والرجل إذا حملت الإنسان إلي بيت الله أو إلي صلة رحم أو إلي مكان يسعي فيه لعيادة مريض أو لتشييع جنازة مؤمن كانت باباً إلي الجنة وكذلك بقية الجوارح إذا ملك القلب هذه الجوارح وتصرف فيها صارت الجوارح السبعة ومعها القلب ثمانية ففُتحت أبواب الجنة في الإنسان فيكون الإنسان صائماً صيام الجوارح وهذا صيام العلماء فلو حتى أفطر الإنسان في غير رمضان بشهوة الطعام والشراب والجماع فإنه أفطر بجارحتين وصام إلي الله بست فكان صائماً طول العام وإن كان في نظر غيره مفطراً لأنه نفَّذ سُنة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
المرتبة الثالثة: صيام العارفين
العارفون هم الذين عرفوا حقائق نفوسهم وأقبلوا علي الله يسعون لرضاه ويتجهون للعمل الذي يحبه ويرضاه وصيامهم بعمارة أنفاسهم كلها في طاعة الله يحرصون علي ألا يُضيعوا نَفَساً إلا في طاعة الله ولذلك أساس الوصول إلى هذا المقام العمل بحديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }[3] ليس عندهم وقت للمقت فيشغلون أنفسهم بالخلق وأخبارهم وأسرارهم وأحوالهم لأن هذه أمور تجعل السالك في طريق الله يُحجب بالكلية عن النور ولكنهم مشغولون بإنفاق الوقت في طاعة الله إن كان في اليقظة أو في النوم ولذلك تجدهم في اليقظة في ذكر الله أو في طاعة لله أو في متابعة لحبيبه ومصطفاه أو في عمل صالح يحبه الله ويرضاه فإذا نامت جوارحهم وأجسامهم قامت قلوبهم وأرواحهم إلي عالم الملكوت تقتطف لهم أزهار الحكمة من العوالم النورانية والعوارف من الملائكة المقربين ويقومون من النوم وقد استفادوا حكماً ربانية وعلوماً إلهية حصَّلوها وهم في المنام فهم في اليقظة يقضون الأنفاس في طاعة الله وإذا ناموا ساحت قلوبهم وأرواحهم في رضاه لأنهم لم يشغلوا الوقت إلا بما يحبه الله ويرضاه.
المرتبة الرابعة: صيام المقربين
قلنا أن صوم العارفين هو شغل الأنفاس بطاعة الله أما المقربين فشغل أنفاسهم بالحضور مع الله جل في علاه فهناك فرق بين من يشغل النَفَس في طاعة الله وبين من يشغل النَفَس في حالة الحضور مع حضرة الله فهو في مقام المكاشفة التي يجعله فيها الله سر قوله {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وفيهم يقول أحد الصالحين :
والعارف الفرد محبوب لخالقه
فات المقامات تحقيقاً وتيقيناً
في كل نَفَسٍ له نور يواجهه
من حضرة الحق ترويحاً وتيقيناً
في كل نَفَس له نور وله مواجهات وله مشاهدات وله مؤانسات في عالم الأنوار لأن صيامه ألا يضيع نَفَس منه إلا في مواصلة حبيبه وهؤلاء يقول قائلهم:
وإن خطرت لي في سواك إرادة
علي خاطري نَفَسَاً قضيت بردتي
والردة هنا أي الرجوع إلي الخلف في مقامات السلوك لأن كل أوقاته في حضور مع المذكور شُغِلوا بالمعروف عن المعرفة وشُغِلوا بالمعلوم عن العلم وشُغلوا بالله عما سواه فلا أُنس لهم ولا حضور لهم ولا همَّ لهم إلا بمواجهة الله جل في علاه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
المرتبة الخامسة: صيام المحبوبين
وهو ألا ينشغلوا ظاهراً أو باطناً نَفَساً عن رب العالمين :
وما صام إلا عن سوي ما يحبه
كذلك عبد الذات في القرب طامع
لا يخطر غير الله نَفَساً علي قلوبهم وإذا خطر غيره نَفَساً علي قلوبهم فقد أفطروا ويعلمون أنهم أفطروا لأنهم خرجوا عن سور الحدود التي حددها لهم المعبود صيامهم أن يكون الله على بالهم في كل أوقاتهم تقول في ذلك السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي
وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للخليل مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
ويقول أحدهم في هذا المقام:
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا نظرت إلى الماء من ظمأ
إلا رأيت خيالاً منك في الكأس
فالله شغله بالكلية عما سواه شغل أهل الجفا بدنيا دنية وشغل أهل الوفا بذات علية وهذا صيام المحبوبين الذين قال فيهم الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وفوق ذلك صيام الوارثين وصيام الصديقين وغيره من أنواع الصيام التي يترقي فيها الصالحون صياماً بعد صيام لا يستطيع الإنسان وصفها أو الحديث عن شأنها وإنما تُدار راحها لأهلها إذا وصلوا إلي كنهها.
[1] ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[2] صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [3] مسند الإمام أحمد عن حسين بن عليّ رضي الله عنهما
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
المنح الإلهية في أول ليلة من شهر رمضان
يتساءل كثير من الصائمين لماذا فرض الله علينا صيام شهر رمضان؟ ولماذا سنّ لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قيام ليله؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى أوقات كثيرة لتنوع حِكمها وتباين أسبابها ولكن يجمعها جميعاً أن فيها مظهر رحمة الرحيم وحنانة الحنان بأمة النبي العدنان فإن الله علم قصورنا في طاعته وتقصيرنا في عبادته وجموح نفوسنا إلي مخالفة أمره والغفلة عن حضرته فأراد أن يمنحنا منحاً إلهية من عنده فجعل لنا هذا الشهر المبارك: ُيُنزل الله فيه رحمات في أول ليلة منه ويُنزل الله منحاً إلهية في كل يوم وليلة منه ويُنزل الله ويتنزل بمنح وعطاءات ربانية في ليلة القدر ويُنزل الله منحاً إلهية لعباده في آخر الشهر نأخذ نماذج منها علي سبيل المثال أما حصر النعم الإلهية والعطايا الربانية التي يتنزل بها الله علي هذه الأمة التقية النقية فلا أعلمها أنا وأنتم إلا عند الحساب، عندما نطالع الكتاب ونري عظيم ما جعله الله لنا فيه من الأجر والثواب أول هذه المنح في أول ليلة من شهر رمضان يقول فيها النبي {إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ وَإِذَا نَظَرَ اللَّهُ إِلَى عَبْدٍ لَمْ يُعَذبْهُ أَبَداً}[1] أول منح من الله ترفع عذاب الجسم وعناءه في الصيام فلا نحس بمشقة مع حرارة الجو وطول اليوم ومع أن الله زاد لنا في الأجر بسبب طول اليوم وحرارة الجو فقد قال النبي{أَلا أُنْبِئُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرْوِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[2] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر {صُم يوماً شديداً حره لطول يوم النشور وصلِّ ركعتين في سواد الليل لظلمة القبور}[3] فإن الصوم في الحر يحفظ الإنسان في يوم النشور من الأمور التي تحدث للخلائق في يوم الدين فأبشروا معشر الصائمين بنظر الله إلينا أجمعين ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً، بل إنه يدخل في قول الله في كتاب الله {أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} والحمد لله فقد أخذنا كلنا الأمان من الله مادمنا التزمنا بصيام هذا الشهر مع المحافظة على إقامة الصلاة أما في كل يوم فحَدِّث ولا حرج في كل يوم من أيام الصيام يجعل الله عمل العبد مضاعفاً والفريضة فيه تساوي في الأجر والثواب سبعين فريضة فيما سواه والنافلة فيه تساوي في الأجر والثواب فريضة فيما سواه والذي ينفقه العبد علي أهله وذويه إن كان عاملاً بقول الله {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ودخل في قول عُمَرَ رضي الله عنه{إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ عَلَيْكَ وَعَلى مَنْ تَعُولُ كَالنَّفَقَةِ في سَبِيل اللَّهِ تَعَالى يَعْنِي الدرْهَمَ بِسَبْعِمَائَةٍ}[4]فالأكل والشرب والتحلية في رمضان لها أجرها العظيم عند حضرة الرحمن مادام عمل بقول النبي العدنان{كلوا واشربوا والبَسوا وتصَدَّقوا، في غير إسراف ولا مَخِيلة}[5] ما دام يمشي علي المنهج الإسلامي إذا نام في يومه ليستعين بالنوم علي القيام وعلي السحور بين يدي الله في جنح الظلام وإذا جلس صامتاً عن الكلام ولم يلغُ ولم يرفث ولم يغتب ولم ينمّ ولم يسب ولم يشتم ولم يخض مع الخائضين يقول في شأنه النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{ نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ وَصَمْتُهُ تَسْبِيحٌ وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ}[6] وأيام رمضان ولياليه أيام إجابة للدعاء لا يرفع الإنسان لسانه ليخاطب مولاه ويرفع يديه بأكف الضراعة إلى الله في أي لحظة من ليل أو نهار في رمضان إلا ويستجيب له مولاه ما لم يدع بإثم ولا قطيعة رحم وله دعوة مؤكدة الإجابة عند فطره عندما يؤذن مؤذن الله بالفطر فلك في هذا الوقت دعوة أكيدة الإجابة يقول فيها النبي{إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ }[7] ولذلك ينبغي علي الصائم قبل أن يتناول الفطور أن يدعو الله فيحظي بالدعوة المستجابة من مولاه وخير الدعاء ما قالت فيه السيدة عائشة لرسول الله {يا نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟ قال: تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي }[8] في كل ليلة من شهر رمضان تُبسط سجلات حضرة الرحمن ويُسجل فيها ألف ألف مسلم بأسمائهم مقروناً بجوارهم هؤلاء عتقاء الله من النار فإذا كان آخر الشهر أعتق الله في هذه الليلة مثلما أعتق في سائر الشهر وإذا كانت صلاة القيام استأذن ملائكة كرام من الله أن ينزلوا إلى الأرض يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَوْلَ الْعَرْشِ مَوْضِعًا يُسَمَّى حَظِيرَةُ الْقُدْسِ وَهُوَ مِنَ النُّورِ فِيهَا مَلائِكَةٌ لا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ تَعَالَى يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَةً لَا يَفْتُرُونَ سَاعَةً فَإِذَا كَانَ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَيُصَلُّونَ مَعَ بَنِي آدَمَ فَيَنْزِلُونَ كُلَّ لَيْلَةٍ الْأَرْضَ فَكُلُّ مَنْ مَسَّهُمْ أَوْ مَسُّوهُ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا}[9]
[1] جامع المسانيد والمراسيل عن أَبِي هُرَيْرَةَ
[2] ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي موسى
[3] ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل عن أبي ذر
[4] سليم الرازي في عَوَالِيهِ. عن ثور بن يزيد، جامع المسانيد والمراسيل
[5] البخاري ومسند الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
[6] جامع المسانيد والمراسيل والبيهقى فى الشعب عن عبد اللَّه بن أَبي أَوْفَى
[7] جامع المسانيد والمراسيل ابن عمرو رضيَ اللَّهُ عنهُمَا
[8] مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها
[9] جامع المسانيد والمراسيل عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
مبطلات صيام الخواص
مبطلات الصيام للخواص كثيرة قال صلى الله عليه وسلم في أولها{خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالنَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ}[1] فهذه أول المبطلات إذاً الصائم من الأحباب لا بد أن يصوم عن هؤلاء الخمس ويؤيد ذلك ويعضده قول النبي{ مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه}[2] أي أن صيامه باطل وهذا في مقام الإيمان أما في مقام الإحسان من شهد شيئاً من غير يد المحسن فقد أفطر فلا بد أن يشهد كل عطاء من المعطي ولو كان علي يد فلان أو علي يد الآخر أو علي يد الثاني لكن المعطي في الحقيقة هو الله:
اشهد يد المعطي تفز بالإجتبـا
تعطي شراب الحب في أعلي مقام
ولذلك قالوا في ذلك (من أكل ولم يشهد المنعم فكأنما قد سرق) لا بد أن يشهد أن هذا الطعام من المنعم لأنها كلها عطايا المنعم وإن كانت علي يد سبب من الأسباب لكن أين مسبب الأسباب؟
من يشهد الغير فعالاً فمنقطع
لأنه مشرك قد مال للسـفل
فيشهد أن الخير كله الواصل له وإليه أو لمن حوله هو من الله ومع ذلك حفظاً للمرتبة لا بد أن يشكر الأسباب لأن الله قال في الحديث القدسي {إذَا حَشَرَ اللَّهُ الْخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ: اصْطَنَعَ إلَيْهِ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِهِ مَعْرُوفاً فَهَلْ شَكَرْتَهُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْكَ فَشَكَرْتُكَ فَيَقُولُ: لَمْ تَشْكُرْنِي إذَا لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ عَلى يَدَيْهِ}[3] حفظاً للمرتبة لا بد أن أشكر السبب ولكن أعلم علم اليقين أنه سبب وأن الأمر من المسبب عز وجل إذاً أشكر أولاً المسبِّب وثانياً السبب ولا أشكر السبب وأنسي المسبب كما يفعل معظم الخلق يشكرون السبب وينسون شكران المسبب عز وجل أما أهل مقام خاصة الخاصة فالصيام عندهم هو الصيام عن السوي {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} لا يشهدون في الكونين سواه ولا يسمعون إلا كلامه ولا يرون إلا فعاله ولا يشهدون إلا أنواره يرون صفات الله هي السارية في الكائنات، وهي التي تفعل فيشهدون الحي إذا نظروا إلي حي ويشهدون السميع إذا استمع إليهم سميع ويشهدون المتكلم إذا نطق إليهم لسان ويشهدون أوصاف الله هي التي تحرك الأكوان وتحرك من بالأكوان وهذا مقام شهود وليس مقام فكر ولا كسب ولا كلام وإنما هي حالة يحياها الإنسان حياة روحانية نورانية يقول فيها الله آمراً المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} ولم يقل إذا دعاكما لأن الذي يدعوا واحد { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }وهي الحياة الشهودية الإحسانية الإيقانية التي يقول فيها أحد الحكماء
وإن نظرت عيني إلي أي كائن
تغيب المباني والمعاني سواطع
ويقول فيها في قصيدة أخري:
الكل مني والكل عـني
فاشهد جمالي بكل عينِ
فيشهدون جمال الله في الأشياء وتغيب عنهم المباني لأنهم يشهدون فيها جمال المعاني فالمفطرات كثيرة للصائمين علي حسب المراتب.لكن بداية جهادنا نحن الخمس التي جاء بها الحديث الشريف فنجاهد في الخمس ونلاحظ صحيفة أفعالنا وسجل أعمالنا.
[1] الدَّيلمي عن أَنَسٍ
[2] صحيح البخاري عن أبي هُريرةَ
[3] البيهقي فى الشعب عن عائشة رضي الله عنها
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
مراقي الصائمين
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } إعجاز خطاب الله أن نفس الخطاب يخاطب جميع الطلاب في جميع الدرجات الإلهية بنفس الألفاظ والعبارات القرآنية لكن كل واحد منهم يلتقط من المعاني الغيبية والإشارات الرحمانية والأسرار القرآنية ما يليق بمرتبته عند رب البرية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فهم منها قوم أن الخطاب لكل المسلمين وهذا حق في علم التشريع وخص بها قومٌ الحقائق التي بها الإيمان عند المتقين وكأن الله يخاطب فينا القلب والفؤاد والروح والسر والخفا والأخفى ونفخة القدس لأن هذه هي الحقائق التي آمنت إيماناً كلياً يقينياً بكل الحقائق القرآنية والبيانات الإلهية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}كما كتب على الجسم والجوارح والنفس وهذا صيام العوام أما صيام الخواص فهو للفتح فهناك صوم للأجر والثواب وهناك صوم للفتح عند الكريم الوهاب أما الصوم الذي للأجر والثواب فصيام الجسم والجوارح إذا أناب العبد لله ليعظم أجره فإذا صام بجسمه أطاع وإذا صام بجسمه وجوارحه نال أعظم الأجور عند الله لمن أطاع وأما صيام الفتح وأهل الفتح ذكره الله في كتاب الله فمنهم من قال {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} ما صيامك؟ {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} هذا صيام والصمت التام ممنوع في دين الله إذاً مع من يتكلم؟ يتكلم مع الروحانيين والنورانيين والملائكة الكروبيين وأهل عالين وعليين أو يتكلم مع من علت روحانيتهم على بشريتهم فأصبحوا وهم في الأجساد الآدمية أرواحاً إلهية تسكن في هذه الأجساد الآدمية وتتحرك بين الناس وإن كانت تسوح بالقلب والروح في ملكوت رب الناس ومنهم من قالوا له إذا كنت تريد الفتح فلك آية {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} تصوم عن الكلام مع الأنام لتتكلم مع الله يأتيك الله في ظلل من الغمام {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أيُّ الصيام؟ صيام العوام: عن الشراب والجنس والطعام لكن يتركون لأنفسهم الحبل علي غاربه تلهو وتلعب وتسرح وتمرح وتشاهد المسلسلات وتقضي الوقت في اللهو في الدومينو وفي الكوتشينة وفي الطاولة بحجة أن هذا تسالي للصيام وتقطع الوقت في القيل والقال ولو في غيبة أو نميمة ولا يحاسب نفسه علي ذلك إنه بذلك دخل في قول المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام {رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }[1] هذا صيام العوام ومن هنا فبداية الصيام لمن أراد رضاء الملك العلام أولاً الصوم عن اللهو بكل أنواعه وكافة أشكاله يصوم عن جميع الملاهي التي تلهي الإنسان عن طاعة الله حتى قال الله {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} حتى ولو كان المال والولد كل شيء كما قال الإمام الداراني (كل ما شغلك عن الله حتى ولو مال أو ولد فهو عليك مشئوم) فالصيام لأهل البدايات هو الصيام عن اللهو ليس عند المؤمن وقت للهو لأن الحياة الدنيا لعب ولهو والمؤمن يعيش في الدنيا في الآخرة وهو بين الأنام مزاحه حق ولهوه حق وكل أعماله يثيبه عليها الحق لأنه تأسي فيها بالنبي ولا عبرة له بما يفعله بقية الأنام لأنه يعمل بقول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} إذاً متى يضع الإنسان قدمه - قدم الصدق - في طريق الصائمين الصادقين مع رب العالمين؟ إذا صام عن اللهو إذاً من يجلس يضيع الساعات في نهار رمضان في مشاهدة المسلسلات ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش أو تَسْلِية الوقت بمشاهدة الأفلام ويعتقد أنها مباحات ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش أما من يقضي وقته بشيء من اللعب فهذا يدخل في قول النبي{مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدِ، فكأنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ}[2] والنرد كلمة فارسية تشمل الطاولة وتشمل الدومينو وتشمل الكوتشينة وتشمل الشطرنج كل هذه الألعاب الذي سيلعب بها إذا كان لمجرد التسلية فسيكون كغامس يده بدم خنزير أما إذا كان يلعب فيها ويتسابق علي شيء محدد فهذا قمار والمؤمن ليس عنده وقت لذلك وإذا أراد الصائم أن يكون له عند الله مقام لا بد أن يرتقي درجة عن هذا المقام فبعد أن يصوم عن اللهو لا بد أن يصوم عن اللغو عن لغو الكلام وهذا هو الصوم الذي يوصل العبد إلى مراقي الصالحين متى يقف العبد على أول طريق الصالحين؟ إذا استطاع أن يصوم عن اللغو في كل وقت وحين ليس في رمضان وإنما في كل الأحوال{ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ }[3] والحديث الآخر وهو حديث موجه للصالحين وطلاب مصاحبة ومرافقة الصالحين{ إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ }[4] وهذا هو بداية الفتح {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} بكلام يغضب الله لكن إذا وصيته أو نصحته أو وجهته فليس هذا بالكلام الذي يفسد ويبطل الصيام لكن المقصد في الآية الكلام الذي يبطل الصيام وهو اللغو الذي نهى عنه الله {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} لكن إذا كان الكلام في الغيبة والنميمة والسب والشتم فهذا كلام يبطل الصيام وهذا ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش لكن اللغو هو التسلية أي نتكلم كلاماً لا يسئ إلي أحد لكن ينسي المرء ذكر الواحد الأحد مثل الكلام في الكرة والكلام في السياسة والكلام في أي موضوع حتى يضيع الوقت هل المؤمن عنده وقت يضيعه؟أحرص ما يحرص عليه العبد في حياته أنفاسه التي يتنفسها في هذه الحياة فإن النَفَس الواحد أغلى من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها بما فيها ومن فيها عند الله فالصيام عن اللغو هو بداية صيام أهل الفتح ولذلك إذا وجدت نفسك لا تستطيع إمساك لسانك عن لغو الكلام فاعلم أن طريق الفتح عليك مسدود وإذا أردت أن تسود وتفتح لك الكنوز ويواجهك الله بما واجه به الصالحين فعليك بقول سيد الأولين والآخرين{ امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابُكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ }[5] وبيتك هنا أي قلبك ويسعك بيتك أي تُقبل بالكلية على قلبك تصلحه وتنظفه وتطهره وتعمره بما يحبه الله لأنه الموضع الذي يتجلى فيه الله لأحباب الله بالفتح الذي أعده للصالحين من عباد الله.[1] ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[2] مسند الإمام أحمد عن سُليمانَ بنِ بُريدة عن أبيه
[3] صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[4] رواه البيهقي في فضائل الأوقات عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
[5] مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عندما سأل رسول الله : ما النجاة؟
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2
« احكام صيام عاشوراء | فضل الصيام » |