تِلْك حِكْمَة قِيْلَت بِالْنِّسْبَة لِأَي كِتَاب. فَمَا بَالُك إِذَن بِمَجْلِس يَكُوْن فِيْه كِتَاب الْلَّه – جَل ثَنَاؤُه – هُو جَلِيْسِك! ثُم مَا بَالُك
بِمَجْلِس يَكُوْن فِيْه ” أَهْل الْلَّه وَخَاصَّتُه” هُم جُلَسَاؤُك! ثُم مَا بَالُك بِه – بَعْد هَذَا وَذَاك – إِذَا كَان الْمَلَائِكَة هُم زُوّارُه وَحَضَارَة!
لَا شَك أَن ذَلِك مَجْلِس تُشَد إِلَيْه الْرِّحَال، وَتُقْطَع فِي سَبِيِلِه الْمَسَافَات وَالْأَمْيَال! فَهُو مَجْلِس يَتَضَوَّع مِنْه مِسْك الْرُّوْح؛
بِمَا حَضَرَه مِن أَهْل الْلَّه وَمَلَائِكَتِه! وَبِمَا تَنـزَّل عَلَيْه مِن رَحْمَتِه وَبَرَكَاتُه! وَإِن قَوْمِا مِن بَنِي آَدَم يَحْضُرُوْن
مَجْلِسَا تَشْهَدُه الْمَلَائِكَة هُم فِي الْحَقِيقَة (جُلَسَاء الْمَلَائِكَة)! وَمَن جَالَس قَوْما فَهُو مِنْهُم! وَمَا أَجْمَل تَعْبِيْر الْنَّبِي
-صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي مَثَل ضَرَبَه لْجُلَسَاء الْخَيْر وَجُلَسَاء الْشَّر، قَال-صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-: (إِنَّمَا مَثَل
الْجَلِيْس الْصَّالِح وَالْجَلِيس الْسَّوْء كَحَامِل الْمِسْك وَنَافِخ الْكِيَر، حَامِل الْمِسْك إِمَّا أَن يُحْذِيَك، وَإِمَّا أَن تَبْتَاع مِنْه،
وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْه رِيْحا طَيِّبَة! وَنَافِخ الْكِيَر إِمَّا أَن يُحْرِق ثِيَابَك، وَإِمَّا أَن تَجِد رِيْحا خَبِيْثَة!)
وَلَمَجْلِس يَجْتَمِع فِيْه الْنَّاس عَلَى الْقُرْآَن خَيْر مِن الْدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا
! كَمَا سَتَرَى بِحَوْل الْلَّه. فَأَبْشِرُوْا (جُلَسَاء الْمَلَائِكَة) بِالْخَيْرَات وَالْبَرَكَات!
وَمِن هُنَا؛ كَانَت (مَجَالِس الْقُرْآَن) هِي خَيْر أَنْوَاع (مَجَالِس الْذِّكْر)، الَّتِي تَضَافَرَت الْأَدِلَّة مِن كِتَاب الْلَّه وَسُنَّة
رَسُوْل الْلَّه -صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- عَلَى أَنَّهَا مَحْبُوْبَة عِنْد الْلَّه، مَذْكُوْرَة فِي مَلْئِه الْأَعْلَى، تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَة،
وَتَنـزَل عَلَيْهَا الْسَّكِينَة، وَتَغْشَاهَا الْرَّحْمَة، وَيُذَكِّرُهَا الْلَّه فِي مَن عِنْدَه. وَلَيْس شَيْء أُفِيْد مِنْهَا فِي تَرْبِيَة الْإِنْسَان
الْمُسْلِم عَلَى الْصَّلَاح وَالْفَلَاح.
وَهِي مِن أَهَم الْوَسْائِل الْتَّرْبَوِيَّة الَّتِي لَا غَبَش فِيْهَا وَلَا غُبَار، مِن حَيْث اسْتِنَادَهَا
إِلَى الْأَدِلَّة الْمُتَوَاتِرَة بِالْمَعْنَى، عَبْر الْأَحَادِيْث الْوَفِيّرَة الْمُسْتَفِيْضَة. نُذَكِّر مِنْهَا الْحَدِيْث الْمَشْهُوْر، الَّذِي رَوَاه
أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوْعا إِلَى الْنَّبِي-صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، وَالَّذِي فِيْه: (مَا اجْتَمَع قَوْم فِي بَيْت مِن بُيُوْت
الْلَّه يَتْلُوْن كِتَاب الْلَّه، وَيَتَدَارَسُوْنَه بَيْنَهُم؛ إِلَّا نَزَلَت عَلَيْهِم الْسَّكِينَة، وَغَشِيَتْهُم الْرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُم الْمَلَائِكَة،
وَذَكِّرْهُم الْلَّه فِيْمَن عِنْدَه. وَمَن أَبْطَأ بِه عَمَلُه لَم يُسْرِع بِه نَسَبُه!)
وَكَذَلِك الْحَدِيْث الْمُتَّفَق عَلَيْه، الَّذِي رَوَاه أَبُو هُرَيْرَة أَيْضا، مَرْفُوْعا إِلَى الْنَّبِي-صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-
قَال: (إِن لِلَّه مَلَائِكَة سَيَّاحِيْن فِي الْأَرْض، فَضْلَا عَن كِتَاب الْنَّاس، يَطُوْفُوْن فِي الْطُّرُق، يَلْتَمِسُوْن أَهْل الْذِّكْر،
[وَفِي رِوَايَة مُسْلِم: مَجَالِس الْذِّكْر] فَإِذَا وَجَدُوْا قَوْما يَذْكُرُوْن الْلَّه [وَفِي رِوَايَة مُسْلِم: فَإِذَا وَجَدُوْا مَجْلِسَا فِيْه ذِكْر]
تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَاتِكُم! فَيَحُفُّونَهُم بِأَجْنِحَتِهِم إِلَى الْسَّمَاء الْدُّنْيَا، فَيَسْأَلُهُم رَبُّهُم وَهُو أَعْلَم مِنْهُم: مَا يَقُوْل عِبَادِي
? فَيَقُوْلُوْن: يُسَبِّحُوْنَك وَيُكَبِّرُونَك وَيَحْمَدُونَك وَيُمَجِّدُونَك. فَيَقُوْل: هَل رَأَوْنِي? فَيَقُوْلُوْن: لَا وَالْلَّه مَا رَأَوْك. فَيَقُوْل:
كَيْف لَو رَأَوْنِي? فَيَقُوْلُوْن: لَو رَأَوْك كَانُوْا أَشَد لَك عِبَادَة، وَأَشَد لَك تَمْجِيْدا، وَأَكْثَر لَك تَسْبِيْحا. فَيَقُوْل: فَمَا يَسْأَلُوُنَنِي?
فَيَقُوْلُوْن: يَسْأَلُوْنَك الْجَنَّة. فَيَقُوْل: وَهَل رَأَوْهَا? فَيَقُوْلُوْن: لَا وَالْلَّه يَا رَب مَا رَأَوْهَا. فَيَقُوْل: فَكَيْف
لَو أَنَّهُم رَأَوْهَا? فَيَقُوْلُوْن: لَو أَنَّهُم رَأَوْهَا كَانُوْا أَشَد عَلَيْهَا حِرْصا، وَأَشَد لَهَا طَلَبا،
وَأَعْظَم فِيْهَا رَغْبَة. قَال: فَمِم يَتَعَوَّذُون?
فَيَقُوْلُوْن: مَن الْنَّار. فَيَقُوْل الْلَّه: هَل رَأَوْهَا? فَيَقُوْلُوْن: لَا وَالْلَّه يَا رَب مَا رَأَوْهَا. فَيَقُوْل: فَكَيْف لَو رَأَوْهَا? فَيَقُوْلُوْن:
لَو رَأَوْهَا كَانُوْا أَشَد مِنْهَا فِرَارا، وَأَشَد لَهَا مَخَافَة. فَيَقُوْل: فَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَد غَفَرْت لَهُم! فَيَقُوْل مَلَك مِن الْمَلَائِكَة:
فِيْهِم فُلَان، لَيْس مِنْهُم، إِنَّمَا جَاء لِحَاجَة! فَيَقُوْل: هُم الْجُلَسَاء لَا يَشْقَى بِهِم جَلِيْسُهُم!)