على ايميلي اسعفني لأضعه هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعـــد :
فقد اطلعت على فتوى للشيخ سلمان العودة في موقعه بجواز الاحتفال بعيد الميلاد للأولاد وكانت الفتوى جواباً لسؤال ورد إليه في برنامج ( الحياة كلمة ) وقد أفتى بذلك غير هذه المرة .
ورغبة في بيان الصواب في هذه المسألة أحببت نشر هذا التعقيب وتعميمه ، لكون الفتوى على العموم ، فإن كثيراً من الناس اتكأ عليها وصاروا يقيمون الموالد لأولادهم .
قال الشيخ عفا الله عنا وعنه : ( إن الذي يَظهر لي أن هذه الاحتفالات الفردية كأن يجمع طفل أصدقاءه وذوي رحمه في احتفال ببراءة وعفوية لا تحمل أيَّ بعد عقائدي ، فإن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع ) .
فأقول وبالله التوفيق : إن الشيخ هوّن من شأن ( عيد الميلاد ) بوصفه لمن يعمله بالبراءة والعفوية ، ومقصوده - والله أعلم - عدم نية السوء والابتداع أو التشبه بالكفار ، ومفهوم كلامه أن ما كان بخلاف ذلك من نية الابتداع والتشبه بالكفار فهو ممنوع .
ولي مع هذه الفتوى وقفات :
الأولى :
هذه الأعياد التي تسمى ( الميلاد ) لم تكن تعرف في الإسلام ، بل لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يلعبون في يومين ، فقال { ما هذان اليومان ؟ } قالوا : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم :
{ قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } " (1) فلم يقرهم صلى الله عليه وسلم على تخصيص هذين اليومين باللعب مع أنه لم يكن لهم فيهما غير اللعب ، مما يدل على انتفاء شبهة التعبد فيهما ، وهذا اللعب المجرد يحمل معنى العفوية التي عبر بها الشيخ ، ومع ذلك لم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الاستمرار على هذين العيدين وأبدلهم بهما الأضحى والفطر .
الثانية :
الأزمنة المعظمة سواءً كانت أعياد ميلاد أو غيرها لا يخلو المنع من الاعتناء بها وإقامتها من إحدى علل ثلاث :
الأولى : الإحداث :
فإن اعتماد أعياد زمانية لم ترد في الشرع يعتبر إحداثاً في دين الله ، وشرعا لم يأذن به الله ، قال الله تعالى: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [ الشورى 21 ] وقال صلى الله عليه وسلم : {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، " (3).
العلة الثانية : التشبه بالكفار :
فإن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار بصفة عامة فقال صلى الله عليه وسلم : { من تشبه بقوم فهو منهم }(4) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشـبه كما في قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) (5) [ المائدة : آية 51 ] " .
ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال :{ قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } (6) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار ، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } (7) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " قوله {إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم ، كما أن الله سبحانه قال: ( ولكل وجهة هو موليها ) [البقرة: 148]، وقال ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )[المائدة: 48] ، أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم ، وذلك أن اللام تورث الاختصاص ، فإذا كان لليهود عيد ، وللنصارى عيد ، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه ، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم ، وكذلك – أيضاً على هذا – لا ندعهم يشركوننا في عيدنا " (8) .
وتشبه بعض المسلمين بالكفار في الأعياد والمواسم لا ينحصر في كونهم يقيمون هذا العيد ، أو يقيمونه على صفة معينة للكفار تقتضي منا أن لا نتشبه بهم فيها . لكن الأمر يتعدى ذلك إلى أمور منها :
• الأول : التشبه بهم في نوع الأعياد، أي أن من المسلمين من يتشبه بالكفار في إقامة أعياد وفيها مضاهاة لأعياد الكفار .
وحتى يتبين خطأ ما قاله الشيخ سلمان من كون عيد الميلاد ليس تشبهاً حيث قال ( أن مثل هذا الاحتفال ليس تشبهًا ، فهو ليس من خصوصيات الأمم الكافرة ، وإنما هذا موجود الآن عند معظم شعوب العالم )
أقول جواباً على هذا : إن معظم شعوب العالم اليوم ليست على الإسلام ، فإن المسلمين يمثلون ربع العالم تقريباً ، فهل نسي الشيخ هذا الأمر !! هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فإن أعياد الميلاد من خصوصيات الكفار الدينية ، فإن معظم الأعياد البدعية التي يقيمها بعض المسلمين أو يقلدون فيها الكافرين قائمة على خلفيات دينية عند الكفار ، مثال ذلك :
الاحتفال بالهجرة النبوية يحاكي عيد رأس السنة .
المولد النبوي وميلاد الشخص يحاكي عيد ميلاد عيسى عليه السلام .
الإسراء والمعراج يحاكي عيد القيامة ( أي قيامة المسيح ) عند النصارى .
مهرجان الزهور يحاكي عيد النيروز عند المجوس وشم النسيم عند القبط .
? فعيد رأس السنة الميلادية أصله عيد رأس السنة المجوسية الذي كان المجوس يقيمونه تقديساً لمعبودهم الشمس ، ومن المعلوم أن الحضارة النصرانية أخذت أعيادها من اليونان الأمة الوثنية ، واليونان ورثوا عقائدهم من المجوس .
وكان قدماء المصريين أيضاً يحتفلون برأس السنة عندما تظهر " سوثيز " أي " الشعرى اليمانية " أثناء النهار ، مما يدل على ارتباط ذلك بديانتهم (9) .
وسرى ذلك إلى العرب فقال تعالى ( وأنه هو رب الشعرى ) [ النجم 49 ] وهو كوكب مضيء يطلع بعد الجوزاء
قال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة ، وكان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم (10) .
وعند اليهود عيد رأس السنة ، أو رأس الشهر ، وهو شهر مقدس عندهم لمحاسبة النفس والتوبة والندم ، وقد اختار اليهود هذا الشهر للتقدم إلى الرب بأفضل الأعمال ، وذلك لما حدث فيه من عبادة العجل وكسر الألواح (11) .
والمولد النبوي يقيمه أهل البدع على اعتبار أن محمداً صلى الله عليه وسلم أجدر وأولى بالتكريم من عيسى عليه السلام ، فوقعوا في التشبه بالنصارى بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم كما غلا النصارى في محبة عيسى عليه السلام .
بل إن لعيد الميلاد عند النصارى الموافق ( 25 ) ديسمبر ارتباطاً وتأثراً بالديانة اليونانية الوثنية ، فإن التاريخ نفسه هو يوم ميلاد " آلهة الشمس " ( ميترا ) عند اليونان ، ولذا وُجدت العناية عند النصارى بالنار والشموع التي تمثل الشمس تأثراً بالديانة اليونانية الوثنية (12) .
فيكون الترتيب الزمني لأعياد الميلاد هكذا :
عيد ميلاد ( ميترا ) آلهة الشمس عند اليونان .
ثم عيد ميلاد المسيح عليه السلام .
ثم عيد ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم عيد ميلاد الأطفال والأشخاص عموماً ممن هم دون النبي صلى الله عليه وسلم كالأولياء والصالحين والزعماء وأئمة الرافضة ونحوهم .
• الأمر الثاني : التشبه بهم في توقيت الأعياد ، وذلك باستعمال الحساب الشمسي في بعض الأعياد ، وترك الحساب القمري الذي هو من شعائر هذه الأمة ، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلام أهل العلم في هذه المسألة .
وبعد هذا السياق يتضح أن احتفال المسلم بعيد الميلاد له أو لأحد من أولاده لا يخرج عن ارتكاب المحظور بهذه العلل الثلاث أو ببعضها ، وقول الشيخ عفا الله عنه أنه لا بُعد عقائدي لهذا العيد لا يسلّم له بعد أن تبين أن موافقة الكفار في نوع هذا العيد هو بُعد عقائدي .
العلة الثانية : التخصيص :
ومعناه : أن تخصيص زمان من هذه الأعياد ( الميلاد أو غيره ) باجتماع راتب ، أو أعمال ، أو عبادات ، يعتبر تعظيماً لهذا اليوم وتخصيصاً له من غير مخصِّص ، والأزمنة المعظمة محددة في الشريعة الإسلامية لا يزاد عليها إلا بدليل ، ولو أحدثنا أزمنة كالميلاد وغيره ضاهينا بذلك الأعياد الشرعية التي تنتظرها النفوس بشغف ، وزاحمناها ، ولذا فإن الشريعة الإسلامية نهت عن تخصيص شيء من الأزمنة بتعظيم إلاماخصته ، حياطة للشعائر الإسلامية أن يدخل عليها ما يزاحمها ويضعف أثرها في النفوس ، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } (13) .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم } (14) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
فوجه الدلالة : أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام :
1. قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان ، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء .
2. وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين .
3. وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان .
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره ، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك ، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده ، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده .
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد ، أو لا ينهى عنه ، كيوم عرفة وعاشوراء ، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات ، وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة ، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لاخصيصة له ، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي ، كما في قوله{ خالفوا المشركين } (15) فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة ، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص .
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره ، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره ، ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره ، لها فضيلة على غيرها من الليالي ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص .
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم ، ولا فضل فيه في الشرع ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك .
وهذا المعنى موجود في مسألتنا ، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة ، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه ، نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص ، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها ، هذا اعتقادي ، ومع ذلك فأنا أخصها ، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره ، وإما اتباع العادة ، وإما خوف اللوم له ، ونحو ذلك ، وإلا فهو كاذب ، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد ، أو باعثاً آخر غير ديني ، وذلك الاعتقاد ضلال .
ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال ، وتلك الأحوال أيضاً باطلة ليست من دين الله .
ولو فرض أن الرجل قد يقول : أن لا أعتقد الفضل ، فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه من التعظيم والإجلال ، والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ، ولو أنه وهم ، أو ظن أن هذا أمر ضروري ، فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء امتنع مع ذلك أن تعظمه ، ولكن قد تقوم بها خواطر متقابلة، فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه ، ومن حيث شعوره بما روي فيه ، أو بفعل الناس له ، أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه ، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته ، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة ، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله ، وأنها تورث القلب نفاقاً ، ولو كان نفاقاً خفيفاً "(16) .
قلت : وهكذا تخصيص يوم ميلاد الشخص هو ناشيء في الحقيقة عن تعظيم لهذا اليوم ، ولو ادعى أحدٌ عدم وجود هذا التعظيم لم يسلّم له ، لأن تخصيص هذا اليوم بالانتظار ثم الاجتماع ثم الاحتفال والفرح والأكل والشرب ومظاهر العيد من الألعاب ونحوها . مع ما يصاحب ذلك من الدعوات بعام جديد سعيد هو بحد ذاته تعظيم ، ولو لم يكن فيه تعبد .
الوقفة الثالثة :
قول الشيخ : أنه احتفال ببراءة وعفوية .
ومفهومه أن من يقيمه لا يقصد التعبد ولا التشبه ، وهذا التعليل لا أعلم من قال به من أهل العلم ، فمن أين للشيخ هذا الرأي !! بل هو مردود بحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال " نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا: لا ، قال : هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ قالوا: لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، وإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } (17) .
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عند هذا الحديث :
" التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده" (18) .
قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله : " أي أنه لما جعل نذر الذبح في مكان عيد المشركين نذر معصية ، ومنع من الوفاء به مع كون الناذر لم يقصده ، دل ذلك على الحذر من مشابهتهم " (19) .
ومقصود المشايخ رحمهم الله أن الصحابي رضي الله عنه لا يظن به أن يقصد ذلك المكان من أجل إحياء عيد المشركين لو كان في نفس الموضع ، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن صورة الفعل فيها مشابهة للكافرين وإن لم ينو ذلك .
ولهذا أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار (20) ، ومن المعلوم أن المسلم لايخطر بباله أن يسجد للشمس لو صلى في ذلك الوقت ، لكن حسماً لمادة المشابهة في صورة الفعل منع من ذلك صلى الله عليه وسلم .
وفي نحو هذا المعنى قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث
{ أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله } :
" هل الفعل يشعر بالنية ، أو نقول المضاهاة حاصلة سواءً كانت بنية أو بغير نية ؟
الجواب : الثاني ، لأن المضاهاة حصلت سواءً نوى أو لم ينو ، لأن العلة هي المشابهة ، وليست العلة قصد المشابهة ، فلو جاء رجل وقال : أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله ، أنا أصور هذا للذكرى مثلاً وما أشبه ذلك . نقول : هذا حرام ، لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم ، لأن الحكم يدور مع علته ، كما قلنا فيمن لبس لباساً خاصاً بالكفار إنه يحرم عليه هذا اللباس ، ولو قال إنه لم يقصد المشابهة نقول : لكن حصل التشبه ، فالحكم مقرون بعلة لا يشترط فيه القصد ، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم "(21) .
وهكذا في مسألة أعياد الميلاد فلو قال شخص أن لا أقصد التشبه قلنا له : إن التشبه بهم حاصل سواءً قصدت أو لم تقصد .
الوقفة الرابعة :
قول الشيخ : ( إن ما يسمى بعيد الميلاد (الشخصي) كثيرون لا يسمونه عيداً )
أقول : وبعض من يرتكب الشرك يسميه بغير اسمه فيسمونه تبركاً وتوسلاً . وكذلك من يرتكب الكبائر يسميها بغير
اسمها فيسمون الخمر كحولاً ومشروبات روحية ، ويسمون الربا فوائد .
فليس دليلاً على الجواز كون من فعله لا يسميه ( عيداً ) فهو عيد لغة وفي الاصطلاح الشرعي .
قال في لسان العرب : ابن الأعرابي : سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد " (22) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، أو نحو ذلك " (23) .
فعيد الميلاد يعود ( كل سنة ) في ( توقيت معين ) و ( مقصود لذاته ) أي لكونه اليوم الذي ولد فيه الشخص ، ويكون فيه من الأعمال والاجتماع والفرح ما يكون نوعه في العيد المشروع ، فيكون بهذا آخذاً صبغة العيد تماماً ، فإحداثه إضافة عيدٍ في حياة المسلم وتشريع لم يأذن به الله .
الوقفة الخامسة :
قول الشيخ : ( . وبعضهم لا يلتزم أن يجعل الاحتفال في اليوم ذاته، فقد يكون قبله أو بعده . )
ولعل الشيخ - وفقه الله - وهو المحب لقلم ابن تيمية -كما قال - غاب عنه أو نسي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع وهو أن حريم العيد من العيد ، فأنا أذكِّره بكلامه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، وكذلك حريم العيد وهو ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله ، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله ، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال ، حكمها حكمه ، فلا يفعل شيء من ذلك " (24) .
الوقفة السادسة :
أخشى أن يُلزم الشيخ بجواز الاحتفال بالمولد النبوي خصوصاً إذا ادعى مدعٍ أنه لا يتعبد الله بالمولد النبوي وإنما يقيمه ( احتفاءً ) بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يحتفى بمناسبات الزعماء الشخصية والوطنية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ، فلعل الشيخ يراجع نفسه والمؤمن رجّاع إلى الحق إذا تبين له .
لذا فإن هذه المسألة وغيرها من المسائل العامة للأمة لا ينبغي التسرع في إعطاء رأيٍ فيها مالم يكن قد حققها الإنسان تحقيقاً يطمئن له قلبه ، وأحسب أن كثيراً من الدعاة والمشايخ شغلوا بالدعوة والإعلام عن العكوف على تحقيق المسائل العلمية .
وأخيراً : إذا كان الشيخ سلمان وغيره من الدعاة يسعى للإصلاح و ( جمع الكلمة ) فإن سريان البدع في الأمة من أعظم أسباب الفرقة فإن الله تعالى أفرد الحق وعدد الباطل بقوله جل شأنه ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام 153 ] ، والمتعين على الداعية إذا رأى تساهل الناس في أمرٍ ما أن يأخذهم بالحزم لا أن يبحث عن سبيل رخصة بدون دليل ، ولهذا كانت سنة عمر رضي الله عنه من أبدع السنن في حياطة الدين من تساهل المفرطين ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ) ( 25) ، قال شيخ الإسلام رحمه الله " ولاريب أنه إذا كثر المحظور احتاج الناس فيه إلى زجر أكثر مما إذا كان قليلاً " (26 ) .
وختام المسك ومسك الختام فهذه فتاوى علمائنا رحمهم الله في أعياد الميلاد أتحف بها القراء الكرام :
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن إقامة أعياد الميلاد فأجاب :
الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) متفق على صحته (27) .
ud] hgldgh] ,sglhk hgu,]m ihl gg[ldu