المراهقون دنيا يعلمها الله
يهربون من واقعهم الذي يصورونه على أنّه مرّ كطعم العلقم إلى عوالم مجهولة غالباً وهمية تقودهم إلى النفق المظلم في حياتهم، فيمتهنون حب تعذيب الذات كنوع من البريستيج الراقي في الترويح عن النفس، ولاسيما لدى فئة الشباب التي تعاني أصلاً من مشاكل اجتماعية كبيرة.
ينسى المراهقون، وإن كانوا في أعمار مختلفة، آلامهم بعذاباتهم، ويجدون في تعذيب ذاتهم الراحة والخلاص هرباً من واقعهم المر، كما يقولون… ليس تعذيباً للآخرين، إنه تعذيب من نوع آخر، تعذيب الذات، لا يردعهم عقل ولا دين، المجتمع ظالم، وهم مظلومون، هكذا يدّعون.
كلّ بني البشر لديهم بعضٌ من حبّ التعذيب أي كل إنسان فيه لو جزء ضئيل من هذه الصفة، لكن دون أن نشعر بذلك أحياناً، فمثلاً الميل لمشاهدة أفلام الرعب هو نوع من تعذيب النفس بالمشاهد المروعة.
ويتخذ الأمر صوراً أبسط من هذا، فقد يحدث أن تكون في بيتك، والوقت ليل، وأنت جالس تحدّق في الخارج، وتتخيّل ما يمكن أن يحدث لو كنت مثلاً وحيداً في العراء، وهذا التخيّل نوع من أنواع حب تعذيب الذات، وهي أمور طبيعية عند الكثيرين، لكن المشكلة الكبيرة عندما يتفنن المرء في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتعذيب ذاته، وقد تتطوّر الأمور لجرح نفسه وإحداث حروق في جسده أو خلق عوالم خيالية لا علاقة لها بالواقع.
الدماء تشعرني بالراحة
وبالعودة إلى الواقع إلى المجتمع نجد الأمثلة كثيرة عن هذا العالم الخاص، ولاسيما لدى فئة الشباب، وإن كان بعضهم يفضل عدم الدخول في متاهات هذه التداعيات، موسى (29 سنة) يصور لنا الحالة التي وصل لها بعد قرار أمه بالزواج وفشله بالارتباط بأي فتاة الأمر الذي دفعه إلى الانحراف وأذية نفسه دون أي تفكير بعواقب ذلك وقال: بعد وفاة والدي أرادت أمي الزواج فحملني كل الناس مسؤولية هذا القرار، إضافة إلى أنني كلما تقدمت لخطبة فتاة أفشل، لدرجة أني لم أعد أحب الحياة، ولم يعد أحد يحبني، أشعر أني ضحية ظروف لا يد لي فيها، وأنني مظلوم، ولست ظالماً كما يتهمني الناس، لكن لا أعرف كيف ومتى خطر لي أن أجرح أطراف جسدي لأرى دمي، كل ما أذكره أنني فجأة ضربت يدي بآلة حادة عندما كنت في قمة اليأس، وبعدها خرج دم كثير، لكن الغريب أني شعرت بالراحة، ومن ثم أصبحت عادة لدي، وكأنها دواء مهدّئ. يعكس لنا هذا النموذج الغريب حالة مرضية بأعلى درجاتها، أي في مراحل متقدمة من حب تعذيب النفس، إذ يقوم الشخص هنا بوعي أو دونه بأعمال تعرضه للإيذاء والإهانة، ويكرر هذا الأسلوب ويجد فيه متعة خفيه على الرغم من شكواه الظاهرية.
hglvhir,k ]kdh duglih hggi