رمضان والرحيل
من لاحت له أوصاف الجنة العالية , وعاش مع أوصافها في آيات الكتاب المبين , وسنة خير المرسلين , وهي تصف دار الكرامة والحبور, وما فيها من خيرات متناهية الأوصاف , مابين منازل أنيقة في وسط أنهار سارحة تجري من تحتها من غير أخاديد , وغرف قد زُينت , وعرائس قد كمُلت , وأنواع من طيبات المآكل والمشارب , في جوار رب كريم , تاقت روحه وطمعت نفسه لنيل تلك المنازل .
تأمل في سورة الدهر والدخان , وخاتمة عم والرحمن ,وانظر إلى تلك الكرامات التي أعدها الله لأوليائه .
إن حياة لحظة واحدة في جنات النعيم تعدل حياة المرء في الدنيا مئات السنين , فكيف بمن يعيش في تلك الدار أبد الآباد في خيرات متزايدة , وعطايا متناهية ؟
فشمر عن ساعد الجد , وانفض عنك غبار الكسل , ودع عنك التواني , فإن العيش قُدامي.
:
قصر الأمل هو : توقع قرب الرحيل , وحلول الأجل في إي لحظة .
ومتى ما استقر في النفس هذا الأمر كان له أعظم الأثر في حملها على الطاعة , وجعلها تبادر الساعات واللحظات في العمل الصالح
فإنه لم يُهلك الناس ويجعلهم يفرطون في الطاعات سواء في المواسم المباركة أو غيرها إلا طول الأمل , فلو قيل لأحدنا : هذا آخر رمضان لك في الحياة , فكيف سيكون حاله ونشاطه
مع أننا كلنا على يقين أنه سيكون هذا آخر رمضان لبعضنا \"أطال الله في أعمارنا على طاعته\" .
كم نعرف ممن صام وقام معنا في العام الماضي , والأعوام الماضية , فأصبحوا تحت أطباق الثرى محبوسين ,وبأعمالهم مجزيين
ولذا جاء الأمر في المبادرة والمسابقة للعمل الصالح فقال الله عزّ وجلّ: \"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ\" (الحديد:21)
قال ابن المُبارك: رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة، فقلتُ: بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ؟ فقلتُ له: ما تقول في الصَّوم في السفر؟ فقال: إنما هي المبادرة يا بن أخي. فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبي.
بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهداً . والموتُ وَيْحك لم يَمْدًد إليك يَدَا
وأرقبْ من الله وَعْداً لَيْسَ يُخْلِفُه . لا بُدَّ لله من إنجاز ما وَعَدَا
قال ذو النون : الكيس من بادر بعمله ، وسوف بأمله ، واستعد لأجله .
فهكذا كلما قصر العبد أمله سارع إلى العمل الصالح خصوصاً في الزمان الفاضل كرمضان وغيره .
صدق الأول يوم قال
إذا لم يكن من الله عونا للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
فمهما بلغت من حفظ النصوص , ومعرفة الثواب , وعظيم الأجر , فلن تقدر على العمل , والتقرب إلى الله تعالى , واغتنام هذه المواسم وغيرها إلا بمعونة الرحيم الرحمن , فانطرح بين يديه , واصدق في الرغبة إليه , فهو خير معين , وأجود معطي .
وكن على يقين أنه إن فتح لك هذا الباب فقد أراد بك الخير
جاء في الحديث أن رسول الله قال\" من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة. (هداية الرواة) [وهو حسن كما قال ابن حجر في المقدمة]
ومن كان صادقا تخير الأوقات الفاضلة التي هي أقرب للإجابة \" قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات \"
رواه الترمذي وهو حديث حسن
فاللهم وفقنا في هذا الشهر لهداك , واجعل عملنا في رضاك , اللهم اجعلنا ووالدينا وأهلينا من عتقائك من النار اللهم آمين
vlqhk ,hgvpdg