مرحلة الشباب
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم في عافيه منا يارب يالله
لمرحلة الشباب أهمية خاصة بالنسبة إلى الفرد والمجتمع والبناء الديني.
أولاً: الأهمية الفردية
خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان من أجل أن يتكامل في آفاق المعرفة والعبادة، ولكن مسيرة الإنسان نحو الكمال ليست سهلة وميسرة، بل هي محفوفة بالعقبات والتحديات، والأهواء والشهوات ما هي إلا عقبات أساسية في هذا الطريق، وبذلك يكون إتباع الأهواء والشهوات مانع من البلوغ الكمال، بينما تجاوز هذه الأهواء هو السبيل إليه، فبلوغ الكمال متوقف على تجاوز هذه العقبات.
ولكن الإنسان -وخلال مراحل حياته المختلفة- ليس على نسق واحد في مقدرته على التحدي، وهو لا يملك نفس المستوى من الاستعداد والمقدرة على اقتلاع السلبيات العالقة به، وكذلك هو لا يمتلك نفس القابلية على التغيير، فلا ريب أن هناك فروقاً واضحة بين نفسية الشاب ونفسية المسن.
من هنا تظهر لنا أهمية مرحلة الشباب في صياغة شخصية الإنسان، لذلك تجد أن النصوص الدينية أكدت على هذه المرحلة، فالإنسان سيُسأل يوم القيامة عن كامل عمره فيما أفناه، وسيُسأل عن خصوص شبابه فيما أبلاه، لما هذه المرحلة من أهمية، فقد ورد عن الرسول الأعظم : (فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبُرت سِنُه كفضل المرسلين على سائر الناس).
ثانياً: الأهمية الاجتماعية
إن للشباب دوراً أساسياً ومحورياً في تقدم المجتمع أو تخلفه، فأي مجتمع يريد النهوض والتقدم وتغيير واقعه السلبي أو المتخلف، لا بد له أن يمتلك رصيداً قوياً من الكفاءات الشابة، ومن هنا فإن أحد معايير تقدم أي مجتمع هو نوعية الشباب فيه، فإذا كان الشباب يتمتعون بمستوى عال من الوعي وتحمل المسؤولية، فإن هذا المجتمع يستطيع أن يتقدم، بخلاف المجتمع الذي يكون الشباب فيه يعيش انعدام الوعي، وانعدام تحمل المسؤولية.
لذلك فإن على المجتمع إذا أراد التقدم أن يفتح المجال أمام طاقات الشباب، وأن يستوعبها، بأن تكون له برامج وخطط تستهدف الشباب، لتفعيل طاقاتهم وتنميتها.
ثالثاً: الأهمية الدينية
والذي يدرس تاريخ الرسالة يجد أن الرسول الأعظم كان مربياً عظيماً للطاقات والقيادات والطلائع الرسالية، وهذا الأمر يعد من الأسس التي برزت في مسيرته الإصلاحية. حيث أن رسالة الإسلام إنما تكون قادرة على التموج والانتشار من خلال القيادات الإلهية والطليعة الرسالية التي تتمكن من حمل رسالة الإسلام ومضامينه إلى الواقع الاجتماعي.
القرآن الكريم عندما يحدثنا عن روّاد التغيير وعن العظماء في التاريخ، نرى بأن كثيراً منهم كانوا في سن الشباب، فهو يحدثنا عن بطل التوحيد إبراهيم الخليل ، وكيف تحدى قومه وحطم الأصنام وهو ما زال فتىً ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء/ 60)، والشباب هو من جاوز البلوغ، والفتوة هي متوسط الشباب. ويُحدثنا عن الشاب إسماعيل الذبيح وعظيم تضحيته وامتثاله لأمر الله، ويحدثنا عن ابتلاءات يوسف الصديق وهو في صغر سنه، ويحدثنا عن شجاعة كليم الله موسى وهو ما زال فتى يافعاً، وهكذا يحدثنا عن أصحاب الكهف الذين يصفهم القرآن الكري بأنهم ﴿فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف/ 13)
من هنا، لا بد أن تقبل الطاقات الشابة كعنصر أساسي في بناء الواقع الديني في مجتمعاتنا.
الخصائص النفسية للشباب
ولنا أن نتساءل: لماذا تحظى مرحلة الشباب بهذه الأهمية؟ لا شك أنه حينما يكون للشباب دوراً محورياً في صناعة التغيير والتقدم، فذلك ليس إلا للخصائص النفسية التي يتميز بها الإنسان في مرحلة الشباب عن غيرها من المراحل العمرية.
أولاً: الشباب والتطلع نحو التغيير
كما أنه يمتلك الطموح والتطلع للتغيير. حيث أن الإنسان في مرحلة الشباب لا يجمد على الوضع القائم ولا يكتفي بما هو سائد، وإنما هو يمتلك طموحاً من أجل التغيير.
أي شخصية تريد أن تحقق إنجازاً معيناً أو أن تغير وضعاً قائماً سلبياً، لا بد أن تتطلع نحو تغييره، حتى تتمكن من تحقيق هذا التطلع في الواقع الخارجي. والشخصيات المؤثرة في مسيرة المجتمعات كانت لها تطلعات كبرى وهي في مرحلة الشباب، ثم حولت بإرادتها هذه التطلعات إلى واقع.
بل إن الشبب في اللغة هو أول النهار، (ويتضمن معنى التفتح والاستبشار بالحياة والمستقبل) . وهذا ما يميز الشباب عن غيرهم من الناحية النفسية. حيث أن الإنسان في مرحلة الكهولة وما بعدها هو من الناحية النفسية قد يكون اكتفى بما هو قائم وما هو موجود، ولذلك قد يعيش حالة من الجمود.
ثانياً: التحرر من الأصر والأغلال
حيث أن الواقع الخارجي بشكل عام تتحكم فيه مجموعة من القيود والأغلال والتعقيدات التي تحول بين المجتمع وبين التغيير. ولا شك أن كل شخص يريد أن يغير هذا الواقع، لا بد أن يتحرر من هذه القيود من الناحية النفسية.
فالواقع الديني والاجتماعي لا يخلو من سلبيات ونواقص، والشباب من خلال طموحهم وتطلعهم يتمردون على هذا الواقع السلبي، ولذلك هم من يسعى أكثر من غيرهم على تجاوز السلبيات وترميم النواقص.
حينما يسأل البعض عن بعض التغييرات التي يفترض أن يكون هنالك من يسعى إليها في واقعنا، تجد أن البعض أذهانهم ممتلئة بالمعوقات والعقبات والقيود،
ثالثاً: سرعة التغيير
ولأن الشباب منفكين عن كثير من القيود الاجتماعية والأصر النفسية تراهم يتمتعون بسرعة التغيير، فهم دائماً السباقون إلى الجديد، سواءً كان هذا الجديد خيراً أو شراً،
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (أوصيكم بالشبان خيراً فإنهم أرق أفئدة، وأن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان، وخالفني الشيوخ)، ثم قرأ ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
وهكذا يخاطب الإمام الصادق أحد أصحابه فيقول له: (كيف خلفت الناس؟ كيف دخولهم في الدين؟
قال: قلة يا بن رسول الله.
قال: عليك بالأحداث، فإنهم الأسرع إلى كل خير).
رابعاً: الشباب والاستعداد للتضحية
فالإنسان في مرحلة الشباب يمتلك الاستعداد للتضحية من أجل اختياراته في الحياة. وهذه الصفة هي من أهم الصفات النفسية التي تتيح للإنسان التقدم والعطاء الغزير في أي مسارٍ يختارهُ. ولذا ترى أن بعض الشباب قد يقتنعون بمسارٍ معين في حياتهم، تراهم يقدمون كل ما هو مستطاع ويضحون بأوقاتهم وجهودهم من أجل ذلك المسار والاختيار.
لقد (أظهر لنا تاريخ العالم بأن الأشخاص ذوي الإرادة القوية والمضحين هم الذين يكونون على الدوام نواة التحولات العظمى في التاريخ. حيث أن الأفراد مسلوبي الإرادة والخاملين والمتقاعسين الذين لا يصل مستوى أفكارهم وطموحاتهم حدوداً معينة عاجزون عن إجراء أبسط التحولات في حياتهم الخاصة، فكيف يمكنهم إحداث تحول في مصير مجتمعاتهم؟!)( ).
مسؤولية الشباب
وبما أن الشباب يمتلكون كثيراً من الصفات الإيجابية ولأنهم يتعرضون لجملة من التحديات، لذلك فإن على عاتقهم جملةً من المسؤوليات الفردية والاجتماعية.
وفي الحقيقة إن التحديات التي تواجه الجيل الجديد من الشباب تختلف عن التحديات التي واجهتها الأجيال السابقة, لهذا فإن طبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتق الشباب اليوم ستختلف تبعاً لتلك التحديات.
وإن من أهم التحديات التي يعيشها شبابنا اليوم هو محاولة تغريب عقولهم، وإبعادهم عن دينهم تحت مسميات مختلفة. إن العالم الإسلامي بشكل عام والشباب بشكل خاص اليوم مبتلى بهجمات شرسة من أجل استلاب هويته وتضييع شخصيته. وهذه المحاولات تستهدف تغريب الشباب على صعيدين: المعرفي والسلوكي.
فعلى كلا الصعيدين تجد أن الماكينة الإعلامية الضخمة بكل ما أوتيت من قوة تروّج إلى أفكار واتجاهات معرفية وإلى سلوكيات بعيدة كل البعد عن روح الدين وتعاليمه. والمشكلة الكبيرة أن هذا الإعلام في شكله ومضمونه وما يدعو إليه يتمتع ببريق وجاذبية خاصة ناشئة عن إتباعه طريق إشباع الشهوات، وتلبية الأهواء، مما يجعل المؤيدين إلى مثل هذا الخطاب كثيرين؛ لأن الناس متبعون لأهوائهم إلا من رحم ربك، يقول تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (آل عمران/ 14).
بينما الدين يدعو إلى تقنين الطرق التي يتم عن طريقها إشباع الشهوات، ويدعو الإنسان إلى المثل والفضيلة وقيم الخير، مما يصعب المسألة على المتدينين، إلا أن إتباع الدين يوفر للإنسان لذة أكبر لمن يفقه، حيث أن اللذة الحقيقة هي في ثواب الله -سبحانه وتعالى- ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران/ 15).
إذاً هناك مائز حقيقي بين من يدعو إلى الله وإلى الفضيلة وبين من يدعو إلى إتباع الشهوات، لهذا تجد المقابلة واضحة بين الاثنين، يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾ (النساء/ 27).
وإتباع الشهوات يجعل الإنسان حبيس لشهواته لا يفكر إلا في إشباعها ولا يفكر في أي شيء أبعد من ذلك، فلا يفكر حتى في تنمية نفسه وتطويرها، فضلاً عن الاشتغال بقضايا الأمة وهموم المجتمع، يقول تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم/59)
وعلى هذا فإن من أهم مسؤوليات الشباب اليوم هي المحافظة على دينهم، على مستوى المعرفة والسلوك، وأن لا ينبهروا بالمادية الغربية التي تحيط بهم من كل مكان، وذلك يستدعي أن يتوجه شبابنا إلى طلب العلم الشرعي، ليتفقهوا في الدين على صعيد العقيدة والثقافة والأحكام والأخلاق، من خلال القرآن الكريم وروايات أهل البيت .
وهكذا ينبغي للمجتمع بكل أطيافه أن يفكر في أيجاد الآليات المناسبة لاحتواء الشباب ضمن مجاميع شبابية فاعلة، تحفظ الشباب من الانزلاق في مهاوي شياطين الجن والأنس، وتساعد في تفعيل طاقاتهم وتنميتها.
lvpgm hgafhf