عدّ للعشرة
لا أحد يقرّ بأن العنف هو الحل الشافي للمشاكل
لا أحد يقرّ بأن العنف هو الحل الشافي للمشاكل، إنما هو فتح باب للمصائب! ما ملك الإنسان خيراً من نفسه عندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه، فهو عندئذ شخص يستحق الذكر، ولقد عُرف الحليم عند الغضب، ومن صان لسانه صانه! كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حالات العنف التي تهدد السلم المجتمعيّ، والتي يلجأ إليها الناس للتعبير عن غضبهم، وانتفت صفة الحلم و التعقل من نفوس الناس، فغاب الاحترام عن المجالس، وتعرّض الذي كاد أن يكون رسولاً، المعلم، للضرب فهوت هيبتة تحت صفعات الطلبة وعنفهم، وتراجع دور الأب القدوة وانعكست الصورة فصار يُربى من قبل أولاده بعد أن كان المربي، فصار يمارس عليه كل أنواع العنف ابتداءً من فرض قرار الصغير على هشاشه، وكلها حالات شاذة لا تُرضي لا العبد ولا الرب، وقيل الغضب من الشيطان والشيطان من نار. العنف حالة من فقدان الوعي تسيطر على الإنسان وتفقده سيطرته على نفسه وتخرجه عن طوره فيعبّر عن غضبه بكل وسائل العنف المتاحة له إما بالصراخ وقذف الألفاظ البذيئة، وإما بالضرب. وقد يصل الغضب بالمرء أحياناً إلى القتل! أسباب العنف كثيرة تختلف من شخص لآخر، وترجع إلى الوراثة أحياناً، وثقافة العنف التي يعيشها المجتمع القائم على الشجارات واللجوء إليه لإثبات الذات، وعدم الرضا عن الواقع، قد يبرز العنف عند أحدهم بسبب غياب السلطة فيثور لأتفه الأسباب، وقد يكون عند آخر لقلة المال وضيق ذات اليد، فتراه مستأسداً متحفزاً لأية إثارة لينفجر، وتكون عند البعض الآخر فقدان الصحة فيدخل العليل في حالات الاكتئاب ودوامة اليأس، وكثيراً ما يلجأ هؤلاء إلى ممارسة العنف ليس فقط على غيرهم إنما على أنفسهم ويصل غضبهم إلى الزهد من الحياة ولجوئهم إلى الانتحار! وهناك أسباب للعنف مردّها ثقافة الثأر كجرائم الشرف والمسّ بالعرض، كذلك غياب العدالة عن المجتمع تدفع الإنسان للشعور بالغبن والمذلة فيرفض واقعه ويلجأ إلى العنف مدافعاً عن حق يستحقه ولا يجده إلا عند غيره. لا يوجد مبرر واحد يبيح لهؤلاء الناس أن يقاموا العنف الذي يُسلَّط عليهم بعنف مضاد، فالتروي صفة العقلاء والحكماء، وضبط النفس يختصر المشاكل ويقال: تأتي المشاكل ومفاتيحها فيها. وإذا لجأنا إلى العنف في حلً مشاكلنا، فما قيمة العقل الذي نحمله في رؤوسنا؟ عرفنا مؤخراً أن رئاسة الوزراء شكّلت لجنة لدراسة هذه الظاهرة التي لا تليق بمجتمعنا المؤدب الخلوق الطيب والمسالم، فما الذي دعانا إلى تغييب عقلنا وتقليد الأقوام المستهترة والفاقدة لاتزانها والإرهابية في تصرفاتها؟ يقال إن عند العرب يوجد ما يسمّى الأعراض والجواهر؛ ولا بد من النظر في الأسباب والنتائج، فالمظهر ليس هو السبب الحقيقيّ للمشكلة، إنما السبب الضغوط الماليّة التي تعدت دخولنا، وارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنونيّ صنع فوارق طبقيّة تستفز مشاعر المواطن العربيّ وتجعله قنبلة موقوته قابلة للانفجار في أي لحظة، هذه الفورة من العنف ناتجة عن عدم القناعة بما أعطينا، وقلّة الإيمان بقدرتنا على التغيير، والأمم التي تتقدم تعالج أمورها بالتأنيِ والدراسة المستفيضة للأمور والابتعاد عن العنف والمحافظة على منظومة القيم التي توارثناها عبر الأجيال، وما فورات العنف هذه إلا نتيجة دخولنا في عالم العولمة وتقليدنا لسلبياتها. وصدق شوقي حين أنشد:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يجدر بنا قبل أن تنفلت فرامل أعصابنا أن نعدّ للعشرة لنتجاوز حالة العنف إلى حالة التعقّل!
u]~ gguavm