التغيير بالكتابة
من عظيم سنن الله أن جعل الكتابة لما يريده سبحانه أن يحفظ , و لا ينس مع غنى الله عن ذلك فهو العليم –جل وعلا- , ونجد أن أول ما خلق الله القلم , ثم أتى الأمر بأن يكتب مقادير كل شيء.
المتأمل في هذا الأمر تتصاعد في ذهنه ردهات من التساؤلات , وتظهر على سنحة وجهه مزيداً من علامات التأمل والبحث عن الحقيقة ولاغرو أن نجد الأمر بالكتابة في أصولٍ الله كفيل بحفظها , ولكن لحكمة له –سبحانه- , قد يظهر بعضها , ويغيب عنا شيئاً كثيراً كانت مكتوبة محفوظة , ومن ذلك (على أني سأمثل بأغلب المكتوب) :
-القرآن الكريم :
وقد كان لرسول الله كتبة للوحي , و قد جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه المصحف , ثم جمعه عثمان رضي الله عنه , وكانوا دقيقين في انتقاء الكتاب والمراجعين , وقد ذكر المولى جل وعلا : " إِنَّا نَحْن نَزَّلْنَا الْذِّكْر وَإِنَّه لَه الْحَافِظُوْن " , وكان لأهل الفضل من يكتب القرآن , وكذلك من يقوم على طبعه وإهدائه , وأقرب نموذج مجمع الملك فهد -رحمه الله- لطباعة المصحف الشريف , الذي استفادت منه أقطار المسلمين بلا استثناء .
-السنة النبوية :
وقد كان مجموع من الصحابة له صحف يكتب فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم , منهم عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه- الذي عده أبو هريرة –رضي الله عنه- أحفظ منه , وقال : "إنه كان يكتب ولا نكتب" وقد نهاهم رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ذلك بادئ الأمر حتى لا يختلط بالقرآن الكريم . وقد قيض الله للسنة أهل الحديث الذين حفظ الله بهم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم منهم البخاري , ومسلم (وقد جمعا أصح الكتب في السنة) , وغيرهم الكثير كالإمام مالك في الموطأ, والإمام أحمد في المسند , والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه-رحمهم الله-.وانظر لما حُفظ ماكتبوا حافظ الناس عليه , وحفظ الله به الناس في حياتهم , وكان مرجعا حياتياً مهما .
-اللوح المحفوظ :
أقدار الله محفوظة عنده , وقد كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق آدم , هي تنزل كل عام , في ليلة القدر , وكل يوم , و هذا من عظيم تقدير الله , وحكمته .
-أعمال الإنسان :
جعل الله لكل إنسان ملكين عن يمينه وشماله يكتبون أعماله الصالحة والسيئة " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ ".وهذا يجعل الإنسان في تحسب لأعماله مع العلم اليقيني بعلم الله بكل شيء , و هو الحكيم العليم .
-الشعر:
من الغريب وجود شيء من تراثنا الأدبي نحن معاشر العرب لاسيما الأدب العربي الجاهلي , وكذلك ما بعده من عصور حفظ فيها حتى توارثته الأجيال , وأفادت منه الشيء الكثير حتى عصرنا الحاضر.
-المؤلفات:
كان للنتاج الكتابي أثر في بقاء العلم , وحفظ التاريخ , يظهر ذلك جلياً في علماء المسلمين الذي بذلوا نفوسهم , و أوقاتهم في تدوين ما علموه , وتعلموه فانظر إلى ابن القيم –رحمه الله- يؤلف زاد المعاد في رحلته إلى مكة , وابن الجوزي -يرحمه الله- يدون عنوانا لكتابه الشهير (صيد الخاطر)ليحبر صفحاته بما يجول في ذاته الطاهرة (ولا أزكي على الله أحد) , وغير ذلك من الأمثلة التي توضح الاهتمام الباهر بالتدوين , وحفظ العلم بالكتابة.
-الشهادات والأحكام:
يعتمد كثيراً في شرعنا المطهر وغيره تدوين ما يهم الإنسان , وأعظم مثال آية الدين التي أمرت بكتابة الدين والشهود عليه , ونجد البعض يتورع في ذلك , ولكن صدق الأول حين قال : (من ترك شيئاً من أمر الله أحوجه الله إليه ) , وهاهي المحاكم تعج بالضحايا في ذلك . بل نجد حتى الوصية التي أمر كل مسلم ألا يبيت إلا وقد كتب وصيته وجعلها تحت وسادته كل هذا يعطينا دلالة لعظم الكتابة والمكتوب حتى في الأحكام والقضايا.
-الإعلام والصحف:
نرى التأثير البارز للإعلام وكيف له أن يلوي أعناق العوام لما يريد , لاسيما ما تتبناه الصحف اليومية , والمواقع الإلكترونية .جل ذلك مما هو مكتوب غالباً فهو يفسح مجالاً لمستفيدين أكثر , ويطيل الحقبة لزمان أطول .
* لماذا الكتابة ؟
-أثبت
لقد كان من مهارة تحويل الفكرة إلى شيء مكتوب اهتمام في الحاضر الإسلامي وغيره , وهو يجعل المدون أكثر تثبتاً وتروياً وتوازناً لعلمه ؛لأن ما سيكتب سيؤاخذ به , وإن كان ما يتكلم به يكن في نفس المعنى , و لكن المكتوب أعظم في ذلك كله .
ومامن كاتبٍ إلا سيفنى --- ويبقي الدهر ماكتبت يداه
-أحفظ
وفائدتها كذلك حفظ العلم , والفكر الصحيح دهورا وأزمنة (بقدرة الله قبل كل شيء) , وقد عده بعض أهل العلم من أعظم الوقف . وقد ورد عن الإمام مالك-رحمه الله-حين كتب الموطأ أنه أتاه من ذكر أن هناك من كتب كثيراً فكيف تكون الحاجة لما دونه-رحمه الله- فقال:" ما لله سيبقى , وما لغيره سيفتى" , وبالفعل ظهر برهان حديثه .
-أدق
يحرص الكاتب دائماً أن يكون نتاجه سليم المعنى(بحسب الكاتب وفكره) , وسليم التركيب , وبهذا يظهر جودة المكتوب دائماً من الحديث والخطاب.
أقول . . يظهر جلياً أهمية الكتابة , و أنها عنصر فعال من عناصر التغيير القوي في المجتمع والأفراد , لذا إغفال جانبها سفاهة , وإعطاءها حقها فطنة , والخير كل الخير في دعمها والمشاركة بها , و إذكاء روح التنافس فيها , وأهم من ذلك فتح المشاريع والصحف و المدونات(المحافظة) لتدعيم هذه القوة الكامنة . وليكتب الكاتب وليكن نتاجه إما في حواصل طير خضر فتفتح للأمة أبواب التفاؤل والخير , وتكون محط رحال لإصلاح أحوال الفرد المجتمع , وإما أن يكن نتاجه مضرجاً بدماء المنافقين والبطلة من الخائنين والماردين فيكون نوراً لكشف الخطط الكيدية , وأشبه ما يكون مجاهداً في ساحات المعركة . فاكتب ثم اكتب لينبري حقاً, ويُقمع باطلاً .