أما ڤون فريش وتابعوه من أبناء القرن العشرين فقد أتيح لهم ـ عن طريق دراسة النحل الموضوع داخل أعشاش زجاجية الجُدُر ـ أن يتعرفوا شكل الرقصة وكيفية أدائها:
تمشي النحلة الكشافة عبر ألواح الشمع المعلقة رأسيا في العش في مسار يتخذ شكل الرقم 8، وهي تتوقف عند كل منعطف بين شطري هذا الرقم لتهز جسمها هزات متلاحقة من جانب إلى آخر، فيتجمع عدد قليل من أفراد النحل بالقرب منها ويتأملن رقصتها بانتباه لبعض الوقت ثم يطرن تجاه الهدف دون دليل؛ فإذا ما راق لهن ما يجدنه هناك عدن إلى العش ورقصن بدورهن داعيات بذلك مزيدا من أفراد النحل إلى ترك العش بحثا عن مصدر الطعام.
تقدم النحلة الكشافة العائدة من الحقل تقريرا بما وجدته خارج العش بأن ترقص وترف بجناحيها محدثة بذلك أصواتا منخفضة التردد يحملها الهواء، وتتزاحم رفيقات عشها حولها وتلتقط هذه الأصوات بوساطة عضو السمع الدقيق الموجودة على الشدفة الثانية من كلا قرني الاستشعار؛ وبعد ملاحظة الرقصة بانتباه لبرهة وجيزة تطير خارج العش بحثا عن موضع الطعام دون حاجة إلى دليل.
تبث النحلة الكشافة أثناء رقصها أصواتا متميزة عن تلك التي تحدثها النحلة التابعة. فالنحلة الكشافة ترف بأجنحتها فتولد أصواتا تنتقل كلية خلال الهواء حاملة معها المعلومات عن مكان الطعام خارج العش. وعلى خلاف ذلك، تدق النحلة التابعة بصدرها على لوح الشمع فيهتز فتصدر أصوات تستجيب لها النحلة الكشافة بالتوقف عن الرقص ثم تشرع في تقديم عينات الطعام.
والآن، وقد أمكننا أخيرا أن نستمع إلى لغة النحل ونفهمها، بل وأن نتكلم بها إلى درجة ما، فإننا نواجه الجديد من التساؤلات. فعلى سبيل المثال ، ما زال أمامنا أن نعرف الغرض الذي يمكن أن تحققه قدرة النحل على التمييز بين الأصوات المختلفة التردد. يضاف إلى ذلك أن هناك احتمالا بأن أفراد النحل تستخدم ما تشابه من الأصوات التي يحملها الهواء بطرق لا تخطر حتى على بالنا في الوقت الحاضر.
وعلى أمل النجاح الكامل في جلاء الغموض الذي يكتنف طبيعة جهاز التواصل بين أفراد النحل فسنستمر في التنصت على محاوراتها واستراق السمع إليها.
منقول