الوطن, عليه
كتبتُ هذا المقال قبل سنة تقريبا، وجاءت مناسبة اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، فأحببت أن أعيد نشره مرة أخرى. مهنئا الشعب الإماراتي بهذا الاتحاد.
وبينما أنا أبحث عن بعض القصائد الجميلة في حب الوطن، لأجدد المقال، إذ بي أعثر على ما هو أعظم وأبلغ وأقوى من الشعر، والقصائد.
عثرت على كلمات هزّت كياني، وحركت مشاعري، وأثارت الأحزان في قلبي.
ربما لم تصدر من أدباء، ولا كتاب، ولا شعراء، وإنما صدرت من أشخاص عاديين… كوتهم الغربة، والبعد عن الوطن، أو بعبارة أولى، خسارة الوطن، أحببت أن أنقلها لكم.
قال أحدهم وهو فلسطيني لا يستطيع العودة إلى وطنه: سبحانك حتى الطير لها أوطان تعود إليها، أما أنا فـ
وقال آخر: كل ما أطلبه في هذه الدنيا؛ هو رجوعي إلى أرضي التي اغتصبها اليهود، والأهم رجوعي إلى قريتي، هذا كل ما أتمناه.
وقال ثالث: أتدرون ما هو أجمل شي في الدنيا؟ الحرية والوطن، أجمل ما في الدنيا.
وقال رابع: والله أمنيتي بالحياة، أن أجلس في وطني ولو ربع ساعة، فقط لأشعر أنّ لي وطنا، وأملك شيئا أنا فيه حر، أنا عشت في الأردن، وعشت في السعودية، والآن في مسقط، ولكن حاسس أني انتقص الحرية.
وبصراحة أغبط كل بني آدم يملك الحرية، أجلس مع أخ مصري يصير يحكي لي عن بلده، وأجلس مع أخ هندي أو سعودي أو عماني أو أردني، كل واحد يحكي عن بلده، لكن أنا ليس لي بلد.
وقال خامس: والله والله والله أحلى شيء في الدنيا كلياتها يا جماعة الوطن.
أما المقال القديم، فمن قرأه سابقا، فلا داعي للتكميل إلى هنا يكفي، مع العلم أن فيه بعض التحديثات، والآن أترككم مع المقال:
خير من يعلمنا حب الوطن، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المعلم الأول، الذي أوتي جوامع الكلم، يعلمنا صلوات الله وسلامه عليه بأن حب الوطن من الإيمان، ولا خير فيمن لا يحب وطنه، وحتى لا أطيل عليكم الشرح بكلامي الممل، فتعالوا أنتقل بكم إلى كلام خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه.
قدم أصيل الغفاري إلى المدينة بعد الهجرة فدخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - قبل أن يفرض الحجاب - فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي،فقال له: ((يا أصيل! كيف عهدت مكة))؟ قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: ((حسبك يا أصيل لا تُحْزِنَّا))، وفي رواية: ((ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها)).
فداك أبي، وأمي، ونفسي، وروحي، يا رسول الله، وصلى الله عليك على رقة قلبك، وحنينك إلى وطنك، لقد علمتنا الوطنية بكل معانيها.
وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا- أي من حُبِّ المدينة.
يحمل هذا الحديث كل معاني الحب للوطن، وتستطيع أن تفهم معنى هذا الحديث، عندما يطول غيابك عن وطنك، ثم تقدم إليه، فإن قلبك يهفو قبل السفر بأيام ، ويكاد يطير ويسبقك إلى الوطن، ثم إذا ما قدمت إليه يعتريك شعور لا يستطيع أن يصفه إلا صاحبه.
وهنا أتذكر صديقا لي كان يسافر إلى وطنه في كل سنة ونصف مرة واحدة، فأذكر أني زرته قبل ستة أشهر من سفره، فوجدته قد رتب حقائب السفر وجهز كل شيء وكان يدخل ويخرج وهو مسرور ثم قدم لي القهوة وهو يضحك ويقول لي: "لقد قرب موعد سفري" قلت له متى؟ قال: بعد ستة أشهر فقط يقولها وكأن الأشهر الستة يوم أو يومان!!
إن حب الوطن غريزة في النفس، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يذكر موطنه غزة ويشتاق إليها فيقول:
واني لمشتاق إلى أرض غزة = وإن خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرت بها = كحلت بها من شدة الشوق أجفاني
- كما يتجلى حب الوطن بأعلى صوره يوم الهجرة، بعد أن خرج من مكة، وقف على حدودها، والتفت إليها وقال: ((ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)).
ولا أستطيع أن أختم المقال، دون أن أذكر أجمل أبيات في حب الوطن، لأمير الشعراء أحمد شوقي، عندما كان يعيش في الغربة، بعيدا عن وطنه، حيث ينكر أن يكون قلبه قد نسي الوطن بسبب الغربة، بل ما زاده مرور الأيام إلا شوقا وحنينا إليه. وإن أي أمر مهما كان عظيما، لا يمكن أن يشغله عن حب الوطن.
يقول:
وطني لو شُغلت بالخلد عنه = نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيل = ظمأ للسواد من (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جفوني = شخصه ساعة ولم يخل حسي
أقوال عالمية في حب الوطن:
قال هوميروس: ليس هناك شيء في الدنيا أعذب من أرض الوطن.
وقال بليكو: أنا مغرم جدا ببلادي، ولكنني لا أبغض أي أمة أخرى.
وقال كاريل: جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن.
وقال جالينوس: يستروح العليل بنسيم أرضه، كما تستروح الأرض المجدبة بوابل المطر.
وقال آخر: تعرف قيمة الأوطان عند فراقها.
pf hg,'k ,hgpkdk ygdi