ما صحة هذا الحديث المتداول بعنوان ( دروس في الحب ) ؟
د. سعد بن مطر العتيبي
السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
دروس في الحب: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وسألهم مبتدأ أبي بكر ماذا تحب من الدنيا ؟ فقال أبو بكر ( رضي الله عنه) أحب من الدنيا ثلاث : الجلوس بين يديك – والنظر إليك – وإنفاق مالي عليك. وأنت يا عمر ؟ قال أحب ثلاث : أمر بالمعروف ولو كان سرا – ونهي عن المنكر ولو كان جهرا – وقول الحق ولو كان مرا. وأنت يا عثمان ؟:قال: أحب ثلاث إطعام الطعام – وإفشاء السلام – والصلاة بالليل والناس نيام. وأنت يا علي ؟ قال أحب ثلاث: إكرام الضيف – الصوم بالصيف - وضرب العدو بالسيف. ثم سأل أبا ذر الغفاري: وأنت يا أبا ذر: ماذا تحب في الدنيا؟ قال أبو ذر :أحب في الدنيا ثلاث الجوع؛ المرض؛ والموت. فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم( : ولم؟ فقال أبو ذر: أحب الجوع ليرق قلبي؛ وأحب المرض ليخف ذنبي؛ وأحب الموت لألقى ربي. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب؛ والنساء؛ وجعلت قرة عيني في الصلاة. وحينئذ تنزل جبريل عليه السلام وأقرأهم السلام وقال: وانأ أحب من دنياكم ثلاث تبليغ الرسالة؛ وأداء الأمانة؛ وحب المساكين؛ ثم صعد إلى السماء وتنزل مرة أخرى؛ وقال : الله عز وجل يقرؤكم السلام ويقول: انه يحب من دنياكم ثلاث : لساناً ذاكراً - و قلباً خاشعا-ً و جسداً على البلاءِ صابراً
ما صحة هذا الحديث حيث انتشر في الرسائل البريدية؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله !
أولاً : جاء في المواهب للقسطلاني رحمه الله : " روي أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا قال : ( حبِّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة ) قال أبو بكر : وأنا يا رسول الله حبِّب إليّ من الدنيا : النظر إلى وجهك ، وجمع المال للإنفاق عليك ، والتوسل بقرابتك إليك . وقال عمر : وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بأمر الله . وقال عثمان : وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا إشباع الجائع وإرواء الظمآن وكسوة العاري . وقال علي بن أبي طالب :
وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا : الصوم في الصيف ، وإقراء الضيف ، والضرب بين يديك بالسيف .
قال الطبري : خرّجه الجَنَدي . كذا قال والعهدة عليه . اهـ ( المواهب اللدنية: 2/ 478 )
هكذا أوردها القسطلاني وبيّن قول محبّ الدين الطبري في تخريجها .
وقال العلامة الزرقاني في شرحه للمواهب بعد أن ذكر أن هذا المروي مما لا يصح : " وزاد بعضهم فيه : فنزل جبريل ، فقال : وأنا حبّب إليّ من الدنيا ثلاث ، النزول على النبيّين ، وتبليغ الرسالة للمرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، أي الثناء على الله ، ثم عرج ثم رجع فقال : يقول الله : وهو حبِّب إليه من عباده ثلاث : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وجسم على بلائه صابر ، وفي لفظ : وإذا النداء من قبل الله : إنَّ الله يحب من دنياكم ثلاثا ، فذكرها " .
ومما حكي في هذه الرواية مما يجعلها أقرب إلى موضوعات القصاص ما حكي من أن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لما وقف كل منهم على ذلك ، قال : وأنا حبب إلي من دنياكم كذا وكذا إلخ.
وقد ساقها القسطلاني بصيغة التضعيف ، وجعل عهدتها على الجَنَدي ، كالمتبريء منها ، وقد نفى العلامة الزرقاني صحة هذه الرواية بصريح العبارة ، فقد قال : " روي مما لا يصح " .
ثانياً : أدرج في الرواية المذكورة حديث صحيح ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( حبِّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة ) ، لكن ليس في رواياته الثابتة كلمة ( ثلاث ) وإن تناقلها بعض الفقهاء وحاول آخرون تأويلها لتتوافق مع الحديث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر اثنتين من أمور الدنيا لا ثلاثا.
والخلاصة أن هذه الرواية المذكورة بالسياق المسؤول عنه ، ليست ثابتة عند أهل العلم ، مع ما في متنها من النكارة ، وما في سياقها من مشابهة لأحاديث القصاص الباطلة، والله تعالى أعلم.
ومن المؤسف أن كثيرا من الأحاديث الموضوعة تجد من يثيرها وينشرها ، وربما ختم رسالته بعبارة ( انشر تؤجر ) مع أن نشر ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مع نسبته إليه كذب عليه ، وقد جاء الوعيد لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا بأن يتبوأ مقعده من النار ، والعياذ بالله ؛ فلنحذر هذه الشائعات التي يبثها بانتظام أحيانا بعض الغلاة ومن خُدع بهم ،
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينشر الحق وينفع الخلق ، وأن لا يجعلنا ممن يحمل أوزارا بنشر ما لا يرضيه ، والله المستعان .