مهم, لكل, الصيام, عجباً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن من الوقفات المنهجية التي ينبغي أن يقفها المسلم مع نفسه في شهر رمضان وفي موضوع الصيام، هو ما نراه من حرص كثيرين على الأسئلة الدقيقة حرصاً منهم على سلامة صومهم، فيأتيك من يسأل:
وضعت قطرة على أذني فما الحكم؟
وامرأة تقول اكتحلت فتوهمت مرارة في حلقي فما الحكم؟
وثالث يسأل: جرح إبهامي فتدفق منه الدم فهل هذا مفطر؟
وغير ذلك من الأسئلة الدقيقة التي تدل على عظيم حرص وعناية، وهذا جيد لابأس به.
ولكن هل تساءلنا وتساءل هؤلاء يوماً من رمضان عن التقوى؟ وهل حققها الصيام؟ وأين هي من نفوسنا؟ وكيف ننميها؟ وبم نزيدها؟
إخوة الإسلام إن صيام رمضان إنما شرع لمقاصد عظام ومن أعظمها تحقيق التقوى، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة:183]،
فهل يستحضر ذلك الصائمون؟
إن تحقيق التقوى غاية عظيمة، ومن حكم تشريع جميع الأركان تحقيقها وليس الصوم فقط، فمن حكم تشريع الحج تحصيلها، قال الله _تعالى_: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ"، وهكذا حكم تشريع جميع العبادات قال الله _تعالى_: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ". وقال قبلها: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
إذن إخوة الإسلام من أغراض الصيام غرض عظيم لأجله شرعت العبادات ألا وهو تحصيل التقوى، فواجب علينا أن يكون شهورنا شهر تتقوى فيه التقوى.
ولايكون ذلك إلاّ بتشميرنا وسيرنا إلى ربنا بقلوب نقية خالية من الدغل،
فالتقوى: هي أن تهتم بتزيين سرك ومخبرك، أي باطنك كما تهتم بتزيين مظهرك.
ونحن نهتم بمظاهرنا، بلباسنا، بسياراتنا، ببيوتنا، بمجالسنا والله جميل يحب الجمال، ولا بأس إذا كان ذلك في حدود الشرع، لكن هل نحن معنيون بإصلاح بواطننا؟
كل منا يغير ثوبه بين فترة وأخرى ليغسل الثوب، وكل منا ينظف بيته بين فترة وأخرى إذا تدنس، وكل منا يتعاهد سيارته وإن لم يتعاهد خارجها تعاهد داخلها، ولكن هل نحن نتعاهد قلوبنا؟ وما يأتيها من الشهوات؟ وما يأتيها من الشبهات؟
الصيام وشهر رمضان فرصة، لتعاهد التقوى، وقياسها أو زنها،
وانظر أخي الكريم: إذا دخل رمضان ومضى منه يوم أو يومان، هل ازداد إيمانك؟ إذا كان كذلك فأنت على خير. وقد استفدت من حكمة مشروعية الصيام وإن كان لا فراجع نفسك مهما سألت عن دقيق المفطرات وجليلها. فإن الخلل جاء من محل آخر فانظره وسده.
وعجباً من ذاك الذي يسأل عن الدقيق والنقير والقطمير يخشى أن يفطر به، ثم تجده مع ذلك يستمع إلى آلة اللهو، ويسهر عند الأفلام، ولا يبالي إذا قال الزور، وأساء إلى الآخرين، وقد صح عن أبي هريرة أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
إني لأخشى أن يكون في هؤلاء شبه من بني إسرائيل لما تأثموا من أخذهم حلي القبط صاغوها عجلاً جسداً له خوار فعبدوه!
قال ابن كثير: "وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم، وعبدوا العجل! فتورعوا عن الحقير، وفعلوا الأمر الكبير، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر _رضي الله عنهما_:" انظروا إلى أهل العراق قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين وهم يسألون عن دم البعوضة"!.
نسأل الله أن يرزقنا في هذا الشهر الفضيل التقوى، وأن ييسر لنا أسبابها، ونعوذ به أن نكون في عداد من ليس لهم من صومهم إلاّ الجوع والعطش، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فضيلة الشيخ : ناصر العمر
u[fhW g;l dh Hig hgwdhl !!