الأخلاق, دروس
الأخلاق تدريب وممارسة منذ الصغر وليست نتاج مقررات تعليمية في الجامعات
كلما قبض على موظف متلبساً بإساءة الأمانة، أو ابتكر علاجاً طبياً جديداً يطرح معضلات أخلاقية غير متوقعة، تبرز الحاجة إلى درس في الأخلاق وتستحث كليات القانون والطب وإدارة الأعمال في عدة دول من العالم وحتى المدارس الثانوية على معالجة القضايا الأخلاقية بإكثارها من إعطاء مثل هذه الدروس في مقررات تعليمية مبتكرة، والفكرة وراء هذه الحاجة هي أن في أماكن التعليم أي كان التمييز بين الحق والباطل بالطريقة التي يتعلم بها طلاب الطب مثلاً البنكرياس والكبد.
والمقرر التعليمي الأخلاقي النموذجي يترك على كل مسألة بمفردها، فهل يمسح لفقير بسرقة دواء لمعالجة زوجته المريضة؟ وهل يوهب القلب الوحيد المتوافر للزرع لأم شابة لها ثلاثة أولاد أم لعالم مبدع؟ في هذا الإطار، يتوقع المرء من خريج هذا المقرر التعليمي الذي أتقن التمييز الأخلاقي المتبع في النظام الاجتماعي من تحديد الصفات المشبوهة ومقاومتها ورفض أي أمر غير لائق قد يطلبه منه رئيسه في العمل، لكن هذا الاستنتاج يعتمد –لسوء الحظ- على تقدير خاطئ للعناصر التي تجعل الناس أخياراً، فالسلوك الأخلاقي هو نتاج تدريب وممارسة لا نتيجة تفكير وتأمل، وكما أكد أرسطو قبل ألفي سنة ونيّف، يمكن تنشئة إنسان صالح بتعويده الأعمال الصالحة منذ الطفولة، فالثناء على الطفل لقوله الحقيقة وردعه عن ممارسة الكذب يجعلانه مع الوقت مستقيماً "بالطبيعة" إن المعرفة المجردة للخير والشر لا تساهم في تكوين أكثر مما تساهم معرفة الفيزياء في عملية قيادة دراجة، فكما أن راكب الدراجة غير مضطر إلى التفكير في جهة انحنائه وهو يقودها كذلك الإنسان المستقيم غير مضطر إلى التفكير في إجابته بعد حلفان يمين.
واعتماد مقررات تعليمية لتدريب الأخلاق يحمل مضامين أكثر إقلاقاً من مجرد الرضا الذاتي لدى التلميذ تتناول الصراع بين مبادئ تقليدية مألوفة كالحيرة بين حفظ حق الملكية واستنقاذ مدخرات العمر لمعالجة زوجة مريضة، إن صرف التفكير إلى هذه الصراعات يوحي أن الفضيلة التقليدية مشوشة وغير ملزمة منطقياً في عالم اليوم، لذلك توفر الدروس الأخلاقية مبرراً آخر لتهرب المرء من مسؤولياته البديهية والأمثولات التي تطرحها المقررات التعليمية والأخلاقية في كثير من دول العلام تحرف الاهتمام عن المفاهيم الأخلاقية السائدة.
فالاستقامة واحترام الآخرين والمثابرة وليس الدليل المكتوب للمواقف الواجب اتباعها هي المنظار الذي يسدد خطى الإنسان في رحلة الحياة.
يطرح عالمنا المعقد أحاجي أخلاقية من نوع خاص، وليس من شك في أن هناك مجالاً واسعاً للتأمل الفلسفي في هذا الشأن.
ومع ذلك فليس التمييز بين الخير والشر في الحياة اليومية أمراً صعباً جداً، لكن الجزء الصعب في الموضوع هو التغلب على الكسل والجبن من أجل القيام بما يعلم المرء أنه حق فعلاً، وكما يتعلم جميع الآباء والأمهات، فإن المثل الصالح والحافز الملائم يمنحان الإنسان تلك القوة اللازمة.
]v,s td hgHoghr