من خطب الخليفة هارون الرشيد رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله نحمده على نعمه, ونستعينه على طاعته, ونستنصره على أعدائه, ونؤمن به حقا, ونتوكل عليه مفوّضين اليه, وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, بعثه على فترة من الرسل ودروس العلم, وادبار من الدنيا, واقبال من الآخرة, بشيرا بالنعيم المقيم, ونذيرا بين يدي عذاب أليم, فبلّغ الرسالة, ونصح الأمّة, وجاهد في الله, فأدّ عن الله وعده ووعيده, حتى أتاه اليقين, فعلى النبي من الله صلاة ورحمة وسلام.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله, فان في التقوى تكفير السيئات, وتضعيف الحسنات, وفوزا بالجنّة, ونجاة من النار, وأحذركم يوما تشخص فيه الأبصار, وتبلى فيه الأسرار, يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاق ويوم التناد, يوم لا يستعتب من سيئة, ولا يزداد من حسنة, يوم الآزفة اذ القلوب لدى الحناجر كاظمين, ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع, يعلم فيه خائنة الأعين وما تخفي الصدور " واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"
عباد الله, انكم لم تخلقوا عبثا, ولن تتركوا سدى, حصّنوا ايمانكم بالأمانة, ودينكم بالورع, وصلاتكم بالزكاة, فقد جاء في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ايمان لمن لا أمانة له, ولا دين لمن لا عهد له, ولا صلاة لمن لا زكاة له".
انكم سفر مجتازون, وأنتم عن قريب تنتقلون منم دار فناء الى دار بقاء, فسارعوا الى المغفرة بالتوبة, والى الرحمة بالتقوى, والى الهدى بالانابة, فان الله تعالى ذكره أوجب رحمته للمتقين, ومغفرته للتائبين, وهداه للمنيبين. قال الله عز وجل " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة}, وقال:{ واني لغفّار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى"
وايّاكم والأماني فقد غرّت وأردت وأوبقت كثيرا, حتى أكذبتهم مناياهم, فتناوشوا التوبة من مكان بعيد, وحيل بينهم وبين ما يشتهون, فأخبركم ربكم عن المثلات فيهم, وصرّف الآيات, وضرب الأمثال, فرغّب بالوعد, وقدّم اليكم الوعيد, وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلا فجيلا, وعهدتهم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت اياهم من بيوتكم ومن بين أظهركم, لا تدفعون عنهم, ولا تحولون دونهم, فزالت عنهم الدنيا, وانقطعت بهم الأسباب, فأسلمتهم الى أعمالهم عند المواقف والحساب والعقاب, ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا, ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى.
ان أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله, يقول الله عز وجلّ " واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون"
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد"
آمركم بما أمركم الله به, وأنهاكم عما نهاكم الله عنه, وأستغفر الله لي ولكم.
المرجع: "العقد الفريد" (4\103-104).