رحم الله العقاد، كان يوما يقرأ مجلدا في غرائز الحيوانات، فزاره أحد الأدباء، وقال له مستغربا:" أنت للأدب والنقد والاجتماع، فمالك و للحشرات؟"
فرد عليه العقاد قائلا:
"الحشرات مسودات هذا الكون.وأنا أقرأها لأفيد منها في دراسة الأدب والنقد والاجتماع."
ثم زاد مفصلا بأن الكُتَّاب صنفان، كاتب بالأصالة وكاتب بالتبعية، فالأول مبدع حق، لأنه في عطائه يصدر عن ذاته، وتجربته في الحياة، أما الثاني،
مزيف، لأن جل مكتوباته، صدى لآثار الآخرين.
ومن ثم فهو إما يهلل، أو يهول، أو يوفق بين التهليل والتهويل.ثم يجتهد جهده ليضفي الطابع الشخصي على إنتاجه حتى يوهم القارئ الغِرَّ بما يكتب.
إلى أي حد يمكن أن نتفق مع العقاد في هذا الرأي؟
في الحقيقة، إن العيش فكريا على موائد الآخرين، وأحيانا على فتات مآدبهم، رزية ما بعدها فضيحة، وهذا لأن الكرامة الفكرية تهتز لا محالة، بحيث إذا افترضنا أن الكتاب بالأصالة توقفوا لعلة ما عن الكتابة، فإن هؤلاء حتما لن يجدوا ما يكتبونه.
من هنا، ما أجمل أن يصدر المبدع فيما يكتب عن نفسه، عن تجربته كما يحياها حقيقة، أو كما يتخيلها بعيدا عن الواقع.
هكذا، لن يكون تابعا من التوابع، إذا أبدع المبدعون نزف قلمه، وإذا أحجموا جف.
ولكن أحيانا قد نضطر إلى هذا اضطرارا، خاصة إذا كان لا بد لنا من الإدلاء بدلونا في قضية من القضايا، وهنا ، يشترط الإتيان بالجديد، كما يشترط التجديد في المنهج والأسلوب.
وعليه، في نظري، لا ضير مما خاف منه العقاد، إذا تحققت القيمة المضافة علميا، بعيدا عن التهويل أو التهليل.
وأنت ما رأيك؟