102 قصد: مراجعة لاقتصادنا قبل الامتحان الأصعب
عبد الحميد العمري - 01/09/1428هـ
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)
"102 قصد" هو رمز مادة مبادئ الاقتصاد الكلي التي يخطو بها طالب الاقتصاد الأكاديمي أولى خطواته في عالمه الجديد "علم الاقتصاد"، العلم "الكئيب" الذي صعق الإنسان بحقيقة أنه يعيش في بيئةٍ محدودة الموارد إزاء حاجاتٍ ورغباتٍ لا محدودة! وبناءً عليه سيتعلم هنا هذا "الطالب" كيف يُوافق بين حاجات ومتطلبات اقتصاده اللا محدودة من جهة، وموارده المحدودة أو الشحيحة من جهةٍ أخرى! ولهذا يبدأ "ترويض" الإنسان أو الطالب من أيامه الأولى في عالم الاقتصاد للتقاطع الصارم بين منحنيي العرض والطلب، ينتهي به المطاف بعد أن تلفظه جامعته إلى عالم الواقع، مبرمجاً من قمة رأسه إلى أخمص قدمه بالمبدأ الاقتصادي العتيق "أن العالم كله محكوم بما ستفضي إليه قوى العرض والطلب"! تتشعب به الطرق فيما بعد حسب مئات النظريات الاقتصادية الصادرة عن المدارس الاقتصادية المختلفة، ترى عبرها أشكالاً وصوراً لا تنتهي من الصراع والجدل بين تلك النظريات، كل حزبٍ منهم يدّعي امتلاكه التفسير والحل لما نغّص على إنسان اليوم حياته المعاصرة، التي أخذت المادة والمال تتغلغل فيها يوماً بعد يوم منذ القرن السابع عشر ميلادي، إلى أن سيطرت تماماً عليها في زمننا الراهن. هل الأمر كذلك على أرض الواقع؟! لا، فما ساد على بني البشر من مشرق الأرض إلى مغربها بكل أسف لم يتجاوز خزعبلات مدرسة "الكلاسيكية المحدثة"، التي هيمنت على أغلب كليات وأقسام الاقتصاد حول عالم اليوم، وصدق الاقتصادي العراقي الدكتور عدنان عباس علي في تعليقه على عبارةٍ للاقتصادي الأمريكي Paul Samuelson الحائز على جائزة نوبل قالها لـ The Economist "أنا لا أُعير اهتماماً لمن كتب قوانين الأمّة، ما دام كان بوسعي أن أكتب لها كتبها المدرسية الخاصة بعلم الاقتصاد". قال الدكتور عدنان: لقد استجاب القدر فعلاً لتطلعات Paul Samuelson؛ فهو لم يكتب لأمته فقط كتابها المدرسي، بل كتبه لأمم أخرى كثيرة، بترجمته إلى العديد من لغات العالم، وطباعة ملايين النسخ منه، ليصبح مؤَلفه هذا القطب الأول من أقطاب النظرية الكلاسيكية المحدثة.
إنه حديثٌ طويل جداً له شجونه وفنونه الخاصة، وأحياناً كثيرة جنونه الفريد من نوعه، رأيتُ مناسبة الافتتاح به هذه الخماسية الاقتصادية"، التي ستتركز على مناقشة عددٍ من القضايا والمتغيرات الساخنة اقتصادياً، لا أظنها بعيدةً عن تحولها إلى صفيحٍ ساخنٍ جداً تحت أقدام الأفراد بصورةٍ لم يسبق لها مثيل من قبل، لا تتوقف مشاهدها الدراماتيكية عند ذوبان "راتب" الموظف المغلوب على أمره في الإناء المغلي للتضخم. أو عند جدران القلاع الشاهقة في سوق العمل، الخالية تماماً من الأبواب والنوافذ أمام "الحالم" بملفه الأخضر بحثاً عن وظيفةٍ تسد بريالاتها رمق العيش. أو عند "تعليقة العمر والأحلام" في شباط (فبراير) 2006 التي أخذت معها تسعة أعشار مدخرات أغلبية مجتمع المستثمرين. وغيرها الكثير والكثير جداً من الإشكالات المعقدة، التي لا ولن تتوقف عند حدود مشاهدها عجلة المفاجآت الاقتصادية، نحاول جاهدين جميعاً الخروج من أنفاقها الموغلة في السواد بأقل الخسائر، أو بما تبقى لدينا من موارد للبدء من جديد بصورةٍ أفضل على طريق الحياة الممتد، المليء بالفرص والتحديات على حدٍّ سواء، سلاحنا الرئيس بعد التوكل على الله عز وجل؛ مستخلصات دروس الماضي، واعتمادنا على همم وطموح شبابنا وبناتنا المؤهلين علمياً وعملياً، عوضاً عمن اُستنفدت منهم الجهود والحلول، شاكرين ومقدرين لهم كل محاولاتهم، متمنين لهم إجازةً "تقاعدية" ممتعة، مصحوبين بالسلامة والاطمئنان في حلّهم وترحالهم! كتب الألماني هورست آفهليد Horst Afheldt في مقدمة كتابه الفريد فكراً "اقتصادٌ يُغدق فقراً": بعد انهيار جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989. انقلب الأمر رأساً على عقب، فالاقتراحات التي بدت معقولة وسليمة في زمن ما قبل انهيار الجدار، أمست ضلالاً بيناً، وخطأً جلياً بعد انهياره! وما كان ضلالاً بيناً، وخطأً جلياً قبل انهياره، أمسى معقولاً وسليماً بعد ذلك الحدث العظيم! لقد أمست الليبرالية المحدثة منذئذ تصول وتجول زاعمةً أن الانفتاح الاقتصادي أفضل الخيارات المتاحة لشعوب العالم! لقد أدّى تطبيق برنامج واحد على كل دول المعمورة إلى نتائج وخيمة في الكثير من البلدان، وتأسيساً على هذه الحقيقة فإن من واجب الدول أن تحدد لنفسها الخلطة المثلى للانفتاح والحماية، التي تختلف من اقتصادٍ إلى آخر، كما أنها في تغير مستمر عبر الزمن. لذا لا يجوز فرض الانفتاح أو الحماية التجارية على دول العالم من خلال قرارات وقواعد وترتيبات تنبع من توجهات أيديولوجية معدّة مسبقاً، ومستنتجة من تحليل نظري ينطلق من شروط لا وجود لها على أرض الواقع. "مطالباً فيما بعد" بإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يتألف من تكتلات اقتصادية منفتحة على نفسها داخلياً، ومتعاونة مع بعضها بعضا خارجياً، بشروط تتغير مع مرور الزمن لكل اقتصاد، وتختلف من اقتصادٍ إلى آخر. هنا وفيما سيأتي من مقالات سنراجع ونبحث معاً في مبادئ اقتصادية كلاسيكية، نتساءل من خلال أسطرها؛ ما الأسباب الحقيقية والعميقة لما نكابده اليوم من مشكلاتٍ اقتصادية بحتة؟ إنْ تلك الجاثمة وراء التضخم، أو البطالة، أو الفقر، أو الغش التجاري، أو أزمة سوقنا المالية، أو المعوقات البيروقراطية في بيئتنا التجارية والاستثمارية، أو في أي من أنسجة سياساتنا الاقتصادية "المالية، النقدية، التجارية، الاستثمارية، سوق العمل، قطاع التعليم والتدريب، إلخ". وإلى الملتقى.