الحلقة الثانية
آفاق إدارية
صادق العليو
كنا قد تطرقنا في الحلقة الأولى إلى مفهوم البعد الإداري الأول في إدارة شئون الموظفين أو شئون الأفراد أو شئون العاملين حيث بينا نوع وحجم مسئولياتها المتعارف عليها وكيفية النظر إليها والتعامل معها في غالبية الشركات والمؤسسات والقطاعات العاملة ، وهذه القاعدة لا تخلو من استثناءات بالطبع ، ونحن الآن بصدد طرح بعد ثان وأفق جديد في مفهوم الإدارة عندما يتوسع ويتضخم العمل الإداري وتزداد مسئولياته.
«البعد الثاني:إدارة الشئون الإدارية»
عندما تنمو الشركات والمؤسسات الصغيرة وبقية القطاعات وتتوسع نشاطاتها وتتمدد إداراتها يصبح لزاماً تحميل الإدارة المركزية فيها لشئون أكبر وأوسع من المسئوليات والصلاحيات الاعتيادية ، لذلك يدخل ضمن حجم الأعمال الروتينية للإدارة مهمات عمل أخرى قد لا تبدو روتينية ولكنها تفرض عليها بحكم الوضع الجديد كمهمات أساسية ويفرز لها وحدات عمل خاصة وتبقى هذه الوحدات تابعة لها مثل ( وربما أكثر) :-
• وحدة المشتريات ( المتعلقة بتسيير العمل مثل القرطاسية والأثاث والأجهزة المكتبية والمستهلكات والأدوات ) .
• وحدة الصيانة للسيارات والمباني والآلات والمعدات.
• وحدة الإسكان (توفير المساكن ومتابعة إيجاراتها وتوفير نقل الموظفين من وإلى أماكن العمل).
• وحدة الدعاية والإعلان (لكل ما يختص بأمور الإعلانات والتصميم الخاصة بالعمل).
هذا خلاف ما ذكرناه في الحلقة الأولى من مسئوليات تديرها إدارة شئون الموظفين والأقسام التابعة لها مثل وحدة الأمن – وحدة العلاقات الحكومية والعامة – وحدة الاستقبال، وهنا تبرز الحاجة لظهور إدارة أكثر نشاطا وأوسع مسئولية باسم إدارة الشئون الإدارية وهي إدارة تتبع وتدار بالغالب بواسطة مدير إداري متمرس يتمتع بمقدرة عالية من المرونة واللباقة كي يؤمن التنسيق اللازم بين كل هذه الوحدات وإدارتها وتسيير أمور العمل فيها وهو عادة ما يقوم بتطبيق مبادئ المواجهة في تنظيم العمل بموجب تخطيط مسبق ومتابعة التطبيق بتقارير يومية واجتماعات دورية للمتابعة و لتفادي أية تراكمات في تنفيذ المسئوليات ، ويتمتع مديرو الإدارة عادة بصلاحيات أوسع من سابقيهم (مسئولي شئون الموظفين) حيث تعطى لهم صلاحيات إضافية تسمح لهم مثلا القيام بالمقابلات الشخصية وعمل التصنيف الوظيفي وتقديم التوصيات قبل التوظيف والجزاء والفصل وكذلك فيما يخص اختيار المشتريات وفق حدود الميزانية المسموح بها أما الصيانة والإسكان فلها جداول دورية تنفذ بموجب متابعة مشرفين ذوي خبرة تعمل تحت إشرافه.
ويكون الهيكل الوظيفي للشئون الإدارية هرمي الشكل ويعتمد على قاعدة عريضة من الموظفين مرتفعة لتصل إلى شخص المدير الإداري والذي غالباً ما يرجع بدوره إلى المدير العام أو الرئيس في الشركات والمؤسسات المتوسطة والكبيرة ، كما أن حجم وطبيعة مسئوليات الشئون الإدارية تجعلها شريكا في جميع الأعمال الإدارية والإنتاجية ولو بشكل غير مباشر خصوصاً من ناحية توفير العمالة والمواد المساندة والتراخيص والدعاية والصيانة، الخ .
إن هذه الإدارات تكون ديناميكية وتعتمد في سرعة تحركها واستجابتها على الكم الهائل من النشاطات التي تحوم حولها من بقية الأقسام وهي خدماتيه بالدرجة الأولى توفر لجميع فروع وأقسام الشركة أو المؤسسة أو القطاع الذي تمثله احتياجاتها من الخدمات الإدارية والإرشادية لتسهيل أعمالها ولمديرها حضور هام في اجتماعات الإدارة العليا أو اجتماعات الأقسام من أجل التواصل ولتوجيه أو توضيح أو حتى وضع التصورات الخدماتية الممكن توفيرها أو تطويرها بما يتلاءم واحتياج العمل .
ولذلك نرى أن شخصية المدير الإداري هي الممثل المثالي عادة للقطاع الذي يعمل به وخصوصا في حضور الندوات والاجتماعات ذات الصفة الاجتماعية وكذلك المؤتمرات والمحاضرات ذات المنفعة العامة ، وقد يقوم بعض مديري الإدارة بأعمال نائب للرئيس أو نائب للمدير العام تبعا للسلم الوظيفي علماً بأن مرتبتهم الوظيفية لا تقل من حيث المسئولية عن زملائهم التنفيذيين بل قد تعادل في بعض القطاعات مرتبة المدير العام وخصوصا في القطاعات ذات النشاطات المتنوعة والفروع المتعددة ، كما أن مسئوليتهم بذاتها لا تقل أهمية عن مسئولية من بمستواهم من التنفيذيين في إدارة هذه القطاعات مثل المديرين العامين وغيرهم .
تسعى الشئون الإدارية غالباً لدراسة وتحليل المشاكل الإدارية ثم محاولة وضع حلول تتفادى بها معضلات مشاكل العمل للمستقبل ولتسهيل إجراءاته ولتقليل دورة الأعمال الورقية وهي تخطط جيدا بوصفها وسيطا ورابطا بين بقية الأقسام والإدارات على مبدأ نقل الخبرات والاستفادة من تجارب الآخرين بين الأقسام ولكنها لا تستطيع بالطبع تنفيذ ذلك بدون تعاون ومساعدة من غالبية الأقسام الأخرى في القطاعات التي تمثلها لذلك فهي تبقى على اتصال دائم ودوري مع بقية أقسام العمل وفروعها من خلال المناقشات مع بقية المسؤولين في الاجتماعات والمقابلات من أجل جمع البيانات والاطلاع على أوضاع العمل بدقة من أجل وضع التصور وتنفيذ برامج تسهيل وتطوير الخدمات الإدارية ،وبالإضافة إلى ذلك نراها متحمسة لوضع وتنفيذ برامج ترفيهية واجتماعية من أجل الموظفين وعوائلهم وبسبب ارتباطها بجميع الموظفين والعوائل ولكن نراها كثيرا ما تتحفظ بأن لا تسبب حساسية في عدم المساواة للجميع بين الموظفين.
إن النجاح في فهم هذا البعد والأفق الإداري الثاني ثم جني نتائج الأداء المرجوة منه بشكل مرض وجيد مرتبط بتوفر وتطبيق أربعة عناصر رئيسية هي:-
أولا :رسم وتحديد الأهداف بوضوح وعناية (أهداف الإدارة العليا لتوجيه العمل) .
ثانيا: توفير الدعم والتوجيه والمساندة.
ثالثا: الالتزام بالتنفيذ والتطبيق بالتعاون مع جميع الأقسام.
رابعا: منح الصلاحيات المناسبة لإدارة المسؤوليات من أجل تحقيق الأهداف المعلنة والمرجوة.
ولكننا مع كل ما ذكرناه نرى العديد من المديرين الإداريين يعانون وبالأخص من عدم وجود أو تحديد رؤية واضحة للأهداف المطلوب تحقيقها في القطاعات التي يمثلونها ، وكذلك عدم توفير دعم قوي لهم من إداراتهم العليا ، عدم التعاون معهم من أجل تنفيذ المخططات الإدارية والالتزام بها بعناية ، وأخيرا عدم الحصول على صلاحيات تتناسب والمسئوليات التي يشرفون على تنفيذها ضمن إداراتهم مما يضعف كثيراً من قدراتهم وأدائهم وإنتاجية أقسامها أثناء التطبيق كما ينعكس سلبا وببطء شديد في نمو وتطوير الأقسام والوحدات التابعة لإشرافهم على المدى البعيد وهي نتائج تتراكم سلبا مع الزمن ، ولكن تبقى إدارة الشئون الإدارية حيوية ونابضة جدا من خلال ارتباطها بمراكز العمليات وصناع القرار في أي قطاع كان.
في الحلقة القادمة سنستعرض أفقا وبعدا إداريا ثالثا لنستكمل فيه ما بدأناه فإلى اللقاء