الأمريكان, الجنود, العراق, القتلى, بدمائهم, يكتبون, صوت, قصة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختارت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في عددها الأخير أن ترصد مرور أربعة أعوام على بدء الغزو الأمريكي للعراق "مارس 2003" بطريقة مختلفة ومبتكرة جدآ .
فعبر مجهود بحثي واضح واتصالات وعلاقات متشعبة ورأس قادرة على استيعاب المتناقضات قدم الصحفي الأمريكي "جون ميشام" ملفا خاصا وفريدا حمل بدوره عنوانا مميزا "أصوات القتلى حرب العراق بكلمات القتلى الأمريكيين"، حتى إن غلاف المجلة حمل مقتطعا من رسالة كتبها أحد الجنود الأمريكيين مقتطعا موحيا جدا ومعبرا للغاية "أي يوم أمضيه هنا قد يكون يوم مماتي" التأثير سيكون أقوى عندما تعرف أن هذا الجندي قتل بعد أن قال كلماته هذه وأرسلها لأسرته.
الملف تصدرته عبارات تشير إلى أنه غير منحاز ضد الحرب أو معها، بل إن صحفي نيوزويك كان حريصا على أن يؤكد أن عائلات الضحايا التي تعاونت مع المجلة لم تكن لديها رؤية سياسية موحدة، بل هي وجهات نظر مختلفة ومتباينة تجاه الحرب فقط جمعها -بحسب المجلة- "الحزن".
لكنك بين السطور ستجد رفضا معلنا أكثر من مرة للحرب يظهر ذلك بوضوح في بعض رسائل الجنود إلى أهاليهم "يا أعزائي أنا متعب جدا، يبدو أننا لا نحقق الكثير""لاشيء مسلٍ أو متفاءل يمكن أن أتحدث عنه الآن الناس يموتون هنا مثل الذباب". "الكثيرون منا مستعدون للعودة إلى الديار ويتشوقون لتناول البيتزا أو مشروب دكتور بيبر" إلا أن الفكرة النمطية عن أن حرب العراق ليست سوى تحرير له موجودة أيضا اسمع رأي "لاري بيج" وهو يحكي تفاصيل مكالمة تليفونية بينه وبين ابنه الذي قتل بعد ذلك في العراق "أبي لقد تصدينا لهم إذا لم نحاربهم هنا فسنضطر إلى محاربتهم في شوارع أمريكا لقد برهنوا على ذلك في 11 سبتمبر لا نريد متفجرات وانتحاريين في شوارع أمريكا". "بول آر بيتي" يؤكد وجهة النظر هذه إذ يقول للنيوزويك "إن كلمات جنودنا القتلى هي شاهدة صامتة على جهودهم الباسلة نيابة عنا".
أما الملف فتم تقسيمه إلى عدة أجزاء كل واحد منها مرتبط بفترة زمنية محددة في الحرب الجزء الأول حمل اسم "الإطاحة بطاغية" وفيه يبدو واضحا أن الدخول السهل للقوات الأمريكية إلى بغداد بعد مقاومة ضعيفة نسبيا أعطى للجنود الأمريكيين نشوة مبكرة بالانتصار اقرأ رسالة الجندي" باتريك تينش": "مضى يومان على دخولنا إلى العراق، المقاومة ضئيلة معظم الناس يستقبلوننا بالترحاب لكن هناك أيضا من يكرهنا أنا بحالة جيدة هذا الصباح دخلت القوات الأمريكية إلى قلب بغداد وهللنا فرحا" أما رسالة الجندي "بالارد" والتي أرسلها لأهله في أغسطس من عام 2003 فهي تشير إلى أن الجو كان هادئا للدرجة التي سمحت له بأن يتخيل موقفا رومانسيا. "كنا نعبر نهر دجلة ليلا تحت ضوء البدر وكان الضوء يتلألأ على المياه، ونسيم من الهواء يهب عبر الأشجار تقول في نفسك إن ذلك كان سيصبح جميلا برفقة شخص مميز ثم تنفجر القنابل المضيئة في السماء وترى طلقات الرصاص في البعيد فتعود إلى مواجهة الواقع بأنك في وسط منطقة حرب".
الأمر وصل لدرجة أن أمل العودة إلى بلادهم أصبح قريبا جدا رسالة الجندي "تينش" التي أرسلها في ديسمبر عام 2003 تقول هذا "نحن بخير لكننا منشغلون بتسديد ضربات قوية للعدو في الآونة الأخيرة القيادة تقول إننا سنعود إلى ديارنا في مارس" لكن "تينش" قتل في فبراير باستخدام عبوة ناسفة، وبعدها مباشرة بدأت مرحلة جديدة في الحرب وهي ما أطلقت عليها نيوزويك اسم مرحلة "الأعداء الخفيون" تقصد بذلك رجال المقاومة في الفلوجة.
كان واضحا أن ما حدث في الفلوجة موجعا جدا للقوات الأمريكية الجندي "جستين جونسون" يروي ما حدث في رسالة لأهل: "اشتعلت معركة كبيرة وكنا في وسطها كان علينا مرافقة الجنود الجرحى إلى قاعدة أخرى والنيران تطلق علينا، عجلة عربتي الأمامية اليمنى أصيبت بالرصاص وبعد أن تم إصلاحها تعرضنا لكمين في طريق العودة إلى القاعدة، أخطأوا شاحنتي لكنهم أصابوا العربة التي كانت تسير خلفي فقدنا 10 جنود وأصيب 49 في تلك الليلة تم إعلامنا بأن المهمة لم تعد حفظ السلام، إنها الحرب ثانية الآن!" اقرأ أيضا رسالة الجندي "ستار": "اللعنة لم أعتقد مطلقا أنني سأمر بما مررت به قبل أسبوع ونصف بضعة أصدقاء مقربين لي أصيبوا، ومات أحدهم، لكن الأمر لم يطالني حقا حتى الآن لذا فأنا بخير لقد انتهى الأسوأ" طبعا "ستار" مات بعد هذه الرسالة بفترة برصاصة قناصة عراقيين في الرمادي لتدخل الحرب مرحلة ثالثة مرحلة أطلق عليها الأمريكان "بصيص الأمل".
كان ذلك مرتبطا بإجراء الانتخابات في العراق في عام 2005، رغم أن المشاركين فيها كان أغلبهم من الشيعة والأكراد وسط غياب ملحوظ من السنة، إلا أن الأمر بدا للجنود الأمريكان وكأنهم يشهدون ميلاد الديمقراطية التي جاءوا من أجلها إلى العراق إلا أن الحقيقة لم تكن كذلك بالطبع.
من رسالة للجندي "ستيفن مكجوان" المؤرخة بـ20 يناير 2005: "هناك شائعة جديدة شنيعة منتشرة هنا أخيرا بعض الضباط يعتقدون أنه سيتم التمديد لنا إلى ديسمبر حتى نهاية الانتخابات البرلمانية هنا صلوا من أجل عودتنا قريبا" ومع ذلك كان واضحا أن التأثير النفسي للإعلام الأمريكي وعملية غسيل المخ للجنود المشاركين في الحرب لم يزل تأثيرها بعد رغم فداحة الخسائر المتتالية رسالة الجندي "كليفتون" توضح ذلك: "أدرك أننا في العراق لأنه من غير المهم تحرير العراقيين، فهم سيفرطون في حريتهم هذه هي ثقافتهم، لكن على الأقل فإن للمقاتلين الأجانب والمتطرفين- يقصد "الزرقاوي" ورفاقه- ساحة معركة نقابلهم فيها -يقصد العراق- وهذا أمر مقبول لدي من الأفضل لي أن أقاتلهم هنا على أن يقوموا بقتل عائلتي في تفجير في أمريكا وهكذا فإننا هنا أساسا لمنع وصول الحرب إلى أراضينا على المرء أن يختار معركته" بل وصل الأمر إلى ما هو أخطر إلى حد عدم اعتبار العراق كبلد أساسا قبل أن يغزوه الأمريكان. "هؤلاء ناس لم تتح لهم حتى فرصة تذوق الحرية التي نقدمها لهم لم يكن لديهم حتى بلد يستحق الدفاع عنه إن الأمر كمن يقدم كتاب الحكمة لرجل ضرير. وإنه أمر عديم المعنى في أن نساعدهم في ذلك" من رسالة للجندي "ستيفن مكجوان" الذي قتل ومعه ثلاثة آخرون من الجنود بانفجار عبوة ناسفة في الرمادي.
إلا أن التفجيرات الطائفية التي طالت العراق في 2006 وجعلته جحيما حقيقيا طال جزء منه القوات الأمريكية عاد ليشوش الصورة من جديد وليجمع التناقضات في رأس الجنود الأمريكيين "مانديل" كتب هذا في رسالته التي أرسلها لأهله في سبتمبر الماضي: "لابد أن أقول إن الأمور تدفع فعلا إلى التشاؤم والسخرية، فلا يمكنكم أن تروا ما نراه كل يوم "مثلا اليوم قتل أطفال جراء عبوة ناسفة" من دون أن تتشاءموا قليلا فالشعارات السياسية النبيلة تبدو فارغة هنا، من نكاتنا المعروفة قولنا إننا نقوم بدورنا في الحرب العالمية لتعزيز الإرهاب!، هذا لا يعني أننا نشك في كوننا نقوم بما هو صائب فنحن لا نشك في ذلك، ولكن الأمور تبدو مختلفة جدا ونحن في هذا الجحيم".
ولأن الملف أمريكي في الأول وفي الآخر. ولأنه منشور في مجلة أمريكية بالأساس فكان الختام برسالة الضابط "ويليام سيجوا": "إذا لم أعد من هذه الحرب يمكنكم أن تقولوا للناس إنكم فخورون بي وأنا فخور بنفسي" هو نفسه الضابط الذي قتل بالرصاص في منطقة بين الرمادي والموصل.
يبدو أن حرب العراق ستظل وجعا أمريكيا عميقا يستحق الحكي عنه دوما حتى لو كان ذلك بلسان الموتى.
تحياتنا لكم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
w,j hgrjgn hg[k,] hgHlvd;hk d;jf,k f]lhzil rwm hguvhr!