مادري الله يرحمه
|
عالم, عرفات
عالم عرفات السري
في دفاتر صغيرة، احتفظ ياسر عرفات بأدق أسراره ويومياته، لم يجرؤ أحد، حتى بعد وفاته في ظروف ما زالت غامضة، على فتح تلك الدفاتر، أو مجرد فتح الصناديق التي تحفظها في مكان لا يعرف معظم أعضاء القيادة الفلسطينية، حتى أولئك المقربون من الزعيم الراحل، أين هي، ولا من المسؤول عن حمايتها، أو ماهية المعلومات التي خطها ياسر عرفات بقلمه، إلا أنهم يتفقون جميعًا على أهمية هذه الدفاتر وخطورتها، خاصة أن الزعيم الراحل دأب، ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية، على تسجيل أدق المعلومات وأخطرها في دفتر صغير يحتفظ به داخل جيوب بدلته العسكرية، التي حرص على ارتدائها طوال أكثر من خمسين عامًا من قيادته للثورة الفلسطينية. لم يفارق أبو عمار دفتره الصغير أينما حطت قدماه، وكان يحتفظ بدفاتره هذه بعد امتلائها في صناديق ومظاريف خاصة داخل مكتبه، من دون أن يسمح لأحد بالاطلاع عليها.
يقظة عرفات الدائمة، وحرصه الأمني غير المسبوق، كانا يدفعانه دائما، حسب كل من عملوا معه، إلى الاحتفاظ بأوراق خاصة كثيرة في الجيوب الأربعة لبدلته العسكرية الخضراء، إضافة إلى الدفتر الصغير، بحيث كانت جيوبه ـ على حد وصف مصوره الخاص حسين حسين ـ أشبه بمكتبة متجولة تقبع فيها أسرار ووثائق يحتاج إليها عرفات في اجتماعاته وجولاته، إلى جانب قصاصات صحف، ويقول حسين: "إن أبو عمار كان عادة ما يبرز من جيوبه بعض تلك الأوراق والقصاصات خلال لقاءاته مع زعماء وقادة الدول، كي يبرهن على كلامه". مشيرًا إلى أن من بين ما أبرزه من جيبه للرئيس الاميركي بيل كلينتون، خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية، كانت قصاصة من صحيفة إسرائيلية تكشف أن نصف القادمين الجدد إلى إسرائيل ليسوا بيهود.
ولا يعرف حسين أو غيره ممن عملوا إلى جانب الرئيس الراحل، ماذا كان يكتب الرئيس عرفات في دفتره الخاص، ويقول: "ما أعرفه هو أن أبو عمار اعتاد على تسجيل بعض ملاحظاته الخاصة في كل اجتماع للتنفيذية والمركزية، أو مع رئيس آخر، وعندما كان يمتلئ الدفتر بعد أيام أو أسابيع، كان يضعه في صندوق خاص داخل مكتبه"، وهو ما تؤكده انتصار الوزير عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، نافية هي الأخرى ـ مثل كثيرين في القيادة الفلسطينية ـ علمها بمصير تلك الدفاتر، أو محتواها بعد وفاته، مشيرة إلى أن لجنة خاصة شكلت بعد وفاة أبو عمار لفحصها، ورجحت الوزير أن تحتوى تلك الأوراق على ملاحظات كان أبو عمار بحاجة إلى عدم نسيانها، كقرارات للجنة المركزية والتنفيذية، ومعلومات خاصة لا يريد أن يطلع عليها أحد، مدللة على ذلك بعودة الرئيس الراحل إلى دفتره مرات عديدة خلال الاجتماعات، لتذكير عضو في القيادة الفلسطينية، أو ضيف اجنبي أو عربي بقرار أو اتفاق في اجتماع سابق، وهي طريقة طالما لجأ إليها الرئيس عرفات مع محدثيه بمن فيهم رؤساء دول أو أعضاء في القيادة.
وأشارت انتصار الوزير إلى أن دفترا مماثلا كان يحتفظ به زوجها خليل الوزير "أبو جهاد"، واكتشفت بعد اغتياله أن الدفتر يحتوي على ملاحظات متعددة؛ منها ما هو شخصي، ومنها ما هو أمني لا يستطيع فك طلاسمه إلا كاتبه، وتتفق بذلك أيضًا مع المحلل السياسي طلال عوكل، الذي قال "إن أحدًا لا يعرف بالضبط كم عدد النوتات التي ملأها عرفات، ولا أظن زعيمًا أو رئيسًا ترك أوراقا بخط يده أو موقعة باسمه، توازي ما تركه عرفات، وهي شاملة في كافة الاختصاصات والتفاصيل، ومنها ما هو أمني وخطير، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما يطول أشخاصًا آخرين من القيادة وخارجها".
كما يشكك عوكل في قدرة أية لجنة تشكل على عجل، على فحص تلك الأوراق والدفاتر وتحليلها، وقال: "إن أية لجنة ستحتاج إلى عدد ليس قليل من الكفاءات المتفرغة، ومن أدوات ووسائل العمل، وستحتاج إلى فترة طويلة للبحث والتنقيب في جمع تراثه، وهو كثير".
ويؤكد أحمد عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء السابق، وأحد أبرز المقربين للرئيس الراحل بقوله: "إن أبو عمار لم يكتب أية مذكرات؛ لأنه كان يقود ثورة يمكن أن تؤدي تلك المذكرات إلى كشف أسرارها التي يصعب عليه كقائد كشفها، ولكنه كان طوال حياته يدون يوميًا ما يحدث في دفتر صغير يحتفظ به في جيبه؛ لأنه يحتوى على معلومات سرية". ويصف عبد الرحمن مجموع هذه الدفاتر الصغيرة الحجم بأنها تاريخ ثورة الشعب الفلسطيني، ويقول: "إن أبو عمار كان دقيقا جدًا في تسجيل كل الملاحظات المهمة في دفتره على مدى عقود، بدءًا من ملخص اجتماعاته مع القيادة، أو الرؤساء العرب والأجانب، وانتهاء بأسماء الحضور، وملاحظاته، وتاريخ الاجتماع، ومكانه، وعندما كنا نسأله منذ حصار بيروت عن هذا الحرص العجيب على تدوين كل شيء في دفتره الصغير كان يقول: "هادا تاريخ شعبنا ولازم الأجيال القادمة تعرف كل ما مررنا به".
وهو ما يؤكده أيضا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية جميل مجدلاوي قائلاً: "إن الرئيس الراحل أخرج الدفتر من جيبه مرات لا تحصى خلال اجتماعاته مع قيادة الجبهة الشعبية لإثبات ما يقول، وكان يقرأ بنفسه من الدفتر حديثًا أو قرارًا أو جملة قالها احد القياديين في الجبهة خلال اجتماع مغلق سابق بأشهر".
ورجح مجدلاوي قيام أبو عمار بتجهيز الدفتر المعني به قبل حضوره الاجتماع قائلاً: "من المستحيل أن يكون الدفتر نفسه بقي في جيبه ولم يمتلئ، أو لم يغيره طوال أشهر، وهذا يثبت أن (أبو عمار) يحتفظ بدفاتر كثيرة، ومواظب جيد على تسجيل كل شيء بنفسه، وأنه يستخرج الدفتر المناسب في الوقت المناسب".
ولا يعرف الأمين العام السابق لمجلس الوزراء أحمد عبد الرحمن على وجه الدقة، كم عدد الدفاتر التي سطرها ياسر عرفات بخط يده، كما رفض البوح بمكانها، قائلاً إنها ضخمة ومحفوظة في صناديق لم تفتح، ولم يقرأ أي دفتر من دفاتر أبو عمار فهذا يحتاج إلى قرار قيادي، لأنها بالتأكيد تحتوي على أسرار تمس الأحياء والشهداء. وآخر يد كانت تمسك بتلك الدفاتر بعد أبو عمار، حسب المقدم محمد الداية المرافق الخاص السابق للرئيس الراحل، كانت يد مدير عام مكتبه الدكتور رمزي خوري، والذي كان يتسلم الدفتر الممتلئ من الرئيس عرفات، ويضعه في جارور مكتب الرئيس بعد أن يسلمه دفترًا جديدًا.
إلا أن المقدم الداية، والذي عمل مرافقا خاصا للرئيس عرفات ثمانية عشر عاما، يقول: "إن أحدًا لم يكن يجرؤ على فتح الدفتر، بمن فيهم أنا مرافقه الخاص، وعندما كنت أغير بدلة الرئيس ببدلة أخرى، وأساعده على ارتدائها، كنت أحمل ما في الجيب اليمين إلى اليمين، وما في الشمال إلى الشمال، وغالبًا ما كانت تحتوى جيوبه على دفتر صغير، وأوراق يتسلمها من وزراء ومسؤولين، إضافة إلى معاملات خاصة بمواطنين يطلبون علاجًا ومساعدة، وأدوية ومناديل ورقية".
ويشير المقدم الداية إلى أن أبو عمار كان يكتب بنفسه وبقلمه الأحمر تحديدا في دفتر خاص ازرق اللون قياسه 10سم ـ 15سم، ولا يتجاوز أكثر من أربعين صفحة، وبشيء من التفصيل، محاضر اجتماعاته المغلقة مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين براك وننتياهو وبيرس وغيرهم. ولا يعرف المرافق الشخصي للرئيس الراحل، هو الآخر عدد الدفاتر التي كان يحتفظ بها أبو عمار، ولو بشكل تقريبي، أو مكانها، ويقول إنها كثيرة جدًا، "فالرئيس رحمه الله لم أره ولو مرة واحدة طوال أكثر من عشرين عامًا من مرافقتي له يتلف أي دفتر".
إجماع المقربين من الرئيس الراحل ياسر عرفات على أهمية وخطورة ما تحتويه تركة أبو عمار من دفاتر، هي على ما يبدو ما تمنع وريثه الرئيس محمود عباس من إصدار قرار بفتح تلك الدفاتر، خاصة وأن الأخير ورث نظامًا سياسيًا صنعه عرفات بنفسه، ولا يشابه أي نظام سياسي آخر في العالم، وهو النظام الذي يحاول عباس إدارة دفته بعد رحيل عرفات بصعوبة لا تحتاج إلى ألغام أخرى قد تفجرها دفاتر عرفات. قد أدار الزعيم الراحل حركة فتح ومنظمة التحرير، ثم السلطة الوطنية، بطريقته الخاصة، وهي أقرب إلى النظام الأبوي والشمولي منها إلى النظام المؤسساتي.
ويقول عضو المجلس الثوري لحركة فتح يحيى رباح: "إن أبو عمار كان على وعي كامل بخطورة القضية التي يحمل أمانتها، وبحجم التداخل الاقليمي والدولي في هذه القضية، وكان على ثقة مطلقة بأن الآخرين لهم أيدي وأصابع في الإطار الفلسطيني، ولذلك كان يتوقع كل شيء، ويحافظ على أسراره بعيدا عن تلك الأيدي".uhgl uvthj hgsvd
مادري الله يرحمه
« اسهم للاستثمار ( فرصة لن تتكرر) | مؤخرة سيارة احد ضحايا السوق !!!!!!!!!! » |
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع |