وقفة مع قوله: (الحي القيوم)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] الذي يحتاج إليه غيره ولا يحتاج هو إلى غيره، القيوم: الذي تفتقر إليه جميع المخلوقات ولا يفتقر هو إلى خلقه بل هو الغني عن الخلق، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17]، . (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وأنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وأنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية.
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] ورد في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات، فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمل النهار، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض)
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:255] فالملك ملكه، والجميع تحت قهره وتحت عبوديته. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:255] السماوات ملكه، والأرض ملكه، بل وما في السموات وما في الأرض ملك لله جل وعلا يقول الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95].
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] لا يجوز لمخلوق ألبتة أن يشفع يوم القيامة إلا بعد إذن الله، وبعد رضا الله جل وعلا يقول الله تعالى: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] لا بد أن نتعلق بالله، ولا بد أن نصحح عقيدتنا في الله، ولا بد أن نعلم أن الأمر كله بيد الله.
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255] إنه العلم المحيط الشامل الكامل يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] معهم أينما كانوا بعلمه، بقدرته، بإرادته، بإحاطته، بقهره، لا تقل: معهم بذاته، فلا تقع فيما وقع فيه أهل الحلول والاتحاد، حيث جعلوا ذات الله جل وعلا قد حل في كل شيء، وقالوا كلاماً يعف اللسان عن ذكره على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] معهم بعلمه، وبسمعه، وببصره، ما من جبل على ظهر هذه الأرض إلا وهو يعلم ما في وعره، ولا بحرٍ على سطح هذه الأرض إلا ويدري الله ما في قعره: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11]. وهاهي المرأة الأعرابية تعلمنا هذا الدرس العجيب العظيم، يوم أن ذهب إليها الأعرابي في الصحراء ليراودها عن نفسها، فقالت له لتعلمه: هلا ذهبت واطمأننت هل نام الجميع، فعاد هذا الأعرابي فرحاً بلذةٍ فانية لمعصية يظل ذلها دائماً، قال لها: أبشري فلقد نام الناس جميعاً، ولا يرانا إلا الكواكب، فنظرت إليه هذه الأعرابية قائلة: وأين مكوكبها؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [المجادلة:7] يوم تتطاير الصحف، وتنشر السجلات، وينادى عليك باسمك، وتعطى هذه الصحيفة، تلك الصحيفة التي لا تغادر بليةً كتمتها، ولا مخبأة أسررتها، فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها، فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت في دنياك من طاعة مولاك.
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي مهلٍ فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا
أسأل الله جل وعلا أن يختم لي ولكم بخاتمة التوحيد. وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! يقول الحق جل وعلا: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] لا يطلع أحد على علمٍ إلا بعد أن يعلمه الله إياه: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] كما قال الخضر عليه السلام لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: أنا على علم من علم الله علمنيه، وأنت على علمٍ من علم الله علمكه الله جل وعلا. وفي النهاية فإن علم الخلق جميعاً إلى جوار علم الله كما قال الله عزوجل: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27] في النهاية: أرسل الله للخضر وموسى عصفوراً فنقر هذا العصفور قطرة من ماء البحر، فقال الخضر لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: إن علمي وعلمك في علم الله جل وعلا بمقدار ما أخذ هذا العصفور من ماء البحر.
أعلى الصفحة
وقفة مع قوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض.)
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] لا يصعب عليه شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي يمسك السماء أن تزول، وهو الذي يمسك الأرض أن تزول: وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].
أعلى الصفحة
مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات
ومذهبنا واعتقادنا في كل هذه الصفات التي وردت في هذه الآية ما عليه جمهور سلف الأمة رضوان الله عليهم، أننا نؤمن بجميع هذه الصفات، ونمرها صريحة كما جاءت في القرآن من غير تحريف لألفاظها، ومن غير تحريف لمعانيها، ومن غير تعطيل، ومن غير تكييف، ومن غير تمثيل، فكل ما دار ببالك -أيها الحبيب- فالله بخلاف ذلك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأذهان: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103] هذا هو مذهب سلف الأمة في هذه الصفات، فنؤمن بأن لله جل وعلا أسماء الجلال، وصفات الكمال من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن يقفون عند القرآن، وممن يحولوا القرآن في حياتهم إلى واقع. اللهم رد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا شقياً ولا محروماً. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكسُ المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، برحمتك يا أرحم الراحمين. أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، فلقد أمرنا الله جل وعلا بذلك في محكم تنـزيله فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.