الغازية, العيد, دروس, صورة
دروس من سورة الغاشية
كتاب الله هو النور الذي يشق دياجير الظلام، ويهدى به إلى طريق الجنان، وقد أزف الناس عنه ورغبوا عما فيه جهلاً وغفلة، وما سورة الغاشية على قصرها إلا موجز عظيم يحث على ضرورة لزوم كتاب الله تعالى في الحل والترحال، فقد صاغ الله فيها عبراً شتى لفئات البشر، ذاكراً فيها نعيم المتقين وجزاء الكافرين، مع حث الناس على التفكر في مخلوقاته التي تدلهم على فضله.
أهمية الوقوف على معاني القرآن
الحمد لله على نعمة الإسلام التي أنعم الله بها علينا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] الحمد لله الذي أنشأنا في بلد إيمانٍ، وبلد هو منبع الرسالة ونزول القرآن. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه. وبعد: ألتقي بأحبتي في هذه المدينة المباركة، وإني في مقدمة كلمتي أشكر فرع الوزارة على أن هيأ لي هذا اللقاء، الذي أسأل الله أن ينفعني وإياكم به، كما أشكر المكتب التعاوني بمدينة الرس على ما بذلوه من جهدٍ وعلى حرصهم ومتابعتهم، وليس هذا بغريب عليهم. أقول لأحبتي: إن الأمة بحاجة إلى الوقوف مع كتاب ربها تلك الوقفات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقفها مع صحابته رضوان الله عليهم، تلك الوقفات التي تترجم سلوكاً عملياً لهذا القرآن في سلوكه صلوات الله وسلامه عليه، لما سئلت عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلقه، ما زادت على أن قالت: [كان خلقه القرآن] فهذا هو الخلق الذي تُرجم إلى سلوك عملي وقيل للأمة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. إن الأمة لفي حاجة إلى إقامة دروس حول القرآن، وحول هذا الكتاب العزيز، وأقول للأحبة: ربما يقام درس في الحديث أو الفقه فترى عدداً هائلاً، ولكنك حين تقيم درساً لتفسير القرآن ترى قلةً ممن يحضره، وربما لا يحضره إلا طلاب العلم الذين يحرصون على الاستفادة من كتاب ربهم. كانت مجالس الصحابة هي القرآن، وهاهو أسيد رضي الله عنه وأرضاه يجلس لـعمر ، ويقول له عمر : [شوقنا لربنا، ذكرنا ربنا] وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لـابن عباس فيقول: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) ومعنى علمه التأويل: أن يعلم معاني هذا القرآن العظيم. سبحان الله! إني أتأمل في حياة شيخنا العلامة مفتي هذه الديار سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ما من درسٍ يقيمه إلا والتفسير معه، بل إنه جعل له درساً خاصاً يوم الجمعة بعد الصلاة يقرأ في تفسير الإمام البغوي وحده غير الدرس الذي في الفجر، وفي المساء في تفسير ابن كثير ، وما نسي التفسير لعلمه أن القرآن هو أصل هذه الأمة وعزها، وتمكينها. وأقول للأحبة: نحن في حاجة لأن نرتبط بهذا القرآن ارتباطاً قوياً، وما شرفت أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الكتاب العظيم، إذ أنزل عليها أفضل الكتب وأحسنها. وقد أنزله الله لأي شيء: أهو لأجل أن يتبرك به؟! أو يُقرأ على الموتى وفي المصائب إذا حلَّت بالناس من مسٍ أو جنون؟! أم أنزل ليعلق ويصبح تحفة جميلة في مجلس أو صالة أو غيرها؟! أم أنه أُنزل ليبتدأ به في الحفلات؟! أو ليصبح حروزاً تعلق على صدور المرضى؟! لا وربي! إنه أنزل ليعمل به المسلمون، وليترجم إلى سلوك عملي، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه ونقل عن ابن مسعود وغيره من أصحاب رسول الله: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فارعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به، أو شر تحذر منه] كم نسمع: (يا أيها الذين آمنوا) وما ندري، وكأن الخطاب يرجع للصحابة وحدهم، ونعوذ بالله أن نكون من قومٍ ذكرهم الله -وهم الكفار- ويتشبه بهم بعض الناس قال تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]. إن هذا القرآن وصفه الله بصفات عجيبة بديعة: - أنه هدى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]. - أنه شفاء: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82]. - أنه نور وروح وحياة: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52]. فمن هدي لهذا القرآن وهدي للعمل به فوالله إنه هو المستقيم على دين الله تعالى. ونحن والله في حاجة إلى أن نرتبط بكتاب ربنا.
دلالات وإشارات من سورة الغاشية
لعل بعض الأحبة يقول: لم اخترت هذه السورة دون غيرها؟ فأقول: قد فكرت في نفسي وقلت: لم أقيم درساً طويلاً في القرآن، ولكن لو جعلتها دروساً متعلقة بالسور التي نقرؤها نحن، ونسمعها دائماً، وترتبط بنا بمناسبات وبأوقات محددة، فالناس في حاجة إلى أن يكشف لهم شيء من معانيها، وأن يستفيدوا شيئاً من دروسها، وأن يتأثروا بما فيها من معانٍ ودلالات، وإن كنا بحاجة إلى معرفة تفسير القرآن كله وليس سوراً محددة؟ وسبحان الله! إني أتأمل قول الشافعي رحمه الله تعالى حين قال كلمته المشهورة في سورة والعصر: أنها لو أنزلت على الناس كحجة وحدها لكفتهم. لما تشتمل عليه من المعاني العظيمة؛ من الأمر بالإيمان، والعمل والصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وهذا هو الدين، وهي سورة جامعة عظيمة. كيف والناس في حاجة إلى علمٍ بسورة الفاتحة -أعظم سورة في كتاب الله- وفي حاجة إلى أن يعلموا شيئاً من السور التي نقرؤها في مناسبات عدة؟ مثلاً سورة الغاشية فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وأرضاه أنه سئل: (بم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة؟ قال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]) نسمعها يوم الجمعة، ويوم العيد، ونقرؤها في الوتر، وتجد أن الإنسان يحتاج إليها ويقرؤها لما تشتمل عليه من المعاني العظيمة.
]v,s lk s,vm hgyhadm ggado hgud]