لو توحد إيقاع خطواتنا .لو خرج منه إيقاع واحد نواصل السير معا .أما إذا لم يتوحد الإيقاع فساترك لك هذا الشارع وليمضي كل منا .كما كان في طريق .
ارتفع قلبي وسقط في آن واحد لم يكن سقوط القلب خوفا فقط من أن تتركني وتصبح حلما جميلا كان ومر ،كان خوفي أيضا أن ينتهي الموقف السحري الغريب الشبيهه بحكايات الصبا وعمر الخيال البرئ ،حين كانت الجميلة تضع حبيبها في امتحان صعب لتختبر مدى صدق حبه :بحر شاسع يعبره ,أو جبل شاهق يصعده أو جناح نسر عظيم يمتطيه.
ها هي جميلة أخر الليل تضعني في امتحان ليس اقل صعوبة :أن يتوحد إيقاع خطى اثنين غريبين .رجل وامرأة .في سكون الليل ويصبح إيقاعا واحدا كأنهما مخلوق واحد ؟!
وبدا لي فجأة أن السكون العميق المحيط بنا هو الخطر الأكبر .فابسط وأدق الأصوات ستسمع فيه .اقل نشاز سيدوي معلنا الفشل ومن ثم الافتراق.
قلت :معذرة يا أميرة الليل .أكان لا بد أن تضعي الأمر على صورة امتحان ؟ معذرة فانا أكرة الامتحانات!
وضعت عينيها في عيني وقالت بجدية :الامتحان ليس لك وحدك .الامتحان لي أنا أيضا ومع هذا فانا لا احب أن اسمي ما نفعل امتحانا .دعنا نسير بتلقائية ,التلقائية قرينة الصدق .(وأشارت بكفها ): هيا نبدأ السير أم انك لا تريد ؟!
قلت وأنا أكاد أصيح ,متحكما في طاقات بدأت تنفجر بداخلي : كيف لا أريد ؟! إنني يا جميلة الليل ,بعد هذا الذي حدث أصبحت أؤمن انك قدري وأقولها لك :حتى لو جاء وقع قدمي نشازا مع وقع قدمك فلن أتركك تمضين عني لن اسمح لك أن ترميني بسحرك الرائع هذا ثم تمضين عني .فقد.فقد.
قالت مقاطعة وقد اطل من بريق عينيها غضب خطير :إذن فقد انتهى الموقف بيننا أنهيته أنت قبل أن يبدأ !
وشدت من قامتها لتواصل سيرها وحيدة فاندفعت وافقا أمامها .لالا أنا لم انه شيئا .إنما كنت أتحدث بانفعال.قلت دافعا عن نفسي تهمة خطيرة : انك ترميني بأبشع اتهام يمكن أن يوجه لي وأنا واقف في العراء تحت النجوم .إنني لست ضد حرية الإنسان وحقه في الاختيار لكني كنت اعبر عن إحساس صادق .لا احب أن أفقدك هكذا سريعا وأخاف أن افشل في الامتحان .فقد تخونني قدماي ولأنني رجل في الأصل فلاح وأتطوح وأنا أسير في الهواء ،وأدب الأرض كيفما كان .بل إنني كثيرا ما أجدني سائرا في جميع الاتجاهات في وقت واحد .((وازداد انفعالي )) أكان لا بد أن يكون الامتحان بتوحد إيقاع الخطوات ؟! لم لا يكون بتوحد إيقاع النظرات ؟
قالت : توحد إيقاع الخطى بين الناس لا يتم إلا إذا توحدت بينهم كل الإيقاعات الأخرى.
قلت وقد سطع سحرها اكثر في نفسي :اقسم انك لفنانة .لم أتشرف إلى الآن بمعرفة حضرتك .هل أبدا أنا بتقديم نفسي ؟!
رفعت ذراعها :ليس الآن .هذا هو أخر شيء نفعله .إيقاع الخطى سيتكفل بكل شيء ،هيا نبدأ السير .نمضي في إتجاه البحر .وبدأت السير بالفعل ,فتحركت معها على الفور كان خوفي من الانفعال الذي يسيطر على .أن يفسد إيقاعي .يعطي لخطواتي سرعة اكثر ،أو صوتا أعلى.وضعت كل أحاسيسي في خطواتي ،متتبعا إيقاع خطواتها .كانت تسير بهدوء .بدا لي أن الأرض تحتها سحاب هي تسير عليه .هونا .بإيقاع .تعزف على بيانو سماوي .تركزت نظراتي على قدميها تراني أستطيع مصاحبة هذا اللحن بقدمي .فجأة أحسست بوقع خطواتي يضطرب .هل أسرعت أم أبطأت؟!
أحست باضطرابي قالت : لا تنظر إلى قدميك وأنت تسير .فلننسى أننا نسير ونحن نسير.أجمل الأشياء ما يحدث بتلقائية.
كانت ماضية في السير .شاخصة بنظراتها إلى الأمام فاتنة الملامح بشعرها المقصوص.وانفها الدقيق،وخديها المكورتين الورديينإنني رجل من برج الأسد.شديد الإحساس بالجمال الأنثوي العالي المستوى .كانت ماضية في سيرها الهوينا .منتشية بمجرد السير على الأرض بجواري .وفكرت أن اصرخ من السعادة وفكرت أيضا :تراها من برج غير برجي وأوشكت أن أسالها من أي برج هي ؟! لكني فوجئت بها تتوقف وقد شع وجهها بسعادة كبرى :هل تسمع ؟
من احد البيوت كان يتصاعد لحن موسيقى صحت على الفور فرحا .
- انه لحن (قداس الحياة ) لسباستيان باخ .عازف الاورغن العظيم .يا للحظ السعيد اللحن ما يزال في أوله.
- قالت : فلنبطئ الخطوة.نسمع ونحن نسير .
قلت :بل نتوقف لحظات لو سمحت أحب جدا افتتاحية هذا اللحن ،انه عندي في بيتي .
قالت :وهو أيضا عندي .في بيتي .بيتها .وبيتي .يضمان لحنا واحدا كدت أقول لها :لماذا إذن لا يصبح البيتان بيتا واحدا ؟ولكن روعة اللحن أوقفت كل الكلمات وفكرت مع ابتهاج الروح :العالم هو بيتنا .مثل هذا اللحن لا يسمع داخل جدران .
كانت قد استجابت لطلبي وتوقفت .وقفنا متجاورين نسمع افتتاح اللحن معا .لكم سمعته من قبل وحدي ،وكم حرك في نفسي من مشاعر ولكن أية مشاعر كانت؟. مشاعر رجل يعيش وحده وبأختيارهفي غار .على بابه ينسج العنكبوت بيته باطمئنان .وهو سعيد .فرصة للتعبد وللوصول إلى معرفة الحياة الحقه.
إيه معرفة وأي تعبد في ظل حراسة عنكبوت ؟! العبادة في الهواء الطلق أيها البشر وأضواء المعرفة تتبدى أسرارها من خلال ظلمات الليل .الحياة الحقة ما أنا فيه الآن معها .كانت موجات الاورغ تتوالى وتتدفق وبدا اللحن مخاطبة للكون بأكمله :انتباه أيها البشر شيء رائع جديد يولد من رحم أخر الليل يخرج .تراها تحس نفس إحساسي؟!
كانت الموجات تتابع مسرعة وتتقافز اثر بعضها البعض ،تندفع النشوة فيهتز كلانا على إيقاع الموجات .على البعد .شكرا لك يا سباستيان العظيم .كنت خائفا من إلا يتوحد وقع أقدامنا .الآن وحدت بأرغنك روحينا في إيقاع موسيقى عظيم .
كان رأسها يتمايل ويتماوج من الأنغام .لولا الأقدام على الأرض لسبحنا معا في الفضاء .لا باس .فجاذبية الأرض ما زالت هي قدر الإنسان .ثم حين انتهى الافتتاح العظيم ودخل اللحن في نوع من التتابع الهادئ الرقيق .وجدت خطواتي مع خطواتها في نفس اللحظة تواصل المسير .على إيقاع بقية اللحن المهيب .ثم نشوة عميقة كانت تملا روحي ،وتفاءلت بالمصير هاهي الحياة تبعث إلينا بصوت حبيب مشترك نضبط عليه إيقاع خطواتنا .ولم اعد انظر إلى وقع قدمي وقدميها بل تعلق إحساسي بموجات الأرغن الجميل .كما لو أني في حلم وأطير .ومضينا نسير .كان اللحن يتراجع ويبتعد بالتدريج.وبالتدريج أيضا كان إيقاع خطواتنا تعود فيسمع في السكون .وخشيت أن ادخل مرة أخرى في الامتحان
لكني وجدتها تكاد تجري .أسرعت اجري معها .كانت حركتنا تشبة الجري بالتصوير البطيء .فجأة تمهلت وقالت وهي تجذب نفسا عميقا إلى صدرها
:اقتربنا من البحر.يا لها من رائحة عظيمة أحبها .رائحة اليود والماء المالح.املأ صدرك شهيق زفير شهيق .زفير وأغمضت عينيها ومضت تتنفس أغمضت عيني أنا أيضا ورحت أتنفس بعمق :شهيق .زفير شهيق .زفير.لا صوت غير صوت الأنفاس .أنفاسنا نفس واحد يروح ويجئ إنها مالحة ويودي .وأنا ملحها ويودها .وضج صدري بالحنين ،ففتحت عيني لكي أمد لها ذراعي .غير أني ما أن فتحت عيني ونظرت حتى وجدت المكان والشارع بأكمله قد خلا منها .سقط قلبي .ومضيت أصيح في جميع الاتجاهات :أنت .أنت أنت يا أنت .أين أنت؟!
لكن لم اسمع غير رجع صوتي !! كيف حدث هذا في لحظات وأنا مغمض العينين؟
وقدرت أنها لا بد دخلت شارعا جانبيا قريبا وتلعب معي لعبة الاستخفاء .امتحان جديد للتوحد أي شارع دخلت ؟ إلى اليمين أم إلى اليسار ادخل ؟!
واندفعت اجري أتخبط في البشر الذين بدأوا يخرجون من بيوتهم مع طلوع الفجر أهذا هو سر اختفائها ؟! ووجدتني في شبكة متداخلة من الشوارع والحواري ولا اثر لها .تذكرت كلماتها عن البحر .اندفعت جريا إليه ليس غير الشاطئ والموج العالي .ورائحة اليود والماء والملح.وأنا وحيد
أهي قسوة منها أم لحكمة جليلة فعلتها ؟!
ولاحت لي بوجهها في الفضاء .فاتنة مبتسمة :املأ صدرك .شهيق .زفير .شهيق .زفير .أغمضت عيني ورحت املأ صدري شهيق زفير وصوت الاورغن متناغما مع صوت البحر الكبير .////////