الإحسان, ولا
وما جزاء الإحسان إلا الإحسان
يُحكى أنه فى القرن الأول الهجرى كان هناك شاباً تقياً يطلب العلم
ومتفرغ له ولكنه كان فقيراً ، وفى يوم من الأيام خرج من بيته من شدة
الجوع ، ولأنه لم يجد ما يأكله فانتهى به الطريق إلى أحد البساتين التى
كانت مملوءة بأشجار التفاح . وكان أحد أغصان الشجر متدلياً فى
الطريق فحدثته نفسه أن يأكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولا أحد يراه
ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحدة . فقطف تفاحة واحدة وجلس
يأكلها حتى ذهب جوعه ، ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه وذهب
يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب : يا عم ، بالأمس
بلغ بى الجوع مبلغاً عظيماً وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك
وهاأنذا اليوم أستأذنك فيها ، فقال صاحب البستان : والله لا أسامحك ، بل
أنا خصيمك يوم القيامة عند الله . بدأ الشاب يبكى ويتوسل إليه أن
يسامحه ، وقال له : أنا مستعد أن أعمل أى شىء بشرط أن تسامحنى
وصاحب البستان لا يزداد إلا إصراراً وذهب وتركه والشاب يلحقه
ويتوسل إليه حتى دخل بيته ، وبقى الشاب ينتظرخروجه إلى صلاة
العصر ، فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب واقفاً ودموعه تتحدر
على لحيته فزادت وجهه نوراً غير نور الطاعة والعلم ، فقال الشاب
لصاحب البستان : يا عم ، إننى مستعد للعمل فلاحاً فى هذا البستان من
دون أجر باقى عمرى أو أى أمر تريد ولكن بشرط أن تسامحنى ، عندها
أطرق صاحب البستان يفكر ثم قال : يا بنى ، إننى مستعد أن أسامحك
الآن لكن بشرط . فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال : اشترط ما
بدى لك يا عم . فقال صاحب البستان : شرطى هو أن تتزوج ابنتى
صُدِم الشاب من هذا الجواب وذهِل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم
أكمل صاحب البستان قوله : ولكن يا بنى ، اعلم أن ابنتى عمياء وصماء
وبكماء وأيضاً مقعدة لا تمشى ، ومنذ زمن وأنا أبحث لها عن زوج
استأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها ، فإن وافقت عليها سامحتك
صُدم الشاب مرة أخرى بهذه المصيبة الثانية وبدأ يفكر : كيف يعيش مع
هذه العلة خصوصاً أنه لا زال فى مقتبل العمر ؟ وكيف تقوم بشئونه
وترعى بيته وهى بهذا الحال ؟ بدأ يحسبها ويقول : أصبر عليها فى
الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة ، ثم توجه إلى صاحب البستان وقال
له: يا عم ، لقد قبلت ابنتك وأسأل الله أن يجازينى على نيتى وأن يعوضنى
خيراً مما أصابنى ، فقال صاحب البستان : حسنا يا ابنى موعدك الخميس
القادم عندى فى البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها ، فلما كان
يوم الخميس أتى الشاب متثاقل الخطى ، حزين الفؤاد ، منكسر الخاطر
ليس كأى زوج ذاهب إلى يوم عُرسه ، فطرق الباب ففتح له أبوها
وأدخله البيت وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث قال له : يا بنى ، تفضل
بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير
وأخذ بيده وذهب به إلى الغرفة التى تجلس فيها ابنته ، فلما فتح الباب
ورآها فإذا فتاة بيضاء أجمل من القمر قد انسدل شعرها كالحرير على
كتفيها ، فقامت ومشت إليه فإذا هى ممشوقة القوام وسلمت عليه وقالت : السلام عليك يا زوجى . أما صاحبنا فقد وقف يتأملها كأنه أمام حورية
من حوريات الجنة نزلت إلى الأرض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم
لماذا قال أبوها ذلك الكلام ، ففهمت ما يدور فى باله فذهبت إليه
وصافحته وقبلت يده وقالت : إننى عمياء من النظر إلى الحرام وبكماء
من الكلام فى الحرام وصماء من الاستماع إلى الحرام ولا تخطو رجلاى
خطوة إلى الحرام ، وإننى وحيدة أبى ومنذ عدة سنوات وأبى يبحث لى
عن زوج صالح ، فلما أتيته تستأذنه فى تفاحة وتبكى من أجلها قال
أبى : إن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له حرىٌّ به أن يخاف الله فى
ابنتى . فهنيئاً لى بك زوجاً وهنيئاً لأبى بنسبك ، وبعد عام أنجبَت هذه
الفتاة من هذا الشاب غلاماً كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة
أتدرون من ذلك الغلام ؟
إنه الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الفقهى المشهور
قال تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون
سورة البقرة الآية 156
,lh [.hx hgYpshk Ygh hgYpshk