تذكرة
عباد الله! لا شيء أغلى عليكم من أعماركم وأنتم تُضيعونها فيما لا فائدة فيه، ولا عدوَّ أعدى لكم من إبليس وأنتم تطيعونه، ولا أضرَّ عليكم من موافقة النفس الأمارة بالسوء وأنتم تصادقونها، لقد مضى من أعماركم الأطايب، فما بقي بعد شيب الذوائب.
يا حاضر الجسم القلبُ غائب، اجتماع العْيب مع الشيب من أعظم المصائب، يمضي زمن الصبا في لعب وسهو وغفلة، يا لها من مصائب.
يا غافلاً فاته الأرباح وأفضلُ المناقب، أين البكاء والحزن والقلق لخوف العظيم الطالب، أين الزمان الذي فرَّطت فيه ولم تخش العواقب.
كم في يوم الحسرة والندامة من دمع ساكب، على ذنوب قد حواها كتاب الكاتب، من لك يوم ينكشف عنك غطاؤك في موقف المحاسب، إذا قيل لك ما صنعت في كل واجب.
كيف ترجو النجاة وأنت تلهو وتلعب، لقد ضيَّعتك الأماني بالظن الكاذب، أما علمت أن الموت صعبٌ شديدُ المشارب، يُلْقي شرَّه بكأس صدور الكتائب، وأنه لا مفرَّ منه لهارب.
فانظر لنفسك واتق الله أن تبقى سليمًا من النوائب، فقد بنيْت كنسج العنكبوت بيتًا.
أين الذين عَلَواْ فوق السفن والمراكب، أين الذين عَلَواْ على متون النجائب، هجمت عليهم المنايا فأصبحوا تحت النصائب، وأنت في أَثَرِهم عن قريب عاطب، فانظر وتفكر واعتبر وتدبر قبل هجوم من لا يمنعُ عنه حرس ولا باب ولا يفوته هَرَبُ هارب.
وكيف قرَّت لأهل العلم أعينُهُم*** أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا
والموتُ ينذرهم جهرًا علانية *** لو كان للقوم أسماعٌ لقد سمعوا
والنار ضاحية لابد موردهم *** وليس يدرون من ينجو ومن يقعُ
قد أمست الطير والأنعام آمنةً *** والنونُ في البحر لا يُخشى لها فزعُ
والآدمي بهذا الكسب مرتهن *** له رقيب على الأسرار يطَّلعُ
حتى يُرى فيه يوم الجمع منفردًا *** وخَصْمُهُ الجلد والأبصار والسمعُ
وإذا يقومون والأشهاد قائمةٌ *** والجنُّ والإنس والأملاك قد خشعوا
وطارت الصحف في الأيدي مُنشرةً *** فيها السرائر والأخبار تُطَّلع
فكيف بالناس والأنباء واقعةٌ *** عمَّا قيل وما تدري بما تَقعُ
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له *** أم في الجحيم فلا تُبقي ولا تَدَعُ
تهوي بسكانها طَوْرًا وترفعهم *** إذا رَجَوْا مخرجًا من غمِّها قُمعوا
طال البكاء فلم ينفع تَضرعُهم *** هيهات لا رقةٌ تُغني ولا جزعُ( )
كتاب :هذه هي زوجتي
تأليف
عصام بن محمد الشريف (رحمه الله)
j`;vm