أقوال أهل العلم في بدع شهر رجب
قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه ولا في صيام شيءٌ منه معين، ولا في قيام ليلةٍ مخصوصة، حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة".
وله رحمه الله رسالةٌ قيمةٌ في ذلك، ونحو قوله هذا قال علماء الإسلام، كشيخ الإسلام ابن تيمية ، والعلامة ابن القيم ، والحافظ ابن رجب ، والإمام النووي ، وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
وبأي دليلٍ بعد ذلك يحتج من يفعل هذه المحدثات، لم يبق إلا الاعتماد على الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآثار الواهية التي لا تقوم بها حجة، وفوق ذلك كله، داءان خطيران، منتشران بين صفوف المسلمين، هما داء الجهل بدين الله، وداء التعصب للهوى، وكم جر ذلك على المسلمين من شرورٍ وفتن، لا خلاص منها إلا باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتمسكوا بدينكم واتبعوا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، واحذروا الوقوع في كل ما يخالف سنته وسنة خلفائه الراشدين مما أحدثه المتأخرون في دين الله بغير سلطان أتاهم:
فخير الأمور السالفات على الهدى ،،،،وشر الأمور المحدثات البدائع
ليلة الاسراء والمعراج
مما أحدثه الناس في شهر رجب تخصيصهم بعض الليالي لإقامة الأفراح والحفلات، وليلة سبع وعشرين التي يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج، ويخصصونها بأذكارٍ معينة وصلاة وأذكار محددة، ونحن مع إيماننا بالإسراء والمعراج واعتقادنا بوقوعه وأنه من آيات الله العظيمة، إلا أننا نقول:
" الاحتفال بذكراه خطأٌ فادحٌ لوجوه، أهمها:
أن الإسراء لم يثبت دليلٌ صحيحٌ على تعيين ليلته التي وقع فيها، وعلى الشهر الذي وقع فيه، فالعلماء مختلفون في زمانه، فتخصيص ليلةٍ من الليالي للإسراء تخصيص لا دليل عليه.
ولو ثبت تعيين الليلة، فلا يجوز لنا أن نخصصها بشيءٍ لم يشرعه الله ولا رسوله، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه وصحابته من بعده والتابعين لهم بإحسان أنهم خصصوها بشيء من العبادات، أو احتفلوا بذكراها، فلا يجوز لأحدٍ بعدهم أن يحدث في الإسلام شيئاً لم يفعلوه.
إضافةً إلى ذلك أن كثيراً من الناس قد تفننوا فيما يأتوا من البدع في هذه الليالي، وزاد كثيرٌ منهم عليها بروفاً من المنكرات والمحرمات، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله!
" الشيخ عبدالرحمن السديس"
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، وتمسكوا بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، واحذروا كل الحذر من الوقوع في هذه الأمور المبتدعة، ففي ذلك والله عزكم وصلاحكم وسعادتكم.
تذكرة للتحذير من البدع
أمر الله جلّ وعلا عند التنازع بالرجوع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} النساء59،
ولم يأمر باتباع الجاهلين ولا بالاغترار بغلطات المخطئين .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ "
وفي الصحيح أنه صلوات ربي وسلامه عليه قال :
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"
وفي صحيح مسلم : " كلُّ بدعة ضلالة ".
ولْيُعلَم أن حقيقة اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم هي التّمسك بسنته فعلاً فيما فعل وتركاً فيما تَرك فمن زاد عليها أو نقص منها فقد نقصَ حظُّه من المتابعة بحسب ذلك لكن الزيادة أعظم لأنها تقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}الحجرات1.
وليعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في أحاديث كثيرةٍ الحثُ على لزوم السنة والتحذيرُ من البدعة بجميع أنواعها وكافّة صورها، منها ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه" وغيرهما عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت لها الأعين ووجِلت منها القلوب قلنا: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودِّع فأوصنا قال:
((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبداً حبشيّاً، فإنّه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسّكوا بها وعضُّوا عليها بالنّواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور فانَّ كلَّ محدثة بدعة وإنَّ كل بدعة ضلالة)) (1)
وتأمّل قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:
((فإنّه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً)
فهذا فيه إشارة إلى أنّ الاختلاف سيقع والتفرّقَ سيوجد في الأمة، وأنَّ المخرجَ من التفرقِ والسلامةَ من الاختلاف إنما يكون بأمرين عظيمين وأساسين متينين لابد منهما:
الأولُ: التمسكُ بسنته صلى الله عليه وسلم ولهذا قال:
((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)).
والثاني: مجانبةُ البدع والحذرُ منها ولهذا قال:
((وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور فانَّ كلَّ محدثة بدعة وإنَّ كل بدعة ضلالة)).
ولعِظم هذا الأمر وجلالةِ قدره وشدة أهميته وضرورة الناس إلى فهمه وشدة العناية به كان صلوات الله وسلامه عليه في كلِّ جمعة إذا خطب الناس أكَّد على هذا الأمر العظيم ونوَّهَ به وذلك في قوله:
((أما بعد فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة ))(2)
فالواجب علينا ملازمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بهديه ولزوم غرزه واقتفاء أثره والحذرَ الحذرَ من كلِّ البدع والضّلالات بجميع أنواعها وكافَّةِ صورها.
هامش:
(1)المسند (4/126)، وصحيح ابن حبان رقم (5).
(2) صحيح مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه.
في الختام
بعد أن علمنا بطلان هذه البدع فلنبتعد عنها ولنحذر من الوقوع فيها فلنساهم في نشر هذه الحملة و لنعمل بقول الله تعالى :
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
فنحن أمة الخير أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تبارك وتعالى :
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
ألا وصلوا على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين!
{ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }