-
احسست باانفاس حاره على وجهيوفتحت عيني ببطئ.انتفضت بحركه لااراديه وفي نفس الوقت رأيتها تلوذ بالفرار.تظاهرت بالنوم عندما رأيتها تطل مره اخرى.وبعينين شبه مغمضتين رأيتها تعود مرة اخرى كانت تمشى بخفه.والابتسامه تعلو وجهها البريء
واقتربت من السرير من جديد.وقربت وجهها من وجهي .وهي تتأمل شئ ما في رأسي بتركيز اثار استغرابيماهو الشئ الغريب الذي يجعها تتفحصني بهذه الطريقه المريبه !!!
سحبت يدي من تحت الغطاء ووامسكت يدها بأحكاموحملتها بخفه ووضعتها في حظني بعد ما عدلت جلستي
كانت مستسلمه لي وابتسامه خجلى تعلو محياها
أي مشاعر غريبه اجتاحت كل خلية في جسمي.
قبلتها .قبله حملتها شوق وحنين سنين الحرمان التي مضت
سألتها:
- عرفتي من انا
بصوت عذب ردت:
- انت بابا
مااعذبها من كلمه.
بابا.
كلمة تغلغلت الى اعماق روحي وحنايا وجداني
وبصوت طفولي.
-انا اريج عرفتني.
- اكيد عرفتك.
وقفت ورجعت تتأملني .وهذه المره كانت تتأمل شعري بنظرات متفحصه.
ابتسمت بخجل عندما رأت نظراتي المتسائله.وبكل براءه :
- انت عندك شعر ابيض.
اثار سؤالها استغرابي اكثر من نظراتها الغريبه.
-شعر ابيض!!!
-ايه شعر ابيض
-ماادري انتي شوفي
اقتربت اكثر. تجرأت وتفحصت شعري بااصابعهاالصغيره.وانا احاول ان اكتم ضحكتي
- الحمد لله مافيه ابيض.
ابتسمت بسخريه.اي شعر ابيض تبحثين عنه يااريج.والسواد الذي غطى حياتي منع أي بياض ان يتخلله حتى لو كان بياض الشيبفعالمي حالك السواد .يلفه اليأس من كل اتجاه
تنهدت بارتياح.
-علشان تنقهر افراح.
- من افراح
- بنت جيرانا.دايم تقول ابوك شعره ابيض.اللحين بقولها الحمد لله اني عندي ابو اثنين واحد شعره ابيض وواحد شعره اسود
ضحكت على براءتها ضحكه لم اضحكها منذ زمن بعيد.وزاد حقدي على من حرمت بسببه هذه السعاده.
جلست امامي
- قريت رسايلي اللي ارسلتها.
اجبتها بحيره.
-رسايلك!!
- اكيد قراها
جاني صوت سلمى المنقذ.
- اريج ابوي زعلان منك.ويسأل وينك
قفزت من فوق السرير بخفهوشعرها يتطاير من وراها
سألت سلمى بعد خروجها.
- وشي هالرسايل اللي تسأل عنها؟
- انا قايله لها انك مسافروكانت تكتب رسايل ورسومات وتطلب اوصلها لك.وكنت اوهمها انه وصلت لكواحيانا اكتب لها رسايل
بااسمك لها.
-تصدقين توقعت ما تتقبل وجودي بهالسهوله.
ضحكت .
-طول فترة غيابك.واريج ما تنام الا بعد مااحكي لها عن بابا.
وقصص بابا البطوليه.
بصوت ساخر.
- أي قصص بطوليه ياسلمى تحكينها لاريج.
وسمعت صوت اريج تنادي امها
- فيه قصص كثيره.بعدين احكيها لك ان شاء الله لكن اللحين اريج تنادي. اكيد عمي طلب منها تناديك.
خرجت خلفها بتردد.وانا اقدم رجل وااخر الاخرى
ورأيته واقف ينظر الي.خنقتني العبره عندما رأيته وقد امتلاءت عيناه بالدموع.هالني مظهره وقد انحنى ظهره.ورسمت المأساه خطوطها في وجهه على شكل تجاعيد عميقه.
.
.
.
.
كنت احتسي الشاي الساخن بشفتين فاترتين تجمد الاحساس فيهما.وعيناي مثبتتان على الدخان المتصاعد من كوب والدي .حتى اتحاشى النظر الى عينيه.وانا استمع اليه وهو يحكي لي كل التطورات التي حدثت في حياته بعد دخولي السجن.وعن انتقاله بعد المضايقات التي كان يواجهه .وعن متجره الصغير الذي استطاع من خلاله ان يكفل حياه مستوره لزوجتي وابنتي.
وبعد لحظات صمت سئلته سؤالي اليتيم الذي كان يدور في رأسي
- ماتت وانا ماطلبت منها تسامحني.تتوقع سامحتني
واطلق زفرة حرى
- الله يرحمها. عمرها ما شالت في قلبها عليك
- اللي ذابحني يابوي انها ماتت وانا بعيد عنها.نهايتها كلها تعاسه وحزن .وانا السبب.
- محمد ياولدي .امك ماتت الله يرحمها وهي تدعي لك في كل ساعه.وكانت تتمنى تشوفك وانت بين زوجتك وبنتكلكن الحمد لله على كل حال.انسى الماضي .وفكر في المستقبل وفكر في اهلك ومستقبلهم
أي مستقبل لانسان مثلي .كلمات رددتها في سري بسخريه
ربت بيده على كتفي بحنان.
- لا انا ولا امك قدرنا نشيل في قلوبنا عليك.انت والدنا الوحيد واملنا في هالحياه.احنا زعلانا على حالكلكن الحمد لله على كل حال.
- 4 –
ومرت الايام سريعا
كنت في المقهى بعد مضي اكثر من شهر من خروجي من السجنجالسا مع بعض الرفاق الذين تعرفت عليهم وانا في السجن.
كنت اقضي اغلب وقتي معهم ولا اعود الى البيت الا متأخرليس حبا في رفقتهم ولكن هروب من واقعيفقد اطلت الحقيقه بوجهها البشع بعد ايام من خروجي من السجن.ماانا الا سجين سابق.مستقبلي تحطمواصبح اشلاء متناثره ولن استطيع اعادت بنائه
حاولت ان اعود لحياتي الطبيعيه واكون ابنا بارا وزوجا محبا ووالدا حنونولكن لم استطع ان العب هذ الادوار
حاولت ولكن لم استطعفضول الجيران واسئلتهم هو من اكبر اسباب عدم ذهابي مع والدي متجره الصغير.
اين كنت مسافر
لماذا لم تأتي لارض الوطن قبل هذا اليوم
لما تركت والدك وهو في هذا السن يتحمل مسؤلية اسرتك؟
اسئلة كنت احاول تجنبها وتجنب اصحابها حتى ولو اتهمت بالكبر والغرور كما سمعت منهم
وصرت اكثر انعزالا واكثر انفرادا بنفسي
الا من رفقة السجن.فمأساتنا المشتركه ورفض المجتمع لوجودنا. قرب بيننا على اختلاف طباعنا.
ومع هذه الرفقه تعودت على عادات سيئه لم امارسها من قبل مثل التدخين.
لم ادخن وانا مراهق .ولم ادخن ايام محنتي في السجن .واشعلت اول سيجاره وانا رجلا في الخامسه والثلاثون من عمري
يالحظي العاثر !!!
كنت اظن ان حالي سيكون للافضل عند خروجي من السجن.ولكن
احسست باحباط ويأس شديد منذ وطئت قدمي خارج السجن
حتى اصحابي القدامى لم يزرني أي شخص منهم.ولم اعتب على احد مثل نواف وبدرمنذ ذلك اليوم في المطار لم ارهم ولو بزيارة وحيده.حتى والدي لم يرهم منذ دخولي للسجن
خرجت من المقهى الساعه الثانيه فجرامثل عادتي كل ليله لا اعود الابعد نوم الجميع
تجمدت وانا في طريقي لسيارتي بعد ما سمعت ضحكة اعرفها وامقت صاحبها.نظرت لصاحب الضحكهكان هو بشحمه ولحمه.
ياسر.
لم ينتبه لوجودي.كان راكبا سيارته ويكلم صاحبه الذي بجانبه
مشت السياره من جانبي وانا مذهول .
هل يعقل!!!
لم ابرح مكانيوانا غارقا في بحر من الافكار.
كانت حالته الماديه متوسطهومن المستحيل لمن هم في مثل حالته ان يركب تلك السياره الفارهه
كان هذا الياسر موضع شكي .وبعد رؤيتي لسيارته تأكدت شكوكي
يبدو انه يتاجر تجاره مربحه جدا.
توجت للبيت وانا احس بنار مشتعله بصدرينار الانتقام والحقد والنقمه من كل شئ.
وصلت لبيتي الغارق في السكونوانا اصعد الدرج تفاجأت بااريج تخرج من حجرتها وتطل برأسها
وصلت اليها وحملتها.اريج هي الوحيده التي ممكن انسى معها همومي ولو لدقائق بسيطه
بعد ما قبلتها انزلتها على الارض
- ليش ياشقيه للحين صاحيه ؟
- انتظرك.
- لا تنتظريني مره ثانيه.نامي بدري.
سألتني بلهفه.
- جبت الكراسه والالوان
وضعت يدي على حبيني بأسف.
-لا والله ما تذكرت
بحزن واسى رددت كلمتي
-ما تذكرت !!
-خلاص بكره اجيبها لك. ياللا روحي نامي ما علموك في المدرسه انه السهر مهوب زين.
هزت كتفيها بااسف ومشت حتى وصلت لحجرتها.وقبل وصولها التفتت الي وبحزن قالت.
-علموني في المدرسه انه السهر مهوب زين.وعلموني بعد انه الكذب حرام
حاولت ان امازحها.
-يعني انا كذاب
-ايه انت كذاب.
قالتها بااصرار.
وركضت الى حجرتها وهي تمسح دموعها
لو كنت في حال افضل لراضيتها.ولكن رؤية ياسر قلبت حياتي واعادت لي ذكريات ظننت اني نسيتها.
فتحت باب حجرتي لاجد سلمى جالسة تنتظرني.
كنت اعلم عن ماذا ستحدثني.فهذا هو حالنا كل ليله.
سمعتها بصوت لا اثر للانفعال فيه.
- محمد.
رددت عليها بملل
- نعم.
- ممكن اكلمك شوي.
تنهدت بضيق
- اجلي هالكلام للصبح اذا امكن
حاولت ان تتمالك اعصابها
- أي صباح الي تكون نايم فيه الى الظهر.ومن بعده تطلع وما نشوفك.
جلست على المقعد متأففا
-سلمى.لو سمحتي انهي هالنقاش
-محمد حرام عليك.مهوب مهم لا انا ولا انت.فكر في اريج وفي ابوك
سكتت قليلا لترى تأثير كلماتها علي واكملت.
-انك انسجنت مهوب نهاية الدنيا.كلنا ندري انك برئ وانه اتهمت ظلم.لا تعاقبنا وتعاقب نفسك .كفايه عقاب السنين اللي راحت.
ردتت عليها بسخريه.
-لا مهي كفايه.السجن عار بيظل معي حتى اموت.وحتى لو مت .بنتك لو كبرت اي واحد خطبها اول ما يدري عن ماضي ابوها بيتركها
-احنا انتقلنا من بيتنا القديم لهالسبب وما فيه احد يدري عن الماضي.
سألتها بسخريه.
-وهالفضولين جيرانك تظنين انه بتمر عليهم كذبة السفرلازم انه الحقيقه بتظهرفي يوم من الايام.
تنهدت بعمق.
-طيب واذا عرفوا انك كنت مسجون.وش بيصير اكثر من اللي صار؟!!!.علشانا انسى.وارجع لحياتك معنا.انت رجعت بجسدك.لكن روحك للحين ضايعه.
رددت عليها بأسى.
-لا مهي ضايعه الا ماتت من زمان.
قامت بعصبيه.
-انت ليش عايش في قوقعه منت راضي تطلع منها.انا كنت مسجون.انا اتهمت وانا برئ .انا عمري ضاع
ترى حتى انا كنت مسجونه.حبيبي وزوجي انتزع من بينا ظلم.وعمري ضاع وما لقيته الا لما شفتك.لكن رغم كل اللي صار.واجهت الكل بقوهوقمت بواجبي كزوجه زوجها مسافر ولازم يوم من الايام بيرجعوأم لبنت ماابي احسسها بفراق ابوها.
بصوت حاد اجبتها.
-مشكوره وما قصرتي.لكن ما وجهتي اللي واجهت ولا عشتي الا عشته.فلا تتكلمين عن شي ما حسيته!!
-وش اللي عشته وما عشته انا!!
وقفت بعصبيه.حتى صرت امامها وبغضب اجبتها
-انا اقولك.تدرين اول ما قبضوا عليكنت اقول اني برئ ومصر على برأتي.ما سألتي نفسك ليش غيرت اقوالي واعترفت.
عندما رأت الغضب يبرق من عيناي.تراجعت للوراء قليلا.
-اكيد ضغطوا عليك.
رددت كلماته بسخريه.
-ضغطوا عليك. الله مااسهلها من كلمه.تعرفين وشي الضغوط اللي مورست ضدي واعترفت.في السجن كلمة ضغوط لها دلالات كثيره.ويمكن كنت جبان.بعد ما شفت نماذج بشريه في السجن. اعترفوا بطرق بشعه. اعترفت قبل ما تهان ادميتي.واحفظ بقايا كرامه بعثرت بااتهامي.لكن الجبن صفه تذبح ياسلمى تذبح.
- محمد انسى كل اللي صار.
-انسى انسى انسىلا تذكرين هالنسيان.
بصوت يقطر اسى.
- وش تبيني اقولك.عش يامحمد في برجك المأساويواتركنا احنا ضحية هالمأساه.
-اعتبروني ما طلعت.او اعتبروني مت .
-بس انت طلعت وما مت.وقدامنا.تبينا نعيش الحرمان وانت معنا!!
-خلاص اعتبرين مش موجودومن اليوم ورايح بطلع من حياتكم.ومارح ارجع الا اذا عرفت من ورى كل اللي صار لي
سألتني.
-واذا عرفت وش بتسويبترفع عليه قضيه مثلا.وانت ادرى انه القضيه انتهت بسجنك ومافيه شي ممكن يفتحها.وعارف وش مصير هالقضايا اللي من هالنوع.
-اكيد عرف مصير هالقضايالكن صدقيني روحي ترخص في سبيل قضيتي.وياقاتل او مقتول
- يستاهل هالانسان انه تخسر حياتك
-مهوب عشانه بخسر حياتيبدفعها ثمن لعمري اللي راح هدر
-واحنا
- قلت لك اعتبروني ما طلعت.انا ياسلمى خريج سجون وزوج فاشل واب كذابانسوني خلاص
وخرجت من منزلي وصدى كلماتي يتردد في عقلي.
خريج سجون وزوج فاشل واب كذاب.كنت كغريق تتخبطه الامواج لتوقعه في ذلك المثلث المميت.خريج سجون وزوج فاشل واب كذاب.
هل ياترى ستظل حياتي حبيسة لذلك المثلث القاتل ؟!!!