ارتفعت همسات الطلاب في اختبار آخر العام لمادة الرياضيات للصف الأول الإعدادي في إحدى المدارس، وهم يتحاورون حول إجابة الأسئلة، خاصة وأن مراقب اللجنة هو الأستاذ فتحي، المعروف بالطيبة والتسامح مع حالات الغش، ودائمًا ما يغض الطرف عن الطلاب بحجة أنهم صغار، ولا يستحقون الرسوب حتى وإن لم يجتهدوا في المذاكرة.
وفي منتصف اللجنة يجلس التلميذ محمود، ممسكًا بقلمه، يحاول أن يتذكر إجابة السؤال الرابع، وعبثًا حاول أن يسترجع المعلومات المدفونة في عقله، ولكن لا فائدة.
وفي خضم تركيزه، حانت منه التفاتة إلى صديقيه محمد وباهر اللذين راحا يتبادلان الإجابات سويًّا، مستغلين طيبة الأستاذ فتحي، وقد أوشكا على الانتهاء من إجابة السؤال الرابع.
وهنا ينظر محمد إلى محمود ويقول بسخرية: أما زلت لا تريد الغش يا محمود؟ لقد انتهينا تقريبًا من إجابة كل الأسئلة، وقد لاحظت ورقتك وأنا متأكد أنك لم تجاوب السؤال الرابع حتى الآن.
لم يبد على محمود التأثر من كلام محمد، وقال بثبات: لا، لن أغش يا محمد مهما كان الأمر، حتى لو لم أجاوب على هذا السؤال.
بدا التعاطف على وجه باهر وهو ينظر لمحمود قائلًا: لا أعرف لماذا أنت مُصر على عدم الغش؟ يا أخي المدرس لا يرانا، وحتى لو رآنا أنت تعرف الأستاذ فتحي وطيبته، ونحن نغش من أول اللجنة ولم يفعل لنا شيئًا، ثم هل نسيت الجائزة التي وعدك بها والدك إذا حصلت على الدرجة النهائية في العلوم؟ بهذه الطريقة لن تحصل عليها أبدًا! واطمئن، فوالدك لن يعرف أنك حصلت عليها بالغش.
التفت محمود إلى باهر وخاطبه قائلًا: أنت لا تفهم، الأمر ليس في أن الأستاذ فتحي سيعاقبني، أو أن أبي لن يعرف بما فعلته، الأمر متعلق بما علَّمني إياه والدي، وربتني عليه أمي، أن الغش أمر يغضب الله تعالى، وأن النجاح المبني على الغش نجاح غير حقيقي، ولهذا فأنا لن أغش حتى لو غشت المدرسة بأكملها.
بدت الدهشة على وجه محمد وهو ينظر لمحمود قائلًا: أنت عجيب يا محمود، هذه أول مرة أرى فيها شيئًا كهذا، بالفعل أنت شخصية غريبة.
السلوك وأثرهثأأا في طفلك:
(نحن ننظر إلى أبنائنا ونتمنى أن يكون هناك مصمم للسلوك البشري يقوم بتفصيل ألوان من السلوك الراقي لهم، أو أن يكون هناك قطع غيار لسلوك لا يعجبنا في أبنائنا فنستبدله بسلوك آخر نراه مناسبًا.
ولكن هيهات ليس هناك مصمم سلوك بشري كمصمم الأزياء، وليس لنا الاختيار السهل لما نريد من سلوكيات نختاره لأبنائنا كما نختار أقمشة ملابسنا، وإنما هو الجهد البشري الذي نقوم به بأنفسنا، فيغيِّر الله ما بأبنائنا من سلوكيات لا نقبلها.
وفي كل الأحوال، لابد أن نعرف أن مهمة التربية ليست تفصيل إنسان على مزاجنا، ولكن تنمية استعدادات إنسان وتهيئته ليعيش بكامل قواه المعنوية والمادية في هذه الحياة، على نحو يحقق عبوديته لله تعالى، ويقدم قدوة السلوك الإنساني لكل الناس في كل الأرض) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(351)].
لقمان المربي:
ولنا أيها المربي الفاضي في لقمان الرجل الصالح، خير مثال للوالد الذي يريد أن يغرس السلوكيات الصحيحة في ولده، اسمع معي لهذه الآيات العظيمة، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 16-19].
(فهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.
وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها.
ونهاه عن التكبر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك.
وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصا بالحكمة، مشهورا بها. ولهذا من منة اللّه عليه وعلى سائر عباده، أن قص عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة) [تفسير السعدي،(1/648)].
أرشده إلى السلوك الحضاري:
Hshgdf hgjvfdm hgp]dem2013