معنى التضحية :
التضحية كلمة من حروف محدودة ، لكن معناها عظيم ثقيل بوزن الجبال الراسيات لا بوزن حروف هذه الكلمة ، وهي تحمل شحنات من المروءة ، والثبات على المبدأ ، والشجاعة ، والإحساس بواجب المرء تجاه المبادئ التي يحملها ، والفكرة التي آمن بها واعتقدها .
وقد شهد التاريخ وما يزال ، مضحين بذلوا وقدموا في سبيل ما آمنوا به من مبادئ ، وما حملوه من أفكار . وربما كانت تلك المبادئ والأفكار صحيحة ، وربما كانت خاطئة منحرفة ، لكن إيمان صاحبها بها دفعها إلى البذل والتضحية من أجلها وفي سبيلها .
تضحية أسمى من تضحية :
لكن تضحية المسلم أعلى وأسمى من غيرها من التضحيات . فهي تضحية غايتها نيل رضاء الله عز وجل والتقرب منه . ويرجو صاحبها شيئاً وراء هذا العالم ، فهي تضحية تخترق أهدافها الزمان والعوالم ، وتسمو بعيداً عن دوافع الشهرة وحب المديح ، وبعيداً عن الحقد وحب الانتقام .
وهكذا فإن تضحية المسلم عطاء وبذل في سبيل الدين دون انتظار مقابل في الدنيا ، ومن غير دوافع شخصية رخيصة . وهي بهذا تعبير رائع عن التجرد والإخلاص والتحليق والرفعة . وهي عنوان على نقاء المضحي من الأنانية وحب الذات ، وعلى امتلاء القلب باليقين بموعود الله سيحانه ، والرغبة في الآجل الباقي ، والإعراض عن العاجل الفاني . فما أحلاها وأروعها من كلمة ، وما أجمل ما تحمله من معان وتفيض به من دلالات !.
أهمية التضحية :
إن الصراع بين الحق والباطل قديم مستمر لم يتوقف ولن يتوقف ، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . قال تعالى : (ولا يزالون مختلفين) وقال أيضاً : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وما دام الأمر هكذا فلابد للحق من أقوام يدفعون عنه عدوان المعتدين ، ويحفظونه من عبث الضالين المبطلين . وهيهات أن تقوم للحق قائمة أو أن يكون له وجود إلا بالتضحية والبذل ، قال سبحانه : (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) .
نعم إن الحق بحاجة إلى من يحيمه ويدفع عنه ، ولم يكن سدنة الشر ليكفوا عن الحق ويتركوه لأنه حق فحسب ، بل لابد من وجود من يتصدى لهم ويقارعهم . وهل يكون ذلك دونما بذل وتضحية ؟! فلا حياة للمبادئ من غير تضحية ، ولا قيام للدعوات والأفكار إلا بها . وعلى أكتاف المضحين تنهض الدعوات وبتضحياتهم تحيا وتعيش ، وتجتاز المحن والصعاب وتحطم السدود والقيود . وما كان للجبناء المتخاذلين الذين يُؤثرون الدعة ، ويقدسون المصلحة الشخصية والسلامة الذاتية ، أن يحملوا دعوةً ، أو يدافعوا غن حق ، أو أن يحرسوا أسوار الدين ، ويذودوا عن حياضه ومبادئه .
التضحية الطوعية :
قد ينصب البلاء على المسلم من أجل دينه ، ويُمتحن بأنواع الشدائد في سبيل فكره وعقيدته ، فيصبر ويتحمل ويثبت ولا يرتد أو ينكص على عقبيه .
وهذا اللون من التضحية أقرب إلى الصبر على البلاء ، والثبات في المحن ، وهذا مرتبة عالية ومنزلة سامية .
لكن الأعلى من ذلك أن تكون التضحية طوعاً ، يهجم المسلم عليها من غير إكراه ، ويتقدم نحوها مختاراً ولا تُفرض عليه ، وهذه هي التضحية الحقة ، كمن يقتحم صفوف العدو في قتال شرس محتدم ، وقد غلب على ظنه أنه مقتول في خضم هذا النزال . وكم يجعل جسمه دريئة واقية يدفع بها سهام الأعداء ، ويحمي إخوانه من سيوفهم ، ولا يبالي بما يصيبه بسبب ذلك .
ومن عظيم تدبير الله أن هذا الإنسان الذي اندفع كالسيل لا يبالي أوقع على الموت ، أم وقع الموت عليه ، قد ينجو فلا ينال ما أمله من شهادة ، ولربما لم يُكلم .
وقد نسجت الأحاديث النبوية الشريفة على منوال القرآن الكريم ، وشجعت على التضحية بالنفس والمال والراحة والسمعة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " وقال صلى الله عليه وسلم : " لموضع سَوطِ أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها "
قال صلى الله عليه وسلم : " لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأُخفت في الله وما يُخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة ، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال ".
وقد حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الشِّعبْ ثلاث سنين ، حتى أكلوا ورق الشجر ، كل ذلك في رضا عن الله ، وتضحية من أجل الإسلام .
وقصة الطائف وما أصابه من أهلها صلى الله عليه وسلم معروفة مشهورة .
أما يوم أحد فقد شُجّ رأسه وكُسرتْ رَباعيته ودخلت حلقتان من المغفر في وجنته ، وكان صلى الله عليه وسلم يسلت الدم بيده ويقول : " كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟! ".
وما من صحابي من الصحب الكرام إلا وله قصة عجيبة في التضحية والبذل .
فقد خرج أبو بكر رضي الله عنه عن ماله كله أكثر من مرة .
وتبرع عمر رضي الله عنه بنصف ماله .
وتبرع عثمان لجيش العسرة وجهزه من ماله .
وخرج الصحابة رضوان الله عليهم من دورهم وتركوها لكفار مكة ، مهاجرين في سبيل الله إلى المدينة المنورة .
أما سعد بن الربيع رضي الله عنه فقد وجدوا فيه أكثر من ثمانين جرحاً ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح ، فما عرفته إلا أخته ببنانه .
فأين المضحون الذين يؤثرون ما عند الله . يقدمون الغالي ليفوزوا بالأغلى بالنعيم الخالد.
أيها الشباب : إن الإسلام يناديكم فأروا الله من أنفسكم خيراً .
gh pdhm gglfh]z lk ydv jqpdm