معرفة مباديء التنشئة السليمة


مال البستاني على زهوره، فلاحظ نشاطًا محمومًا في شرفة بالقرب منه، وبعد الفحص اكتشف البستاني أن فراشة تريد أن تخرج من الشرنقة فقام بعمل ثقب لكي تخرج منه الفراشة، وبعد لحظات، خرجت الفراشة متعددة الألوان إلى يد البستاني، ولكن بعد أن تحطمت أجنحتها ووقعت على جانبها ميتة!
هكذ، ماتت الفراشة لأنها كانت تحتاج إلى الكفاح والنضال داخل الشرنقة لكي تقوي أجنحتها من أجل الطيران، ولذا فإنها لا تستطيع أن تصبح قوية بما يكفي لكي ترتفع فوق الحديقة وتحلق في يوم من أيام الربيع الهادئة.
الآباء والفراشة:
ومثل هذا البستاني سلوك بعض الآباء الذين يميلون إلى الرعاية الزائدة لأطفالهم، فيحلون لهم كل مشاكلهم ظنًّا منهم أن هذا يجعل حياتهم أسهل، ولكن الحقيقة أن هذا يؤذيهم لأننا نحرمهم من تطوير الحكمة لديهم من خلال التجربة والخبرة.
إن القلب الرحيم للبستاني قد منعه أن يجلس بعيدًا ويراقب كفاح الفراشة، فكانت النتيجة أن رحمة الآباء لن نستطيع رؤية أبنائنا يمارسون الحياة في قوة وسعادة إذا لم نتركهم يشقون طريقهم وسط النسيج الخشن الذي تحيطهم بها شرنقة الحياة.
نعم، إن أبناءنا لن يدروا جمال القمم الجبال حتى يقاسوا صعوبة الوديان ويعانون صعوبات صعودها، فإن لم يقاسوا هذا الصعوبات في صعود قمم النجاح؛ فإنهم بلاشك ساقطون في بحر الحرمان.
أعده ليكون كقطز:
ينتظر البعض من هذا الدين – ما دام منزلاً من عند الله – أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب! ودون أي اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقاتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أي مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم.
وحين لا يرون أنه يعمل بهذه الطريقة، وحين يرون أن الطاقة البشرية المحدودة، والواقع المادي للحياة الإنسانية، يتفاعلان معه، فيتأثران به – في فترات – تأثرًا واضحًا، على حين أنهما في فترات أخرى يؤثران تأثيرًا مضادًّا لا تجاهه، فتقعد بالناس شهواتهم وأطماعهم، وضعفهم ونقصهم، دون تلبية هتاف هذا الدين، أو الاتجاه معه في طريقه.
وحين يرون هذا فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها - ما دام هذا الدين منزلاً من عند الله – أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته، أو يصابون بالشك في الدين إطلاقًا!
وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد أساسي: هو عدم إدراك هذا الدين وطريقته، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.
(إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية؛ وفي حدود الواقع المادي حينما يتسلم مقاليدهم، ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية وبقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة وليس بطريقة سحرية غامضة الأسباب) [هذا الدين، سيد قطب، ص(1-2)].
وهذا يعني أن مشكلة تخلف المسلمين يجب أن ننظر إليها كمشكلة "مجتمع" لا مشكلة "دين" فالإسلام حق لا يجادل فيه منصف، ولكن المسلم ينطبق عليه ذات السنن الكونية التي لا تحابي أحدًا من البشر، ولا يفيد معها "تعجل" الأذكياء ولا "أوهام" الأصفياء.
ربِّ ولدك على صناعة النهضة:
من هنا فإن المسلم لابد أن يوقن أن العمل والكدح في واقع الحياة هو الذي يخط مصير المسلمين في واقع الحياة، وأن ملكية الحق لا تكفي للنصر في الأرض إلا أن يكون من يحمل هذا الحق "يكدح" و"يعمل" من أجل ما يملكه من الحق.
ولأن هذا هو اليقين الذي يجب أن يكون عليه المسلم، فإن التربية الإسلامية في أمس الحاجة لصناعة الإنسان المتحضر الذي يرفض الكسل والقعود والاتكال، عن النهضة بهذا العالم والمرور به دون تغيير أو إعمار، ليجعل العمل والإبداع المتواصل في واقع الحياة هو نسيج حياته من لحظة الوعي، وحتى ساعة الحساب.
ويبذل في ذلك كل الجهد، ويمارس العمل والكدح في واقع الحياة، يمارسه وهو يؤمن أن (الكدح – وهو العمل في واقع الحياة – هو العبادة الدائمة التي يقوم بها المسلم، والتي يتزود – من أجل القيام بها – بذلك الزاد الروحي العميق الذي تمنحه إياه الشعائر التعبدية، حين يقوم بها على صورتها الحقة من الخلوص إلى الله، والتجرد إليه، والخشوع والخشية والإخبات) [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، ص(204)].
إن عبودية الله توجب عليه (أن لا يفرط في نصيبه من مقومات الحياة الدنيا كشأن أهل التصوف الخطأ والدروشة، بل لابد له من خوض معركة الحياة، وتسخير جميع الماديات واكتساب ما أمكن منها بالطريقة المباحة، ليتمكن من أداء رسالته في الحياة بالإنفاق في سبيل الله من كافة الوجوه، ويتماسك مع إخوانه المؤمنين، فتكون لهم اليد الطولى التي يقدرون بها على الصلاح والإصلاح في الأرض، لأن ما في الدنيا من المقومات المادية الهائلة سلاح خطير إذا سبق إليه أهل الباطل وظفروا به كان وسيلة فعالة للتحكم في الناس وإفساد دينهم ودنياهم، وما جرى للمسلمين إنما هو بسبب الأفكار التي أقعدتهم عن الأخذ بأسباب القوة والهيمنة على الدنيا، والتفوق على أهلها، وفسحت المجال لأهل الكفر) [صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العطيم، الشيخ عبد الرحمن الدوسري، ص(79)].
إن طبيعة العبودية لله سبحانه وتعالى تقتضي بتفوق المسلم العابد في كل ميادين الحياة، ولا يكون ذلك إلا من خلال العلم الجاد، ومن خلال معرفة المسلم كيف "يسارع " وكيف "يسبق"؟ ومن ثم تصحيح الفهم الخاطئ للزهد الذي يدفع إلى الفقر، بل ويجعله من سمات الصالحين!
عزيزي المربي:
(قل لابنك: إن نصيب أمتنا من الساعات في اليوم كنصيب أية أمة أخرى، ولكننا إذا كنا نعرف شيئًا اسمه الوقت، فإنا في الحقيقة لا ندرك معناه، ولا نعرف كيف نستثمره، وهذه كارثة أن يضيع وقتنا هباء كما يهرب الماء من ساقة خربة!
ودرِّبه على تخصيص نصف ساعة – على سبيل المثال – لأداء عمل معين، لأن هذه "النصف ساعة" تؤكد في عقله أهمية الوقت فلا يضيعه سدى، ومن ثم يرتفع حصاده العقلي، واليدوي، والروحي وهذه هي الحضارة) [مستفاد من شروط النهضة، مالك بن نبي، ص(141)].

luvtm lfh]dx hgjkazm hgsgdlm