طرق مدح الطفل ورفع معنوياتهم

دمعاتٌ قد تجمعت في عيني "أم الوليد" لم تستطع أن تخفِها وهي تتذكر وتقول:
لقد مرت عليّ ساعة كاملة وأنا أعدد لابني "الوليد" - 10سنوات- مساوئه وأخطاءه
"أنت ولد غير مطيع تتأخر كلما أرسلتك في قضاء حاجة، وتهمل دروسك، ولا تشبع من اللعب، ولا تقدر قيمة وقتك ووووو

كل ذلك وولدي صامت يسمعني ولا أعطيه أي فرصة للرد أو الدفاع عن النفسإلى أن قال:
كل ذلك يا أمي؟ ألم تجدي في الوليد أي شيء طيب تذكرينه؟

لقد أفقت على سؤاله ونظرة عينيه لي المليئة بمشاعر الظلم والإحباط، لأعود وأوجّه نفس السؤال مرة أخرى إلى نفسي:
أليس في ولدي شيء طيب أذكره؟

بلى والله إنّ فيه الكثير فهو مؤدب، ومجتهد في دراسته، محافظ على صلاته، عطوف على إخوته الصغار إذن ما هو السبب الذي كان يجعلني أتحامل عليه بهذا الشكل؟

ومن هنا بدأت صفحة جديدة مع أبنائي جميعاً، بعد أن أدركت أنني قد لا أتحمل أن أعيش ليل نهار مع أناس لا يرون إلا عيوبي ولا يُسمعونني كلمة مدح أو إطراء واحدة.

عزيزي القارئ الكريم

إن توجيه عبارات المديح الصادق والمنضبط يعدّ سلوكاً تربوياً ناجحاً وفعّالاً، وهو احتياج نفسي للصغير والكبير مهما كان مستواه الإيماني والأخلاقي والفكري والثقافي، ومع ذلك قد يغفل عنه الكثير من الآباء والأمهات، فلا يحفلون بالسلوك الحسن من أبنائهم، وكأنه الأساس الذي من المفترض أن يتصرف الطفل بناءً عليه، بينما يحظى سلوك أطفالهم بالاهتمام والانتباه عندما يكون سيئاً أو غير مقبول الأمر الذي من شأنه أن يجعل الطفل يربط بين السلوك السيء والحصول على انتباه الوالدين فيمعن فيه ويتمسك به.

وفي دراسة أجرتها الجمعية البريطانية لمكافحة العنف ضد الأطفال (nspcc) في عام 2001 ثبت أنّ 78% من جملة الأطفال الذين شملتهم الدراسة يحرصون على كسب استحسان الآباء بشكل كبير، فالأغلبية العظمى من الأبناء يسعون لأن ينال أداؤهم استحسان آبائهم.


غيِّر بؤرةَ تركيزك!

إنّ المشكلة قد تكون في نظرة المربي لولده وليست في ولده نفسه.
فالكثيرون يحلو لهم أن يمضوا أوقاتاً طويلة في تعداد مساوئ الأبناء، بل مساوئ الجيل بأكمله، ويتحسرون على الزمن التربوي الجميل الذي مضى ولن يعود!

وتلك صورة من صور العجز التربوي، وعدم الإنصاف في الحكم على الأبناء، فالأبناء مهما كثر حراكهم ومتاعبهم؛ فإن لهم مميزات ضمّنها الله تعالى فيهم، وما هذا الشغب إلا جزءا من طبيعتهم الطفولية، كما أنهم من قلة خبرتهم يخطئون وتتكرر أخطاؤهم، ومن قرب عهدهم بهذه الحياة يحتاجون منّا إلى الصبر والمساندة، حتى يشتد عودهم ويكتسبوا ما يلزمهم من خبرات ومعارف.

فحريٌ بكل من يربي أن يغير ما في بؤرة تركيزه، فيحولها إلى التركيز على السلوك الجيد لولده.
حقاً إنّ الناس يتفاوتون فيما بينهم، ولكن لا يخلو أحد منهم من شيء جميل فعلاً أو قولاً أو سلوكاً فاختر شيئاً جميلاً في أبنائك وحدّثهم عنه، ولن تعدم أن تجد في أبنائك الكثير والكثير من روائع الخصال والفعال.
امدحه ولا تقطع عنقه!

إنّ مدح السلوك الجيد والخلق القويم يعتبر من أفضل وسائل التدعيم والبناء التربوي السليم للطفل، بشرط أن يكون متوازناً، لا إفراط فيه بحيث يجنح بالأبناء إلى العجب والغرور وانتفاش النفس، ولكن مدحاً واعياً مصوّباً لتعزيز السلوك الجيد والخلق الحميد، ولتشجيع المهارات المبدعة والمواهب الكامنة.

وليكن مدحك وأنت مقتنع غير مجامل:
فالطفل يعرف بإحساسه وذكائه متى تكون صادقاً في مدحك ومتى تكون مجاملا مبالغاً؛ لذلك علينا أن نمدح ما يستحق المدح من إيجابيات حقيقية، مع الابتعاد عن أسلوب المدح للمدح أو التفاخر أو المبالغة المضرة، وهو المدح السلبي الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذّر منه في قوله للذي رآه يبالغ في مدح أخاه: "ويلك قطعت عنق صاحبك"رواه البخاري.

وخير ميزان يضبط عليه المربون مديحهم لأبنائهم؛ هو أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لآل بيته وللصحابة ولأبنائهم، بعبارات المدح الصادقة، يذكرهم فيها بأفعالهم العظيمة وصفاتهم الطيبة، فقد امتدح أصحابه كثيراً في حضورهم وعند غيابهم بما فيهم من خير، روى البخاري عن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن خضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو ابن الجموح" رواه الترمذي، وحسنه وصححه الذهبي والألباني.
ومن كمال مدحه لصحابته إطلاق أفضل الألقاب عليهم مثل: سيف الله، وأسد الله، وأمين الأمة والصدّيق وأكثر أمتي حياءً والطيّار.
نِعْمَ الغلام نِعْمَ الرجل!

ولم يتوقف المدح النبوي على الكبار فقط، بل امتد ليشمل الصغار أيضاً، وذلك لحاجتهم إلى المدح الصادق أكثر من غيرهم لتثبيت الجوانب الإيجابية في نفوسهم، وتشجيعهم على الخير، فهذا زيد بن ثابت يشترك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان فيمن ينقل التراب يومئذ مع المسلمين، فلما رآه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة من الجد والنشاط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً له: "أما إنه نعم الغلام" (رواه ابن عبد البر في الاستيعاب وضعفه).

وروى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: "كان الرجل في حياة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكنت غلامـًا شابـًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع". فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً "

ولماذا نمدح الأبناء؟

إنّ المدح الصادق يجلب لأبنائنا الصلاح والتقويم الهاديء والفعّال لسلوكياتهم الخاطئة، ولأنهم يحبون من يمدحهم ويتمنون لقاءه باستمرار، وكذلك يتشوقون لسماع نصائحه وتوجيهاته، فقد أعطاهم صورة طيبة عن أنفسهم، ورسم لهم آفاقاً عالية ثم دعاهم إلى بلوغها، وأوصل لهم رسالة أنهم جديرون بالوصول إليها!

أمّا من يذمهم صباح مساء، فيكون على قلوبهم ثقيلا، وفى أعينهم بغيضاً، حتى لو كان من أقرب المقربين إليهم.

ولو يعلم المربون أن كلمات التوبيخ واللوم المستمر التي يملؤون بها آذان أبنائهم، لا تدفعهم إلى الأمام بقدر ما تصيبهم بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس لكفّوا عنها فوراً، ولقاموا بنقل تلك العدسة المكبرة التي يسلطونها على أخطائهم إلى التركيز على الإيجابيات والأعمال الحسنة التي تصدر منهم.

وإنّ المادح يدفع غيره نحو التمسك بالخير كما أنه يوطّد العلاقة بينه وبين من يمدحه، أما الممدوح فإن كلمات المدح تسرى في جسده سريان النسيم فتشبع حاجته النفسية، وتشعره بالتقدير والفرح والحب والسعادة، وتشجعه على فعل الخير والتمسك بالحق كما يشرح المدح صدره ويساعده على الاستفادة من مواطن الخير في جنبات نفسه.
عزيزي المربي:

إنّ مدحك لأبنائك يزرع لديهم الشعور بالطمأنينة، وبأنهم أُناس مرغوبٌ فيهم، كما أنّ غياب مدحك عنهم يوصل لهم رسالة مفادها أنك لا تحبهم! أو لا يهمك أمرهم، أو أنك لا تعترف بقدراتهم واستقلاليتهم، فحاول أن:

1- تتعرف على الجوانب الإيجابية في حياة ولدك:
في جلسة هادئة أمسك (أيها الأب أو الأم) قلماً وورقتين، وفى الورقة الأولى اكتب مميزات ابنك الجسمانية والعقلية والفكرية والخلقية والإيمانية والعلمية والرياضية، وفى الورقة الثانية اكتب سلبياته في كل هذه الجوانب، وسوف تذهلك النتيجة، وسترى إلى أي درجة قد نظلم أبناءنا بتركيزنا على سلبياتهم وإهمالنا لإيجابياتهم مع سبق الإصرار والترصد.

2- التركيز على الإنجاز لا على الشخص لذاته:
الإنجاز هو كل ما يصدر عن الطفل من سلوك جيد أو خلق طيب، فيمدح كل ما يصدر عن الطفل من إنجازات مهما كانت ضئيلة في نظرنا، فهي بالنسبة للطفل كبيرة قياسا مع قدراته الذاتية، على أن يكون المدح بعبارة واضحة مصوِّباً على السلوك الممدوح هكذا:
- أحترم فيك يا أحمد محافظتك على الصلوات الخمس في وقتها تماماً!
- ما أحسن كرمك مع إخوتك الصغار وعطفك عليهم!
- حرصك على أداء واجباتك ومذاكرتك من أحسن مميزاتك التي منحك الله تعالى إياها يا أحمد!
- لقد رتبت الأوراق على المكتب، ووضعت الأقلام في مكانها هذا فعلاً ما أسميه نظام ونظافة!

3- مدح المحاولات ولو لم تكن إنجازاً:
الطفل في بداية عمره يحاول فينجح أحياناً ويخفق أحيانا أخرى، وهذه سنة الله في خلقه فينبغي أن نشجع ونمدح حتى المحاولات التي لم يحالفها النجاح لأبنائنا، ولنحذر من تثبيط الطفل أثناء محاولاته حتى لا يصاب بخيبة الأمل وضعف الثقة في النفس، ولنتعلم نحن المربين من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أحلك الظروف وحصار الأحزاب يعد أصحابه بالنصر ويزرع فيهم الثقة في نصر الله، ثم في قدرتهم على الصبر والثبات والنجاح.

4- كن جاهزاً للمدح ولا تؤخره عن وقته:
يتعزز السلوك الإيجابي والإنجاز لدى الطفل لو أسرعت بمدحه ساعة تحقيقه، وهو أحسن المدح وأكثره إيجابية، كما أنّ لحظة الإنجاز عادة ما ترافقها مشاعر السعادة والفرح، وهى لحظات مهمة لربط الطفل بكلمات إيجابية تصبح جزءاً من دوافعه الإيجابية الراسخة في شخصيته على مر الزمن.
فلو سمع منك كلمة (ما شاء الله) أو (ما أروعك) أو(بارك الله فيك) في لحظة سعادته بإنجاز ما، فسترتبط هذه الكلمات بكل المشاعر الإيجابية عنده وستشكّل حافزاً مستمراً له نحو العمل والإنجاز.


'vr l]p hg'tg ,vtu luk,dhjil