الأم التي يحلو لها في مثل هذه الليلة أن تستعيد حكايات جدتها تقول:‏


ـ كان ياما كان. في قديم الزمان‏



تقاطعها الكبرى:‏


ـ عرفنا الحكاية كان هناك ثلاث بنات يغزلن. حتى يأكلن.‏


ترد الأم وهي تتنهد:‏


ـ لا. لم تحزري ليست هذه هي الحكاية.‏


تنبر الوسطى:‏


ـ ثلاث بنات خياطات. يشتغلن في قصر السلطان. والصغيرة اسمها (حب الرمان)‏


وهي التي أضاعت (الكشتبان).‏


تضحك الأم وتقول:‏


ـ بل الوسطى التي اسمها حب الرمان. وهي التي عن قصد وعمد رمت في الماء الكشتبان.‏


تكمل الصغرى:‏


ـ ذلك لأنها كسولة. وملولة. لاتحب الإبرة والخيطان. وتتلهى مع أولاد الجيران.‏




الكبرى تسأل:‏


ـ وما اسم البنت الأولى إذن؟‏


تقول الأم:‏


ـ قمر الزمان.‏


ـ والثالثة؟ /تسأل الصغرى/‏


تجيب الأم:‏


ـ اسمها نيسان.‏


وبينما الأم ترد الأغطية فوق البنات صرخن محتجات:‏


ـ نريد حلماً. لاحكاية. نريد حلماً حلم. حلم.‏


ـ حسناً/تقول الأم/ ـ أغلقن النوافذ وأطفئن النور ولتطلب كل واحدة منكن حلماً لها وسأضعه قبل أن أنصرف تحت مخدتها.‏


قالت الكبرى:‏


- أنت اعطينا ياأمي أنت اعطينا . دائماً أنت تعطيننا أكثر من أحلامنا‏


ـ أعطيك مهراً أشقر جميلاً. بل أبيض تكبرين ويكبر معك، وتصبحين فارسة.‏


همست الكبرى لأختيها:‏


ـ وكيف سأتصرف مع الحصان الصغير؟ كيف سأعتني به بطعامه وشرابه بنومه وصحوهبلهوه وجريه؟ لا لا أريد لماذا لاتعطيني أمي سيارة بيضاء ونظيفة أدير محركها في لحظة فتحملني إلى حيث أشاء؟‏


قالت الأم للوسطى:‏


ـ وأنت أعطيك خمسة أرانب بيضاء جميلة. تلك التي في الحديقة. تلاعبينها كالقطط، وتتسلين بمنظرها. بتكاثرها وتوالدها.‏


همست الوسطى لأختيها:‏


ـ ولماذا لاتعطيني فراء هذه الأرانب؟ فأصنع منها قبعة وقفازات، وربما صنعت معطفاً.‏


قالت لها الكبرى وهي تضحك:‏


ـ والخياطات الثلاث سيساعدنك في ذلك.‏


أكملت الوسطى:‏


ـ بل هما اثنتان لأن الصغرى عاقبوها فطردوها من العمل وأنزلوها إلى المطبخ لتقشر الثوم والبصل.‏


وقبل أن تعطي الأم للصغرى أي شيء بادرتها هذه قائلة:‏


ـ أما أنا فأريد فراشة ملونة. أجنحتها زرقاء ووردية. لابل صفراء وبنفسجية تنتقل بين الزهور بلطف وحبور. تنشر الأحلام وتطويها. أليست أميرة الطبيعة في جبالها وبساتينها وبراريها؟‏


وقبل أن تتم كلامها كانت قد استغرقت في النوم.‏


عند الفجر اشتدت العاصفة أكثر وأكثر حطمت النوافذ والأبواب اقتلعت الخزانات كسرت المرايا. بعثرت الثياب وأطارت كل شيء. وأفاق الجميع خائفين مذعورين.‏


وقفت الأم مع بناتها الثلاث حائرات واجمات فلا بيت يأوين إليه ولاسيارة يركبنها وهن يرتجفن من البرد.‏


صهل حصان صغير عن بعد كأنما هو يعلن عن نفسه.‏


قالت الكبرى:‏


ـ هذا حصاني ماكان أغباني ظننت أن الحلم لن يتحقق.‏


وقالت الوسطى وهي تمد يديها الباردتين إلى قفص الأرانب:‏


ـ ما أجملها ما أدفأها ماأنعمها. عددها أكثر من خمسة. سبعة. عشرة، لاأدري ، كنت أحبها ولاأدري. تحتاج صغارها من يرعاها. وأنا سأرعاها.‏


أما الصغرى فقد نظرت حولها ولم تكن هناك فراشة واحدة بعد العاصفة فقد جرفتها كلها، قالت:‏


ـ لكنني أنا دوماً معي حلمي. فراشتي هنا في قلبي لا هنا في رأسي. لا هنا في عيني.‏


ودمعت عيناها وهي ترى أجنحة الفراش تتطاير في الهواء، وظلت تردد:‏


ـ آه. ما أجملها فراشة. فراشتي.

rww h'thg ggfkhj