الملاحظات
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 28

الموضوع: رواية الجرائم الابجدية

  1. #11  
    - لا شك ان الحادث كان صدمة رهيبة لزوجته المسكينة؟
    - ان الليدي كلارك تكاد تعيش في شبه غيبوبة بسبب المورفين واعتقد انها في حالة لا تكاد تسمح لها بمعرفة ما يجري تماما.
    وكنا عندئذ قد خرجنا من باب الحديقة الكبيرة إلى ساحة الغولف وبعد ان اجتزنا ركن الساحة اخذنا نهبط في حارة ملتوية شديدة الإنحدار وقال فرانكلين كلارك وهو يشير إلى نهاية الحارة:
    - انها تؤدي إلى شاطىء "البري كاف" ولكن البلدية أنشأت منذ عامين طريقا فرعيا يمتد من الطريق العام ويؤدي إلى شاطىء "برود ساندر" ومنه إلى "البري كاف" ولهذا السبب قلما يستعمل احد هذه الحارة للمرور.
    وسرنا في الحارة حتى راينا في نهايتها ممرا يؤدي إلى شاطىء البحر وبعد ان سرنا فيه بين جوانب صخرية ورملية وعرة وجدنا انفسنا نشرف من مرتفع صخري على البحر وعلى الشاطىء الرملي المرصع بالأحجار البيضاء وكانت الأشجار تحيط بالمنطقة كلها وتصل إلى حافة الماء وعلى الجملة كان المنظر ساحرا بألوانه الطبيعية التي جمعت في مكان واحد بين خضرة الشجر وصفرة الرمال وبياض الصخور وزرقة الماء وهتفت قائلا رغما عني ما أجمل هذا؟
    واستدار فرانكلين كلارك نحوي بلهفة وقال:
    - اليس المنظر جميلا فعلا؟ انني لا ادري لماذا يترك الناس مثل هذه المناطق الساحرة ويذهبون إلى الريفيرا لقد جبت معظم انحاء العالم في مختلف مراحل عمري واشهد امام الله انني لم اجد منطقة اجمل منظرا من هذه.
    وكأنما تذكر الموقف ورهبته فخجل من نفسه وعاد إلى الحديث الجاد الرزين وقال:
    - هذا هو الطريق الذي كان يتمشى فيه اخي كل مساء انه كان يأتي إلى هذه البقعة حيث يستريح قليلا ثم يعود من نفس الممر ولكنه بدلا من ان ينحرف في نهايته شمالا إلى الحارة ينحرف في نهايته يمينا فيسير في بعض الحقول حتى يعود إلى القصر.
    وأومأ كروم براسه وعدنا من الطريق الذي اعتاد السير سيرميكال كلارك ان يعود منه حتى وصلنا إلى نقطة في منتصف المسافة الباقية على الوصول إلى القصر وفي جانب من احد الحقول حيث عثر رجال الشرطة على جثة المجني عليه وأومأ كروم براسه قائلا:
    - كان الأمر سهلا جدا لقد تربص القاتل المجهول لأخيك وراء هذه الشجرة ثم فجأه من الخلف.
    وارتعدت الفتاة التي كانت واقفة بجانبي وقال فرانكلين كلارك:
    - تمالكي نفسك يا تورا ان الموقف عصيب فعلا ولكن لا جدوى من الإنهيار العصبي.
    - تورا جراي؟ انه اسم مناسب للفتاة.
    وعدنا إلى البيت حيث علمنا ان الجثة رحلت منه بعد ان تم تصويرها وفيما نحن نصعد السلم الواسع رايت الطبيب يخرج من احدى الغرف وفي يده حقيبته السوداء فسأله كلارك قائلا:
    - هل لديك ما تقوله لنا يا دكتور؟
    فهز الدكتور راسه وقال:
    - الحالة واضحة وسوف احتفظ بالتفصيلات لجلسة التحقيق ولكنني أؤكد ان المجني عليه لم يتعذب لحظة فقد كان الموت مباغتا سريعا.
    ثم اردف قائلا:
    - لسوف أصعد لأرى الليدي كلارك.
    وأقبلت ممرضة مستشفى من نهاية الدهليز فمضى الطبيب إليها وصحبهاودخلنا الغرفة التي رايت الطبيب يخرج منها ولكنني لم ألبث ان خرجت منها مسرعا حيث وجدت تورا جراي واقفة على راس السلم وقد ارتسمت على وجهها امارات عجيبة فقلت لها متسائلا:
    - مس جراي؟ هل حدث شيء؟
    فحملقت في وجهي برهة ثم قالت بانفاس لاهثة:
    - انني افكر في الحرف "د".
    فنظرت إليها ببلاهة وقلت:
    - الحرف "د".
    - نعم الجريمة التالية لابد ان تفعلوا شيئا لابد ان تحولوا دون وقوعها بأي ثمن.
    واقبل فرانكلين كلارك من الغرفة وقال:
    - ماذا بك يا تورا؟ ماهذا الذي تقولينه؟
    - أقول يجب وقف هذه الجرائم بأي ثمن.
    فقال وهو يعض على نواجذه:
    - نعم طبعا انني اريد ان أتحدث مع المسيو بوارو عن عن
    ثم ارسل العبارة التالية على غير انتظار:
    - عن المفتش كروم هل هو كفء للقيام بهذا العبء؟
    فقلت له:
    - ان المعروف عنه انه من أكفأ رجال إدارة المباحث العامة.
    فصمت كلارك برهة ثم قال:
    - ان لدي خطة تؤدي إلى الإيقاع بذلك المجرم المجهول يا مسيو بوارو ولكننا سنتحدث عن هذا في وقت آخر و الآن سأذهب لأرى الليدي كلارك.
    ونظرت إلى المس جراي فلما رايت امارات التفكير العميق مرتسمة على جبينها قلت لها بعد تردد بسيط:
    - فيم تفكرين يا مس جراي؟
    - انني اتساءل اين هو الآن ذلك القاتل لقد مضت إثنا عشرة ساعة منذ وقوع الجريمة الثالثة اليس ثمة ساحر يمكن ان يقول لنا اين هو الآن؟ وماذا يفعل؟
    - ان رجال الشرطة يعملون
    وافاقت تورا جراي من ذهولها على كلماتي العادية ثم أومأت براسها وقالت:
    - أجلطبعا.






    رد مع اقتباس  

  2. #12  
    وفيما هي تهبط درجات السلم رحت اردد في ذهني كلماتها:
    "ترى اين هو الآن؟ وماذا يفعل؟"

    ***
    غادر المستر الكسندر بونابرت سوست مسرح توركاي مع الخارجين بعد ان استمتع بمشاهدة الفيلم العاطفي جدا"ليس عصفورا" ورمش بعينيه في شمس ما بعد الظهيرة وتلفت حوله كعادته دائما او على الأصح كما يفعل الكلب الضال في الحياة وغمغم لنفسه " انها لفكرة"
    وانطلق باعة الصحف حوله يصيحون "آخر طبعةمجرم مجنون في بلدة سيرستون " وكانوا يحملون لافتات مكتوبا عليها بالخط العريض "جريمة سيرستون آخر طبعة" ودس المستر سوست يده في جيبه فوجد قرشا اشترى به نسخة من احدى الصحف المسائية ولكنه لم يتصفحها فورا ومضى إلى حدائق "البرنس جاردنز" حيث سار في بطء وتمهل إلى مقعد يواجه مينا توركاي فجلس عليه وفتح الصحيفة حيث واجهته العناوين الرئيسية بهذه الأنباء"مصرع السير سيرميكال كلارك"، " مأساة رهيبة في بلدة سيرستون " "المجرم المجهول مجنون رهيب" وتحت هذا كله قرأ ما يلي "روعت البلاد منذ شهر واحد بمصرع الفتاة الشابة الحسناء بيتي بارنارد في مصيف بكسهيل ولعلنا نذكر انه وجد بجانب الجثة دليل "ا.ب.س" للسكة الحديدية وكذلك عثر رجال المباحث على دليل من هذا النوع بجانب جثة السير سيرميكال كلارك ومن ثم يرى رجال المباحث ان مرتكب الجريمتين مجرم واحد فهل يمكن ان يكون ثمة مجرم مجنون يعبث فسادا في مصايفنا"
    وغمغم الشاب في قميص ملون وبنطلون رمادي كان جالسا بالقرب من المستر سوست قائلا:
    - شيء مزعج.
    وجفل المستر سوست في جزع ولكنه تمالك نفسه وقال:
    - آهأجل أجل
    ولاحظ الشاب ان يدي الرجل الكهل الجالس بجانبه ترتعدان بحيث كان عاجزا عن امساك الصحيفة بهما فقال له:
    - ان الإنسان لا يستطيع ان يواجه مجرما مجنونا كهذا بالطرق المألوفة وأعجب من هذا ان الواحد منهم لا تبدو عليه مظاهر الجنون في اغلب الأحوال.
    - اعتقد هذا
    - ويلوح ان الحرب هي المسؤولة عن كثرة هذه الإصابات العقلية.
    - اظن انك انك على حق في هذا.
    - انني ابغض الحرب
    فالتفت المستر سوست اليه وقال:
    - كلنا نكره الأوبئة ومرض النوم والمجاعات والسرطان ولكنها مصائب لابد من وقوعها.
    فقال الشاب بلهجة تأكيد:
    - ولكن الحروب مصائب من الممكن تلافيها.
    وضحك المستر سوست ضحكا عاليا ولمدة طويلة وجزع الشاب بعض الشيء وقال لنفسه "ان الرجل مجنون" ثم قال بصوت مسموع:
    - انني آسف يا سيدي اعتقد انك اشتركت في الحرب الأخيرة.
    - أجل وقد اصابنتني في عقلي ان عقلي لم يعد كما كان ابدا ان الصداع يلازمني دائما بشكل لا يحتمل.
    - أوه انني آسف لهذا.
    - وفي بعض الأحيان أكاد لا اعرف ما افعله من فرط الألم
    فقال الشاب وهو ينهض مسرعا:
    - أحقا؟ آه يجب ان امضي الآن فاني على موعد.
    وبقي المستر سوست في مكانه واخذ الناس يسيرون امامه ذهابا وجيئة وكان معظمهم يتحدثون عن الجريمة وطوى المستر سوست صحيفته ودسها في جيبه ونهض في طريق العودة إلى المدينة وراى في طريقه فتيات كثيرات جميلات ضاحكات يغازلن بالنظرات والإبتسامات الشبان والرجال الذين يمرون بهن في الطريق ولكن لم تفكر واحدة منهن في ان تلقي مجرد نظرة واحدة على المستر سوست.






    رد مع اقتباس  

  3. #13  
    الفصل التاسع
    بوارو يلقي حديثا

    بينما كانت الصحف تمعن في الإثارة عن المجرم المجهول وتحذر الناس منه وتكتب بالخط العريض "انه قد يكون بجانبك الآن" كان بوارو من جانبه قد قرر ان يعقد اجتماعا مع اقرب الناس إلى الضحايا الثلاث ليتحدث اليهم وليحاول ان يعتصر منهم كل ما يمكن ان يكون مختزنا في عقولهم وكان الذين ارسل يدعوهم إلى الحضور هم:
    ماري دراور ابنة أخت المسز آسكر وميجان بارنارد ودونالد فريزر وتورا جراي وفرانكلين كلارك وفي اليوم المحدد للإجتماع وصل المستر كلارك اولا وقبل الموعد بنصف ساعة بناء على رغبة بوارو وقد قال بعد ان تبادلنا معه التحية واستقر في مجلسه:
    - انني يا مسيو بوارو غير مطمئن إلى كفاءة المفتش كروم اعتقد ان هذه الجرائم تحتاج إلى عبقرية بوليسية خاصة ولولا المشاغل الكثيرة التي ينبغي ان اقوم بها بعد وفاة اخي لخصصت وقتا اطول لكي اضع نفسي تحت امركم ولكي اتعاون معكم على منع وقوع الجريمة الرابعة.
    - إذن فأنت ترى ان المجرم سيستمر في ارتكاب جرائمه
    - حسب الترتيب الأبجدي ألا ترى انت هذا؟
    - بكل تاكيد
    - إذن يجب ان ننظم انفسنا لمقاومته.
    - ألديك اقتراح بهذا الشأن؟
    - ما دمنا نحن اقارب المجني عليهم سنجتمع الليلة هنا فلماذا لا نكون فيما بين انفسنا " فرقة خاصة" تعاون رجال المباحث في الإيقاع بالمجرم الرهيب؟
    - فكرة جيدة.
    - يسرني انك موافق عليها ولاشك اننا بتعاوننا معا قد نعثر على الرجل الغريب الذي كان يحوم حول مسرح كل جريمة قبل ارتكابها.
    - وهل تقترح ان تنضم المس جراي إلى هذه الفرقة رغم انها غير قريبة لأحد المجني عليهم؟
    فاضطرم وجه كلارك وقال:
    - اعتقد انها ستعاوننا كثيرا لأنها عملت مع اخي سنتين وهي تعرف المناطق المجاورة لمسرح الجريمة الأخيرة معرفة تامة كما تعرف معظم المقيمين فيها بصفة دائمة اما انا فقد كنت غائبا عن البلاد فترة طويلة تبلغ نحو عام ونصف عام.
    فقال بوارو بعطف:
    - كنت في الشرقفي الصين؟ اليس كذلك؟
    - نعمكنت اشتري لأخي مجموعات التحف الخزفية الثمينة التي تعرض في الأسواق العالمية لاسيما في الصين نفسها.
    - حسنا يا مستر كلارك لا شك انت كنت ذا فائدة كبيرة لأخيك الراحل.
    وبعد نصف ساعة كنا جميعا نجلس حول المائدة الإجتماع وكانت الفتيات الثلاث يختلفن كل الإختلاف من ناحية المظهر والشكل فتورا جراي الصارخة الجمال الناصعة البياض ميجان بارنارد الخمرية ذات الشعر الأسود الأثيث ووجهها الجامد التعبير الشبيه بوجوه الهنود الحمر وماري دراور بثوبها الأسود البسيط ووجهها الذي ينم عن البراءة والذكاء اما الرجلان فكان فرانكلين كلارك بجسمه الكبير ووجهه الملوح ولباقته في الحديث يختلف كثيرا عن دونالد فريزر الهادىء الرزين الخجول وبدأ بوارو الحديث قائلا:
    - ايها السادة والآنسات انتم تعرفون من اجتماعنا هنا فبرغم ان رجال الشرطة لا يالون جهدا في اداء واجبهم للقبض على ذلك المجرم المجهول إلا انني اعتقد ان اتحادنا نحن اصحاب الشان في هذه الجرائم قد يؤدي إلى كشف بعض الغموض الذي يكتنف هذه الجرائم.
    وبعد برهة صمت استطرد يقول:
    - اننا الآن امام ثلاث جرائم راح ضحيتها سيدة عجوز وفتاة في ميعة الشباب ورجل كهل وليس يربط بينهم جميعا إلا ان الجاني عليهم رجل واحد وهذا يعني ان هذا الشخص الواحد كان موجودا في اماكن الجرائم الثلاث وليس من شك ايضا في ان هذا الرجل ـ وقد يكون امرأة ـ على جانب كبير من الدهاء رغم اختبال عقله وذلك لأنه استطاع حتى الآن ان يفلت من ايدينا والا يترك وراءه اي اثر يقودنا اليه.
    وصمت بوارو برهة اخرى قبل ان يستطرد قائلا:
    - إلا ان هناك معالم يمكن ان تحدد الشخصية ذلك المجرم المجهول ويمكن ان توضح بعض الغموض الذي يكتنف الموقف فمثلا انه لم يذهب إلى بكسهيل في منتصف الليل ليجد امامه فتاة يبدأ اسمها بالحرف "ب" على الشاطىء جاهزة للقتل
    وهنا قال دونالد فريزر بصوت ينم عن الألم النفسي العميق:
    - هل يستلزم الأمر ان ندخل في هذه التفصيلات؟
    فقال بوارو مستديرا اليه:
    - من الضروري جدا ان نناقش كل صغيرة وكبيرة في هذه الجرائم فالموقف لا يحتمل المجاملة او مراعاة العواطف الخاصة كنت اقول ان المصادفة وحدها لم تكن المسؤولة عن التقاء المجرم المجهول بالمس بيتي بارنارد لابد انه كان هناك نوع من التمهيد وحرية الإختيار اي لا بد انه قام بعملية استطلاعية لمسرح الجريمةكان عليه اولا ان يتأكد من بعض الحقائق وكان عليه ان يحدد افضل وقت يرتكب فيه جريمة اندوفر وان يعرف خير مكان يرتكب فيه جريمة بكسهيل وان يلم بعادات السير سيرميكال كلارك ولهذا اعتقد انكم في مجموعكم تعرفون اشياء في قرارة انفسكم دون ان تدركوا انكم تعرفونها.
    ولما ارتسمت امارات الدهشة وعدم الفهم على وجوهنا جميعا ابتسم بوارو وقال:
    - ان العقل قد يختزن معلومات غامضة لا تظهر الا بالحديث والمناقشة واذا كان هذا موضوع المناقشة محددا فربما كان في ذهن كل منكم جزء معين بشأن هذا الموضوع والحديث وحده هو الذي يجمع هذه الأجزاء لكي تتضح جميعا في صورة واحدة.
    وهنا تمتمت ميجان بارنارد قائلة:
    - كلا!.
    فلما نظر بوارو إليها متسائلا اردفت قائلة بصوت ينم عن اليأس:
    - مجرد كلام نظري لا يعني شيئا.
    - ان الكلام يا آنسة هو الثوب الذي يبرز الأفكار.
    وقالت ماري دراور:
    - اعتقد يا مس بارنارد ان المسيو بوارو على حق فليس كالحديث المتبادل بين عدد من الأشخاص في موضوع واحد محكا لإبراز آراء وصور ذهنية وذكريات كانت مختزنة في اعماق الذهن البشري.
    فقال كلارك:
    - وانا اوافق هذا الراي.
    - ما رايك يا مستر فريزر؟
    - انني ارتاب في جدوى هذه الطريقة.
    - وانت يا مس جراي؟
    - اعتقد ان استعراض وجهات النظر بالحديث المتبادل عن موضوع معين لابد ان ياتي بجديد في هذا الموضوع.
    وهنا قال بوارو:
    - إذن ارجو من كل منكم ان يعتصر ذاكرته كل ما يمكن ان يتذكره قبل وقوع الجريمة ولنبدأ بالمستر كلارك.
    فقال المستر كلارك وهو يجمع بيديه ثنايا جيبه:
    - ماذا فعلت في صباح اليوم الذي قتل فيه اخي؟ آه ذهبت للصيد في زورق شراعي وقد اصطدمت ثماني سمكات كبيرة من نوع " الماكريل" وكان الجو صحوا وعدت إلى البيت في موعد الغداء واذكر ان الحساء الإيرلندي كان بين اصناف الطعام ونمت ثم استيقظت وشربت الشاي وكتبت بعض الرسائل وفاتني وضعها في الصندوق في الموعد المناسب فركبت السيارة في بلدة بابيتون لأصدرها وعدت في موعد العشاء واني لا اشعر بالخجل حين اقول انني قرات للمرة الثانية كتاب مغامرات نسبيت الذي كنت مشغوفا به منذ عهد التلمذة ثم رن جرس التلفون.
    فقال بوارو مقاطعا:
    - لا داعي لأن تذكر ما حدث بعد هذا لأنه لا يهم وانما المهم هو ان اتذكر هل رايت احد وانت في طريقك إلى الصيد صباحا.
    - كثيرا من الناس.
    - هل يمكنك ات تتذكر شيئا عنهم او عن بعضهم؟
    - لا شيء الآن.
    - هل انت متاكد من هذا؟
    - دعني اتذكر آه اذكر انني رايت سيدة بدينة لفتت نظري بثوب سباحتها الأصفر المخطط وكان معها ورايت شابين يلاعبان كلبا صغيرا على البلاج وفتاة ذهبية الشعر كانت تضحك عاليا وهي تسبح عجبا ان بعض الذكريات تطفو فجأة كأنها الصور المتحركة.
    - حسنا جدا وبعد ذلك ألم ترشيئا امام البيت او في الحديقة او عندما خرجت لتصدير رسائلك؟
    - رايت في الحديقة البستاني يروي الشجر وكدت اصطدم بصبي يركب دراجة اثناء ذهابي إلى بابيتون وسمعت امرأة تتشاجر بصوت مرتفع مع صديق لها هذا كل ما اتذكر
    والتفت بوارو إلى المس جراي وقال لها:
    - وانت يا مس جراي؟
    فقالت بصوتها الواضح الرزين:
    - فرغت من مراسلات السير سيرميكال في الصباح وتحدثت مع مدبرة البيت في البرنامج اليومي وكتبت بعض الرسائل وانشغلت بعد الظهر ببعض اشغال الإبرة والواقع ان من العسير ان اذكر كل شيء فقد كان اليوم من الأيام الرتيبة العادية واخيرا اويت إلى فراشي في ساعة مبكرة
    - وانت يا مس بارنارد ألا يمكن ان تتذكري ماذا حدث في آخر مرة رايت فيها اختك؟
    - رايتها قبل وفاتها بأسبوع وكنت قد عدت إلى البيت لأقضي نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد وكان الجو لطيفا فذهبنا إلى مصيف هاستجز حيث سبحنا في بحيرته المشهورة.
    - وعن اي شيء كان حديثكما معظم الوقت؟
    - عنفتها كثيرا على ميلها إلى اللهو والعبث بلا تحفظ.
    - وماذا ايضا؟ عن اي شيء كان حديثها هي؟
    - تحدثت عن ضيق ذات يدها وعن قبعة جديدة وفساتين للصيف وعن دونالد قليلا وقالت ايضا انها
    لا تحب زميلتها في العمل ميللي هيجلي وضحكنا كثيرا على تصرفات مارون مديرة المقهى ثم لا أتذكر اكثر من هذا.
    - معذرة يا مستر فريزر ألم تذكر لك مس بارنارد اي شيء عن رجل ما كانت تنوي ان تقابله؟
    فقالت ميجان بصوت جاف:
    - انها ما كانت لتجرؤ ان تقول لي شيئا من هذا القبيل.
    واستدار بوارو إلى دونالد فريزر بشعره الأحمر وقال:
    - مستر فريزر عندما ذهبت لإنتظار بيتي حتى تخرج من المقهى ألم تشاهد احدا لفت نظرك بصفة خاصة؟
    - لاكان المصيفون كثيرين.
    - ألم يلفت نظرك شخص معين منهم؟ حاول ان تعتصر ذهنك.
    فقال الشاب بعناد:
    - لم أر غير اشخاص عاديين لم يكن بينهم واحد يلفت النظر.
    - وانت يا ماري دراور اعتقد ان خالتك كانت تراسلك.
    - أجل سيدي.
    - متى آخر رسالة ارسلتها اليك؟
    فكرت ماري برهة قبل ان تجيب قائلة:
    - قبل وفاتها بيومين.
    - وماذا قالت فيها؟
    - قالت ان الشيطان العجوز ـ تعني زوجها ـ حاول ان يبتز منها المال زيادة عن المبلغ المتفق عليه ولكنها افزعته وجعلته يهرب عن وجهها وانها كانت تتوقع حضوري إليها يوم الأربعاء يوم عطلتي الأسبوعية لنذهب إلى السينما وكان ذلك يوم عيد ميلادي ايضا يا سيدي.
    وطفرت الدموع في عيني ماري ولكنها سرعان ما تمالكت نفسها ثم قالت:
    - معذرة يا سيدي لقد غلبني الحزن على امري وان بعض الذكريات
    فقال كلارك:
    - اني ادرك شعورك يا مس دراور فان بعض الذكريات البسيطة قد يكون لها اكبر الأثر على النفس فمثلا انا لا انسى ما حييت منظر سيدة صدمتها سيارة كبيرة فقتلتها وكانت جثتها ملقاة وبجانبها حذاء جديد تناثر من صندوقه لقد خيل الي ان الحذاء يرقد في حزن واسى بجوار السيدة التي ماتت قبل ان ترتديه.
    وهنا هتفت ميجان قائلة بشيء من الحماس:
    - هذه هي الحقيقة نعم هذا ما يحدث حقا لقد حدث نفس الشيء لأختي بيتي ذلك ان امي كانت قد اشترت جوربين لتقدمهم إليها هدية اشترتها في نفس يوم مصرعها وقد رايت امي بعد ذلك وهي تمسك الجوربين وتبكي بحرارة وتقول "اشتريت هذين لبيتي"؟ "اشتريت هذين لبيتي ولكنها لم تراهما"!
    وتململ دونالد فريزر في مقعده وبادرت تورا جراي إلى تغيير مجرى الحديث قائلة:
    - ألا تفكر في وضع خطة معينة للمستقبل؟
    فقال فرانكلين كلارك وقد استعاد حالته الطبيعية:
    - طبعا طبعا فعندما تصل الرسالة الرابعة يجب ان نوحد جهودنا و إلى ان يحدث هذا ارجو ان يحاول كل منا ان يستعيد في ذهنه كل الذكريات عن حياته قبل وقوع كل جريمة مباشرة وما راي المسيو بوارو اخيرا؟






    رد مع اقتباس  

  4. #14  
    - ان لدي بعض المقترحات.
    فأسرع فرانكلين كلارك وتناول من جيبه مفكرة وقلما وقال:
    - عظيم جدا اذكرها لنا بالترتيب.
    - اعتقد ان الجرسونة ميللي هيجلي ربما تعرف شيئا قد يفيدنا في هذا الموضوع.
    فقال كلارك وهو يكتب:
    - 1ـ ميللي هيجلي
    واقترح طريقتين لإستدراجها إلى الحديث اما ان تثيرها الآنسة ميجان حتى تدفعها إلى الإفضاء بكل ما تعرفه عن بيتي وعندئذ قد نعرف الرجل المجهول الذي قيل انها تنزهت معه مرتين واما ان يقترب المستر فريزر إليها ويتظاهر بمغازلتها ويستدرجها للحديث عن بيتي في هذا الشأن وهنا قال دونالد فريزر:
    - هل هذا ضروري؟
    - لا ليس ضروريا ولكنه مجرد محاولة.
    وعندئذ اسرع فرانكلين كلارك يقول:
    - هل أجرب انا هذه الطريقة مع ميللي هيجلي يا مسيو بوارو؟ فان لي وسائلي الخاصة في الحديث الجذاب مع الفتيات
    وقالت تورا جراي بحدة:
    - وهل لديك وقت فراغ كاف للقيام بمثل هذه المحاولات؟
    فتلاشت الإبتسامة من وجه فرانكلين وهو يقول متراجعا:
    - آه صدقت يا تورا ان اعمالي كثيرة في هذه الأيام
    وقال بوارو:
    - أعتقد انه لا يوجد شيء كثير يحتاج إلى اهتمام خاص في البيت يا مستر كلارك وربما كان في مقدور المس جراي ان تحل محلك في القيام
    فقاطعته تورا جراي بقولها:
    - ولكني تركت عملي في قصر السير سيرميكال كلارك.
    - آه انني لم اعرف هذا.
    وقال فرانكلين كلارك:
    - من الطبيعي ان تفضل المس جراي البحث عن عمل مناسب في لندن بعد وفاة اخي.
    فتنقل بوارو بنظراته الحادة بين الإثنين ثم قال فجأة:
    - كيف حال الليدي كلارك؟
    واضطرم وجه تورا جراي بينما قال فرانكلين كلارك:
    - في اسوأ حال وبهذه المناسبة هل يمكنك يا مسيو بوارو ان تذهب لمقابلتها لقد اعربت عن رغبتها في رؤيتك.
    - بكل تاكيد يا مستر فرانكلين كلارك هل يمكن ان اقوم بزيارتها بعد غد؟
    - حسنا لسوف اخبر الممرضة بذلك حتى تجعلها في حالة تستطيع معها ان تقابلك.
    واستدار بوارو إلى ماري دراور وقال:
    - وانت يا مس دراور اعتقد ان في مقدورك ان تقدمي لنا خدمة جليلة اذا ذهبت وتحدثت مع بعض الأطفال من جيران خالتك في اندوفر.
    فقالت ماري بدهشة:
    - الأطفال؟
    - نعم ان الأطفال عادة ينفرون من الغرباء ولكنهم لن ينفروا من الحديث معك ومن المحتمل جدا ان يكون احدهم قد راى شخصا غريبا عن البلدة وهو يذخل دكان خالتك او وهو يحوم حوله.
    وقال كلارك:
    - وماذا عني وعن المس جراي هذه اذا لم اذهب إلى بكسهيل.
    ولما تردد بوارو برهة قال كلارك مستطردا:
    - مارايك لو انني نشرت اعلانا في الصحف موجها إلى المجرم المجهول اقول له فيه ان هيركيول بوارو يعرف عنه الكثير وان في مقدوري انقاذه اذا ما دفع مائة جنيه وليكن نص الأعلان هكذا " رسالة عاجلة إلى "ا.ب.س" ان "ه.ب" وراءك، مائة جنيه لسكوتي اتصل ب"ل.م.ن" انها فكرة بدائية ولكنها قد تفيد".
    - هذا ممكن جدا.
    - ان هذا الإعلان قد يغريه باطلاق النار علي.
    فقالت تورا جراي بحدة:
    - انها فكرة خطرة وحمقاء.
    - ما رايك يا مسيو بوارو؟
    فابتسم بوارو وقال:
    - اعتقد انه لا ضرر منها ومعذرة يا مستر كلارك فانه يلوح لي انك ما زلت طفلا في اعماق نفسك.
    فاضطرم وجه فرانكلين كلارك وقال وهو يكتب في مفكرته:
    - حسناان البرنامج الآن هو:
    أ ـ المس بارنارد مع المس هيلي.
    ب ـ المستر فريزر مع المس هيجلي.
    س ـ المس دراور مع أطفال اندوفر.
    د ـ الإعلان.
    ورغم ان هذا البرنامج كان في رايي لن يؤدي إلى شيء مهم الا انني رايت انه لن يؤدي إلى ضرر في الوقت نفسه.
    وبعد لحظات قليلة انفض الإجتماع






    رد مع اقتباس  

  5. #15  
    الفصل العاشر
    الرسالة الرابعة

    كان طابع الحزن واضحا على قصر السير سيرميكال كلارك عندما ذهبنا في الموعد المحدد لمقابلة الليدي كلارك ولعل جو سبتمبر المقبض كان له اثر في شعورنا بذلك الطابع الحزين المخيم على القصر وكانت معظم غرفاته مغلقة والستائر مسدلة على نوافذها كما ان الغرفة التي جلسنا ننتظر فيها كانت رطبة كئيبة واقبلت ممرضة محترفة ينم مظهرها على الكفاءة وقالت:
    - المسيو بوارو؟ انني الممرضة كابستيك وقد تلقيت رسالتك التي ذكرت فيها موعد حضورك لزيارة الليدي كلارك.
    - أرجو ان تكون في حالة صحية تسمح بمثل هذه الزيارة.
    - الواقع ان حالتها الصحية احسن قليلا.
    - اني سعيد إذ اسمع هذا.
    - الواقع ان الدكتور ليجون اتبع معها طريقة جديدة للعلاج ورغم ان التحسن بطىء الا انه واضح.
    - ولكن يقال انها لن تسترد صحتها مهما يكن الحال.
    فقالت الممرضة وقد صدمها هذا الحديث الصريح:
    - ان الإنسان مهما بلغت براعته في الشؤون الطبية لايستطيع ان يصدر حكما جازما كهذا.
    - ولكني اعتقد ان وفاة زوجها كانت صدمة عنيفة لها.
    - ربما يكون هذا صحيحا لو انها كانت في حالتها الطبيعية اما وهي الآن في شبه غيبوبة فاعتقد ان الصدمة ليست بالقوة التي تظنها.
    - اسمحي لي ان اوجه اليك هذا السؤال يا مس كابستيك.
    - هل كانت الليدي كلارك شديدة التعلق بزوجها؟
    - أوه أجل لقد كان الإثنان زوجين سعيدين ولا عجب ان شعر المسكين السير سيرميكال بأشد
    الجزع عليها حين علم حقيقة مرضها ويمكن القول ان احزانه بسببها كانت بالغة جدا في اول الأمر.
    - في اول الأمر؟ وبعد ذلك؟
    - لا تنس ان الإنسان يتعود على كل شيء حتى على المرض المزمن وقد اعتاد السير سيرميكال على مرض زوجته فخفت احزانه بعد الصدمة الأولى ثم لا تنس هوايته في جمع الخزف الثمين وليس كالهواية عزاء للإنسان في مثل هذه الكوارث لقد كانت تشغله كثيرا لا سيما عندما يذهب إلى المزادات الكبيرة في لندن او عندما يقضي الساعات الطوال مع المس جراي في تصنيف المجموعات وترتيبها.
    - آه المس جراي لقد تركت الخدمة هنا كما علمت.
    - نعم وانه لأمر يدعو للأسف ولكن للزوجة عذرها لا سيما إذا كانت مريضة حين يمتلىء راسها بالهواجس والشكوك واني لشديدة الإعجاب بالمس جراي عندما رفضت ان تناقش الليدي كلارك فاعتزلت الخدمة فورا.
    - اذن فالليدي كلارك هي التي امرت بطردها؟
    - طبعا.
    - هل كانت تكرهها دائما؟
    - لا لم تكن تكرهها في اول الأمر بل على العكس كانت تميل إليها حسنا كفى ثرثرة من جانبي الآن ان الليدي كلارك في انتظاركما.
    وصعدنا معها إلى غرفة بالطابق الأول وكانت غرفة مضيئة لطيفة جيدة الأثاث وقد راينا فيها الليدي
    كلارك جالسة على مقعد وثير بالقرب من النافذة وكان وجهها الهضيم ينم على الألم والإرهاق كما كانت شاردة زائغة النظرات قالت الممرضة:
    - هذا هو المسيو بوارو الذي اردت ان يزورك.
    فقالت السيدة في غموض وذهول:
    - آه نعم المسيو بوارو.
    ولما صافحته قال وهو يقدمني إليها:
    - هذا صديقي هاستنغز يا ليدي كلارك.
    - كيف حالك يا كابتن هاستنغز
    ولاح لي انها استغرقت فجأة في غيبوبة بعدما جلسنا على مقعدين بالقرب منها.
    ولكنها لم تلبث ان هزت راسها كأنما تفيق من حلم ثم تقول:
    - اننا سنتحدث عن كار اليس كذلك عن مقتل كار.
    ثم تنهدت وهي تهز راسها كأنما تتحدث إلى شخص مجهول واستطردت تقول:
    - من كان يظن ان نهايتنا ستكون هكذا نهايته ستكون قبل نهايتي؟ ولكنها الدنيا.
    ومرة اخرى عادت تقول وكأنما تحدث نفسها:
    - لم اكن اصدق ابدا انه سيموت في الستين لقد كان يتمتع بصحة جيدة وان من يراه كان يحسبه في الأربعين من عمرهولكن.
    وبعد برهة صمت أخرى طويلة قالت فجأة:
    - نعم انني شاكرة لكما لحضوركما لقد طلبت من فرانكلين ان اراك يا مسيو بوارو ووعدني بان يبلغك رغبتي وكل ما ارجوه الا يرتكب حماقة من هذه الحماقات التي يندم عليها الرجل فيما بعد لا سيما في مسالة الزواج انه رغم بلوغه الأربعين من العمر سهل الإنقياد واعتقد ان معظم الرجال هكذا امام الفتيات الجميلات وهذا يدل على انهم اطفال في اعماق نفوسهم ولا سيما فرانكلين انه دائما طفل رغم مرور الأعوام.
    فقال بوارو:
    - اعتقد انه مندفع بطبيعته.
    - أجل أجل انه مندفع وعلى جانب كبير من الشهامة لا سيما مع الفتيات وانا اعتبر ان هذه ليست
    شهامة وانما حماقة وهكذا كان كار ايضا!
    وتلاشى صوتها قليلا وعاد إلى الصمت وبعد برهة تمتمت قائلة:
    - الم المرض قاس لا سيما إذا كان مصحوبا بنوبات من الألم فالمريض يعيش في قلق دائم لا يعرف متى ستهاجمه النوبة التالية وهل سيهاجمه الألم او سيتوقف نهائيا آه معذرة.
    - انني اقدر مشاعرك يا ليدي كلارك والحياة مليئة بالمآسي.
    - أجل أجل ولكن المرض يجعلني اذهل عما حولي في بعض الأحيان عن اي شيء كنا نتحدث؟ آه نعم
    - عن شيء يتعلق بوفاة زوجك.
    - وفاة كار مقتله يا للمسكين ويا للمجرم المسكين لا شك انه مجنون ولا شك ان جنونه نشأ بسبب هذه الحياة المليئة بالسرعة والضجيج التي نعيش فيها هذه الأيام انها حياة لم تعد تطاق اني دائما اشفق على المجانين فلا شك ان عقولهم المضطربة تثير فيهم اغرب الإنفعالات ثم ان سجنهم في مكان منعزل امر رهيب مزعج ولكن ماذا يمكن للمجتمع ان يفعل غير هذا؟ لا سيما إذا بدأوا يقتلون الأبرياء.
    ثم التفتت نحو بوارو وسالته فجأة:
    - الم تقبضوا عليه بعد؟
    - لا لم نقبض عليه بعد.
    - لا بد انه كان يتسكع بالقرب من القصر في ذلك اليوم.
    - اننا في موسم الإصطياف يا ليدي كلارك والغرباء عن البلدة يكثرون بطبيعة الحال.
    - أجل أجل نسيت هذا ولكنهم عادة يبقون عند الشواطىء ولا يصعدون إلى المنزل.
    - لم يقترب من المنزل احد الغرباء في ذلك اليوم يا ليدي كلارك على كل حال.
    فقالت السيدة بحماس مفاجىء:
    - من قال هذا؟
    فأجاب بوارو مدهوشا:
    - الخدم والمس جراي.
    - هذه الفتاة كاذبة.






    رد مع اقتباس  

  6. #16  
    وحملقت إلى الليدي كلارك مدهوشا بدوري بينما استطردت هي تقول:
    - انني لا احبها ولم احبها ابدا وكان كار شديد الإعجاب بها وبكفاءتها وكان يقول دائما انها فتاة يتيمة وحيدة في الحياة وما عيب اليتم انه احيانا يكون رحمة وبركة عندما يكون للأبناء والد سكير عربيد فاسد الأخلاق وام بلهاء.
    وحاولت الممرضة ان تهدىء ثائرتها ولكن الليدي كلارك استطردت قائلة:
    - لقد امرت بفصلها من الخدمة بعد وفاة كار مباشرة والعجيب ان فرانكلين حاول بكل وقاحة ان يبقيها ويقنعني انها قد تكون ذات فائدة لي انه احمق مندفع انه طفل في قرارة نفسه وانا لا اريد ان يختلط بفتاة ذات اهداف بعيدة مثلها لقد امرت باعطائها مرتب ثلاثة اشهر وخروجها من البيت فورا وقد ذهبت وهي تتظاهر باللطف والدعة يا لها من فتاة داهية
    ومرة ارخى بذلت الممرضة جهدها لتهدئة الليدي كلارك فلما هدأت قال بوارو:
    - لماذا قلت انها كاذبة يا ليدي كلارك؟
    - لأن هذه هي الحقيقة الم تقل لكم انه لم يقترب احد الغرباء من القصر في ذلك اليوم؟
    - نعم.
    - حسنا جدا لقد رايتها بنفسي بعيني هاتين من هذه النافذة تتحدث مع رجل غريب تماما عن الناحية امام مدخل البيت.
    - متى كان هذا؟
    - في صباح اليوم الذي قتل فيه زوجي في نحو الساعة الحادية عشرة صباحا.
    - وماذا كان شكل الرجل؟
    - كان رجلا عاديا لا يميزه شيء عن غيره.
    - هل كان سيدا او بائعا؟
    - لا لم يكن بائعا ولكنه كان رجلا رقيق الحال كما بدأ من ملابسه.
    واختلج وجهها بألم مفاجىء فقالت الممرضة لنا:
    - ارجو ان تتركاها لتستريح الآن.
    وقطعنا الرجاء وخرجنا وقلت لبوارو ونحن في طريق العودة إلى لندن:
    - هذه حكاية غريبة جدا اعني حكاية المس جراي والرجل الغريب.
    - أرايت يا هاستنغز ان كل شيء يثبث ما كنت اقوله لك كثيرا وهو انه لابد ان يحدث امر ينير السبيل امام العدالة.
    - لماذا كذبت الفتاة وقالت انها لم تر احد الغرباء في ذلك اليوم؟
    - ان ابسط ما يمكن ان نفعله في هذا الشأن هو ان نسالها.
    - لنفرض انها كذبت مرة اخرى.
    - في هذه الحالة ستزداد الأمور وضوحا.
    - انني يا بوارو لا اصدق ان يكون لفتاة كهذه علاقة برجل مجنون.
    - تماما وهذا هو رايي ايضا.
    ومرة اخرى راح بوارو يستعرض الجرائم الثلاث ويحاول عبثا ان يجد رابط بينها رابطة اخرى ارتكاب شخص واحد لها ووصلنا اخيرا إلى مسكنه في عمارات هويتهافن وقبل ان ندخل المسكن قيل لنا ان فيه رجلا ينتظرنا بداخله وتوقعت ان يكون الضيف المنتظر فرانكلين كلارك او المفتش جاب ولكن لشدة ماكانت دهشتي حين رايته الشاب دونالد فريزر الذي نهض لإستقبالنا في شيء من الإرتباك ولم يضغط بوارو عليه لكي يدلي بالأقوال التي جاء من اجلها وانما دعاه إلى مشاركتنا في وجبة الاطعام خفيفة مع بعض كؤوس من الشراب وبعد ذلك قال له:
    - لقد جئت من بكسهيل يا مستر فريزر اليس كذلك؟
    - أجل.
    - هل نجحت مع ميللي هيجلي؟
    - ميللي هيجلي؟ انني في الواقع انني لم ارها!
    ثم انفجر قائلا:
    - بل انني في الحقيقة لا اعرف لماذا جئت إلى هنا.
    فقال بوارو:
    - انا اعرف
    - كيف يمكنك ان تعرف؟
    - لقد جئت لأن لديك اقوالا لابد ان تدلي بها إلى احد وانا الشخص الذي ينبغي ان تدلي بها اليه.
    - اتعتقد هذا؟
    - تماما
    وصمت الشاب برهة قبل ان يقول في خجل:
    - أتؤمن بالأحلام يا مسيو بوارو؟
    وكان هذا آخر ما توقعت ان اسمعه ولكن بوارو كما لاح لي لم يدهش وانما قال بهدوء:
    - نعم هل رايت حلما؟
    - أجل وكان طبيعيا ان احلم بها ولكن ليس طبيعي ان يكون الحلم على هذا النحو الفظيع.
    - اخبرني به
    - كنت دائما احلم انني على البلاج انتظر عودة بيتي من غيبتها وكنت واثقا في الحلم طبعا انها ستعود يوما وكان اشد ما يهمني ان اعيد إليها حزامها يا الهي
    - وبعد؟
    - وتغير الحلم ليلة امس فرايتها جالسة على الشاطىء ولكنها لم تشعر بي وانا اقترب منها يا الهي لقد فاجأتها من الخلف ولففت الحزام حول عنقها وخنقتها به.
    واخفى الشاب وجهه بين يديه وقال:
    - ولما ماتت تبينت انها لم تكن بيتي وانما اختها ميجان.
    ورفع الشاب راسه وقال في الم:
    - فما معنى هذا يا مسيو بوارو؟
    - اشرب كاسك
    وعاد الشاب يسال بعد ان اطاع الأمر:
    - اخبرني يا مسيو بواروما معنى هذا؟
    ولم اعرف بماذا اجاب بوارو لأني في تلك اللحظة سمعت طرقات ساعي البريد على صندوق بوارو الخاص فاندفعت إلى الصندوق وما كدت اتناول الرسالة التي وجدتها فيه حتى نسيت كل ما سمعت من دونالد فريزر وانطلقت عائدا اجري إلى بوارو وانا اهتف قائلا:
    - لقد وصلت الرسالة الرابعة يا بوارو!
    فوثب واقفا واختطف الرسالة وفتحها وقرأ ما يلي بصوت مسموع:
    " يا لك من مسكين يا بوارو؟ انني حزين من اجلك يجب يا رجل ان تتحرك فان الطريق لا يزال طويلا امامنا. "هل يكون مسرح الجريمة التالية مدينة تيبرري؟ لا لا ان هذا الحرف لا يزال بعيدا" اذن ليكن موعدنا في بلدة دونكاستر في الحادي عشر من هذا الشهر. وداعا".
    المخلص دائما "ا.ب.س"







    رد مع اقتباس  

  7. #17  
    الفصل الحادي عشر
    دهاء المجرم

    لم يكن في مقدور بوارو او رجال المباحث ان يفعلوا شيئا قبل وصول الرسالة الرابعة إلا الإنتظار وكانت هذه الفترة مرهقة للأعصاب إلى حد مزعج ولكن ما ان وصلت الرسالة الرابعة حتى انطلقت جميع القوى ككلاب الصيد لمطاردة الفريسة لقد اسرع المفتش كروم بالقدوم إلى مسكن بوارو وفيما هو يبحث الموضوع معه اقبل فرانكلين كلارك وميجان بارنارد
    قال كروم لبوارو:
    - سوف آخذ هذه الرسالة معي يا مسيو بوارو يمكنك ان تحتفظ بنسخة منها إذا شئت.
    - لا لا داعي لهذا.
    وسال فرانكلين المفتش كروم قائلا:
    - ماذا تنوي ان تفعل يا مستر كروم؟
    - ان اليوم الحادي عشر يوافق يوم الأربعاء من الأسبوع التالي وهي فترة كافية لنثير اهتمام الراي العام ونجعل الجميع يتعاونون معنا لمطاردة هذا المجنون ولاشك ان كل مخلوق يبدأ اسمه بالحرف "د" سيكون على حذر كما اننا سنملأ البلدة برجال المباحث في ملابس مدنية وقد بدأنا فعلا في اتخاذ هذه الخطوة.
    فقال فرانكلين كلارك:
    - من السهل ان يعرف الإنسان انك رجل لا تهوى الألعاب الرياضية يا سيدي المفتش.
    - ماذا تعني يا مستر كلارك؟
    - لأنك لا تعرف ان يوم الأربعاء التالي هو يوم الحفلة الرياضية السنوية في دونكاستر وان سباق الخيل المعروف باسم سانت ليجير سيجري في ذلك اليوم عندئذ.
    قال المفتش في حيرة:
    - آه نعم هذا حق!
    - ان "ا.ب.س" ليس بالرجل الأبله وان كان مجنونا.
    وخيم الصمت علينا برهة كنا خلالها نتصور بلدة دونكاستر وهي تزدحم بمجموع هواة الرياضة وسباق الخيل الوافدين من كل حدب وصوب وقال كلارك اخيرا:
    - اعتقد ان الجريمة ستتم في حلبة سباق الخيل وربما اثناء انطلاق الجياد في مضمار السباق.
    فنهض المفتش قائلا:
    - هذا من سوء الحظ.
    وتناول قبعته وانصرف وسمعناه يتبادل الحديث في الردهة الخارجية مع شخصية نسائية ولم تلبث تورا جراي ان اقبلت قائلة بانفاس لاهثة:
    - اخبرني المفتش كروم ان الرسالة قد وصلت.
    واجاب فرانكلين كلارك هذه المرة بينما كانت تورا تخلع معطف المطر:
    - انها بلدة دونكاستر هذه المرة وفي اليوم الحادي عشر من هذا الشهر اي في عيد سانت ليجير.
    وقال بوارو:
    - لا يجب يا ابنائي ان نفقد الأمل لسوف نبذل جهودنا لنحول دون وقوع هذه الجريمة باي ثمن. ومهما يكن ازدحام البلدة في ذلك اليوم بهواة الرياضة فان الضجة التي ستثيرها الصحافة تجعل كل شخص في تلك البلدة لا سيما الذي يبدأ اسمه بالحرف "د" يشك في الواقف بجانبه انني واثق ان نهاية المجرم المجهول قد اقتربت.
    وتنهدت تورا جراي وقالت:
    - لو اننا فقط نعرف عنه شيئا لو اننا نعرف فقط ما اذا كان طويلا او قصيرا عجوزا او شابا.
    وفجأة قال بوارو لها:
    - بهذه المناسبة يا مس جراي هل انت واثقة تماما انك لم تري شخصا غريبا بالقرب من المنزل في يوم مقتل السير سيرميكال كلارك؟
    - نعم كل الثقة.
    - عجبا ولكن الليدي كلارك شاهدتك من نافذتها وانت واقفة امام مدخل القصر تتحدثين إلى رجل غريب.
    - لا بد ان تكون الليدي كلارك واهمة أوهو لكن
    واضطرم وجه تورا جراي وقالت بسرعة:
    - لقد تذكرت تذكرت يا لي من حمقاء الواقع انني نسيت هذا الرجل ولكني اعتقد انه ليس للأمر هذه الأهمية كلها انه مجرد مندوب لبيع الجوارب رجل من المحاربين القدماء الذين يكتسبون رزقهم ببيع بعض منتجات الشركات وكان قد اعترض سبيلي وانا في طريقي إلى مدخل القصر ولكنني اعتذرت له ولم اشتر منه شيئا انه رجل مسالم هادىء من النوع الذي لا يترك في النفس اي اثر.
    وكان بوارو في تلك اللحظة يضع راسه بين يديه ويهتز إلى الأمام و إلى الخلف وهو يتمتم لنفسه:
    - جوارب جوارب ولا شيء غير الجوارب منذ ثلاثة اشهر سمعت هذه الكلمة وسمعتها منذ ايام وهانذا اسمعها الآن".
    وانتصب في جلسته ورمقني بنظرة حادة وقال:
    - اتتذكر يا هاستنغز عندما كنا في اندوفر وعندما دخلنا الدكان وصعدنا الغرفة نوم المسز آسكر الواقعة خلفه وراينا على المقعد زوجا من الجوارب الجديدة واني لأذكر الآن انني اهتممت لسبب ما عندما حدثتني يا مس بارنارد عن والدتك التي اشترت زوجين من الجوارب لأختك بيتي وعن بكائها الحار لأنها اي بيتي ماتت قبل ان تراها وكان ذلك في نفس يوم الحادث.
    وتوقف بوارو قليلا عن الحديث ثم راح يدور بعينيه في وجوهنا قبل ان يستطرد قائلا:
    - اترون؟ لقد تكرر هذا الأمر ثلاث مرات فلا يمكن ان يكون مجرد مصادفة والآن اخبريني يا مس بارنارد هل اشترت والدتك الجوارب من متجر او من بائع متجول؟
    - من بائع متجول واني اتذكر حديثها عن اولئك المندوبين البؤساء الذين يدورون على المنازل لبيع منتجات بعض الشركات والمصانع.
    وهنا هتف فرانكلين كلارك قائلا:
    - ولكن ما هي العلاقة بين البائع الجوارب المتجول وهذه الجرائم الرهيبة يا مسيو بوارو؟
    فقال بوارو بحماس:
    - ساقول لكم ايها الأصدقاء ان الأمر لا يمكن ان يكون مصادفة لقد وقعت ثلاث جرائم وقبل وقوع كل جريمة كان ثمة رجل يبيع الجوارب في مسرحها فما معنى هذا؟
    معناه انه كان يستكشف الميدان الذي سترتكب فيه الجريمة ثم استدار نحو تورا جراي وقال بسرعة:
    - صفي لنا ذلك الرجل يا مس جراي.
    فارتسمت الحيرة على وجهها وهي تقول:
    - انني لا ادري تماماكان رجلا عاديا فوق الأربعين يضع النظارة على عينيه ويرتدي معطفا قديما.
    - وماذا ايضا يا مس جراي؟
    - لا اذكر كان متخفيا فلم ار شيء الكثير من ملامحه المهم انه رجل من النوع الذي لا يترك في النفس اي اثر.
    فأومأ بوارو براسه وقال:
    - صدقت يا آنسة ان هذا الرجل هو القاتل فعلا انه الشخصية الباهتة التي لا تثير الإنتباه فارادت ان تثبت وجودها بهذه الجرائم الرهيبة.

    ***
    جلس المستر الكسندر بونابرت سوست في مكانه لا يريم وكان طعام الإفطار امامه كاملا باردا لم يلمسه وعلى المائدة صحيفة مفتوحة كان المستر سوست مستغرقا في قرائتها ونهض من مكانه فجأة وراح يذرع غرفته جيئة وذهابا ثم لم يلبث ان تهالك جالسا على مقعد وثير بجانب النافذة ووضع راسه بين يديه وراح يكتم تأوهات الألم ولم يسمع صوت صرير الباب وهو يفتح ولا وقع اقدام المسز ماربري صاحبة المسكن المفروش وهي تدخل ثم تقف وتقول:






    رد مع اقتباس  

  8. #18  
    - مستر سوست؟ ماذا بك؟ هل انت مريض؟
    فرفع الرجل راسه وقال:
    - لا لا لا شيء يا مستر ماربري انني فقط متوعك الصحة هذا الصباح.
    والقت المسز ماربري نظرة على مائدة الإفطار ثم قالت:
    - انك لم تلمس طعام افطارك أهو الصداع مرة اخرى؟
    - نعم نعم وشيء من الدوار.
    - انني آسفة من اجلك يا مستر سوست هل ستخرج اليوم إلى عملك ايضا؟
    فوثب المستر سوست ناهضا يقول:
    - آه نعم ان علي ان اقوم بعمل مهم مهم جدا.
    ولاحظت المسز ماربري ارتعاد يديه من فرط الإنفعال فقالت:
    - وهل وهل ستمضي بعيدا اليوم؟
    - لا انني ذاهب ذاهب إلى بلدةشلتام.
    والتقطت المستر ماربري الصحيفة الواقعة على الأرض لتعيدها إلى المائدة فلما وقعت نظراتها على العناوين الضخمة في الصحيفة الأولى قالت بصوت ينم على الخوف:
    - ليس في الصحف اليوم حديث إلا عن الجرائم الأبدية الرهيبة انني اشعر بالإرتعاد كلما قرات عنها واتذكر جرائم "السفاح جاك".
    وتحركت شفتا المستر سوست ولكن لم يصدر عنهما صوت فاستطردت السيدة تقول:
    - دونكاستر انها البلدة التي قال انه سيرتكب فيها جريمته الرابعة غدا اليس هذا شيئا رهيبا؟ لو اني كنت اقيم في هذه البلدة واسمي يبدأ بحرف "د" لهربت منها إلى اقصى مكان ما رايك يا مستر سوست؟
    - لا ادري يا مسز ماربري لا ادري.
    يقال ان آلاف من رجال الشرطة سيندسون بين المحتفلين بعيد سانث ليجير غدا للبحث عن ذلك المجرم المجهول أوه ان حالتك تسوء يا مستر سوست هل آتي اليك بقليل من البراندي؟ من رايي الا تخرج اليوم.
    فشد سوست قامته وقال:
    - لا بد من الخروج اليوم لأني على مواعيد كثيرة ولا مندوحة للإنسان من ان يحافظ على مواعيده اذا اراد ان يثق الناس به ومن طبيعي ان اقوم بكل ما اتخذه من قرارات لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تضمن النجاح في ميدان العمل.
    - ولكن اذا شعر الإنسان بالمرض؟
    - انني لست مريضا مجرد صداع بسيط وبعض الدوار لأني لم انم جيدا.
    ولم يسع المسز ماربري الا ان تهز كتفيها وتحمل صحفة الطعام وتغادر الغرفة بينما كان المستر سوست يضع في حقيبة سفر صغيرة "بيجامته وادوات الحلاقة وعشر علب مسطحة من الكرتون" وبعد ان القى نظرة على دليل السكة الحديدية الموضوع على المائدة غادر الغرفة والحقيبة في يده وفي الصالة وضع قبعته على راسه وارتدى معطفه وهو يتنهد بعمق فانتبهت اليه فتاة كانت خارجة من غرفة في الجانب الآخر فنظرت اليه بقلق وقالت:
    - هل تتالم من شيء يا مستر سوست؟
    - لاشيء يا ليلى.
    - لقد كنت تتنهد بشدة.
    - لا داعي لأن تقلقي بشاني انني بخير طاب يومك.
    - طاب يومك يا مستر سوست إلى اين انت ذاهب هذه المرة؟ إلى الشاطىء ثانية؟
    - لا لا بل إلى شلتام.
    - انه مصيف لطيف فعلا ولكن ليس اجمل من توركاي لسوف امضي الصيف القادم فيه وبهذه المناسبة لقد كنت في توركاي عندما وقع حادث قتل السير سيرميكال كلارك اي كنت جد قريب من مسرح الجريمة.
    - لالا ان توركاي تبعد عن سيرستون نحو ستة او سبعة اميال.
    - انها مسافة قصيرة جدا ومن يدري فلعلك رايت القاتل دون ان تعرفه آه ماذا بك يا مستر سوست هل انت مريض؟
    - لا لا انني بخير شكرا يا مسز ماربري وطاب يومك.
    وقالت ليلى ماربري لنفسها وهي تشيعه بنظراتها:
    - انه رجل مسكين يخيل الي ان عقله ليس في حالته الطبيعية.

    ***
    وقال المفتش كروم لمساعده:
    - اكتب لي قائمة باسماء جميع منجي الجوارب النسائية ثم اتصل بمديريها واعرف منهم اسماء جميع مندوبي البيع الذين يتعاملون معهم واعني بهم اولئك المندوبين المتجولين.
    - اهذا كله يتعلق بجرائم ا.ب.س؟
    قال المفتش كروم على مضض:
    - اجل انها فكرة بوارو وربما لا ينتهي إلى شيء الا انه علينا الا نهمل اية فكرة معقولة.
    وقال الشاب توم هاريتيجان لخطيبته ليلى ماربري:
    - لقد رايت في الصباح نزيلكم العجوز العجيب.
    - من تعني؟ المستر سوست؟
    - رايته في بلدة اوستن يبدو كدجاجة ضالة كالمعتاد اعتقد ان هذا المسكين نصف مجنون ولابد ان يكون معه احد يرعاه في الخارج لقد سقطت من يده الصحيفة اولا ثم سقطت منه تدكرة السفر دون ان يشعر اطلاقا فلما اعدتهما اليه شكرني في اضطراب ولكنني اعتقد انه لم يتعرف علي.
    - انه لم يرك الا نادرا يا توم ولكن ماذا كنت تفعل في اوستن؟
    - كنت في طريقي منها إلى شلتام.
    - وهكذا كان ايضا المستر سوست.
    - لا كانت تذكرة سفره تدل على انه ذاهب إلى دونكاستر.
    - بل شلتام.
    - دونكاستر لقد قرات اسم البلدة بوضوح على التدكرة.
    - ولكنه قال لي ولأمي انه ذاهب إلى شلتام.
    - ربما سمعتما الإسم الخطأ ولعله ذهب للفرجة على سباق الخيل.
    - ولكن دونكاستر هي البلدة التي ستحدث فيها الجريمة الرابعة غدا.
    - لاتجزعي عليه ان اسمه لا يبدأ بحرف "د".
    - العجيب انه كان في توركاي بالقرب من سيرستون في المرة السابقة.
    - انها لمصادفة عجيبة اليس كذلك؟
    وكان الإثنان يتمشيان على طريق نهر التايمس عندما اردف توم هارتيجان قائلا وهو يضحك:
    - ولعله كان ايضا في بلدة بكسهيل وقت وقوع الجريمة الثانية!
    فجمعت ليلى ما بين حاجبيها مفكرة ثم قالت:
    - كان غائبا عن غرفته فعلا وانا اذكر لأنه كان قد نسي ثوب السباحة وكانت امي ترتقه له وقد قالت لي في اليوم التالي "لقد نسي المستر سوست ثوب السباحة الذي كان ينوي ان ياخذه معه هل سمعت بالفتاة التي وجدت مخنوقة على شاطىء البحر في بكسهيل امس؟".
    وهنا ابتسم توم هارتيجان وقال:
    - مادام كان ينوي ان ياخد معه ثوب السباحة فلا شك انه ذهب إلى احد المصايف يومذاك مارايك فيما لو كان نزيلكم العجوز هذا هو القاتل "ا.ب.س".
    فضحكت ليلى وقالت:
    - المستر سوست المسكين؟ انه لا يستطيع ان يؤذي ذبابة.






    رد مع اقتباس  

  9. #19  
    الفصل الثاني عشر
    اليوم المشهود

    دونكاستر اعتقد اني سوف اتذكر اليوم الحادي عشر من شهر سبتمبر مدى الحياة والواقع اني كلما سمعت عن عيد القديس ليجير تذكرت فورا تلك الأحداث الرهيبة المتوالية التي وقعت في ذلك اليوم لقد كنا هناك في ذلك اليوم في دونكاستر. المفتش كروم وجميع معاونيه و آلاف من رجال المباحث وبوارو ودونالد فريزر وفرانكلين كلارك وتورا جراي وميجان بارنارد وماري دراور وقررنا ان نوسع نطاق البحث بان نتفرق في انحاء البلدة وقد تم الإتفاق على ان يذهب كل من فرانكلين ودونالد فريزر بمفرده وان يصحب بوارو المس جراي الوحيدة بيننا التي سبق ان شاهدت القاتل وان اصحب انا ماري دراور لأن اسمها الثاني ـ كما اشار بواروـ يبدأ بالحرف "د" اذ ليس من المستبعد ان يتعمد المجرم المجهول طعن بوارو في الصميم بقتل واحد من اعوانه وقال لي بوارو ونحن نفترق:
    - اطمئن يا هاستنغز هذه المرة ان النجاح المتواصل سوف يدفع المجرم إلى الإيمان بحظه ومن ثم لن يكون شديد الحرص هذه المرة واكبر ظني انه سيرتكب بعض الأخطاء التي ستوقع به في ايدينا.
    فقلت في شيء من الإرتياب:
    - انني اعتقد ان هذا المجرم لن يفي بوعده ويرتكب جريمته الرابعة هذه المرة وهو يدرك احكام الحلقة.
    فابتسم بوارو وقال:
    - ان ذلك المجرم يعاني هذا النوع من الجنون الذي يجعله يصر كل الإصرار على تنفيذ ما وعد به مهما تكن الظروف والأحوال لأنه سيدرك تماما ان تراجعه عن تنفيذ خطته سيعني الفشل وهذا ما لا يتفق مع الدوافع التي دفعت به إلى ارتكاب هذه الجرائم.
    - اكبر الظن انه سيكون ماكرا يا بوارو اذا قرر ارتكاب هذه الجريمة الرابعة.
    - تأكد يا هاستنغز ان عجلة الحظ قد دارت وسوف يقع هذه المرة في ايدينا إلى اللقاء.

    ***
    غمغم المستر ليدبتر بخفوت وامتعاض عندما نهض الرجل الجالس بالقرب منه في دار السينما وسار في طريق الخروج وهو يتخطاه متعثرا ثم يزداد تعثرا ويسقط قبعته على المقعد الأمامي ثم ينحني ويلتقطها وينصرف كل هذا ضيع بعض لحظات ثمينة من مناظر الفيلم " ليس عصفورا" الذي كان المستر ليدبتر ينتظر مشاهدته بفارغ الصبر وتململ المستر ليدبتر في مقعده وهو يتساءل في نفسه:
    - لماذا لا ينتظر هؤلاء الناس حتى نهاية الفيلم قبل ان ينصرفوا؟.
    حسنا لقد انصرف ذلك الجار المتعثر الثقيل الظل وها هو ذا المستر ليدبتر يستمتع بمتابعة الفيلم حتى نهايته وتنهد في ارتياح عندما اضيئت الأنوار في الصالة ونهض واقفا ببطء وهو يطرف بعينيه ولم يكن من عادته ان يسرع بمغادرة دار السينما عقب انتهاء الفيلم وانما كان يجب ان يتمهل حتى يعود إلى واقع الحياة تماما وتلفت حوله ان الصالة لم تكن مزدحمةكان المتفرجون فيها عددا قليلا جدا آه لاشك ان معظم الناس كانوا في تلك الساعة يتفرجون على سباق الخيل احتفالا بعيد سانت ليجير واستعد المستر ليدبتر للخروج وراء المتفرجين الذين كانوا يتسابقون إلى ابواب السينما لاحظ ان الرجل الجالس على المقعد الأمامي بالنسبة له ظل جالسا مطرق الراس وكانه مستغرق في النوم وشعر المستر ليدبتر بالسخط على مثل هذا الرجل الذي ينام في اثناء عرض فيلم رائع مثل "ليس عصفورا" وهز كتفيه وسار في طريق الباب ولما وصل اليه وراح ينتظر دوره للخروج ولم يدر لماذا التفت وراءه إلى حيث كان جالسا وعلى اية حال فقد راى جمعا من الناس حول ذلك الرجل الذي ظنه نائما في مقعده وتردد برهة ثم خرج.
    وهكذا فاتته الفرجة على الحادث الذي اقام الراي العام واقعده في جميع انحاء البلاد لقد تبين لمدير الصالة حين هز الرجل الذي ظنه هو ايضا نائما انه مقتول بطعنة سكين في القلب.
    واجتمع حوله بعض النظارة الذين لم يكونوا قد انصرفوا بعد وساد الفزع الجميع حين هتف احدهم مشيرا إلى دليل ا.ب.س للسكة الحديدة الموضوع بجانب القتيل:
    - لقد ارتكب المجرم المجنون جريمته الرابعة.
    غادر المستر سوست سينما ريجال وتطلع إلى السماء كان الجو في ذلك المساء صحوا جميلا وقال لنفسه مادام الله في سمائه فكل شيء في الأرض على ما يرام وسار في طريقه مبتسما حتى وصل إلى فندق بلاك سوان الذي كان ينزل فيه وصعد السلم إلى غرفته الصغيرة الخانقة المطلة على فناء داخلي ومرآب "جراج" للسيارات واختفت البسمة فجأة من وجهه حين لمح على كم معطفه ـ بعد دخوله الغرفةـ آثار الدماء ولما لمسها وجدها لا تزال رطبة دماء رطبة ودس يده في جيب معطفه فاذا هي تخرج ممسكة بسكين حاد طويل النصل ملوث بالدماء ايضا ودار بعينيه في انحاء الغرفة كحيوان واقع في الفخ وتهالك جالسا على مقعد قريب وهو يتمتم لنفسه:
    - هذه غلطتي انا.
    وبدا كانه يتحدث مع شخص مجهول بلهجة التلميذ الذي يلتمس الصفح من ناظر المدرسة وقعت نظراته على حوض الإغتسال فنهض اليه وخلع معطفه وملأ الحوض بالماء وراح يغسل المعطف بما فيه من دماء لقد غدا الماء احمر اللون وفي تلك اللحظات سمع نقرا على الباب وتسمر في مكانه لايريم وقد راح يحملق فيما امامه ببلاهة وفتحت الباب سيدة شابة ممتلئة الجسم ودخلت تحمل ابريقا وتقول:
    - معذرة يا سيدي هذا هو ماؤك الساخن.
    واستطاع اخيرا ان يقول لها:
    - شكرا لقد اغتسلت بالماء البارد.
    ولما راى نظراتها تقع على الماء الأحمر في الحوض قال في فزع:
    - لقد جرحت يدي.
    وبعد لحظة طويلة طويلة جدا من السكون قالت:
    - حسنا يا سيدي.
    ووقف المستر سوست في مكانه كالتمثال من الحجر لقد جاءت النهاية اخيرا وارهف سمعه هل هم قادمون اليه الآن؟ ولكنه لم يسمع غير دقات قلبه المضطرب وتحول جموده فجأة إلى حركة دافقة فارتدى معطفه بسرعة وسار على اطراف اصابعه إلى الباب وفتحه ثم ارهف السمع مرة اخرى ثم هبط متسسلا السلم وعند نهايته وقف حائرا وفجأة لمح الباب الخلفي المؤدي إلى الفناء فانفلت منه وسار متمهلا امام اثنين من السائقين كانا يغسلان سيارتيهما ثم مضى إلى شارع جانبي وظل ينتقل من شارع إلى آخر في اتجاه المحطة وهو يتمتم:
    - لو ان الحظ يساعدني فاستقل القطار دون ان يتعرف علي احد.

    ***
    كان المفتش كروم جالسا ينصت إلى حديث المستر ليدبتر المضطرب - أؤكد لك يا سيدي المفتش ان قلبي يهوي بين ضلوعي كلما فكرت ان القاتل الرهيب كان جالسا بجواري طيلة عرض الفيلم فتذرع المفتش كروم بالصبر وقال:
    - دعنا من هذه التعليقات يا مستر ليدبتر ارجوك ان تحدثني بوضوح هل تقول ان ذلك الرجل انصرف قبل هنايه الفيلم؟
    - اجلاجل.
    - وهل مر بك وتعثر في اثناء مروره؟
    - اجل انني ادرك الآن انه تظاهر بالتعثر ولاشك انه طعن الرجل الذي كان جالسا امامي وهو يتظاهر بانه يسترد قبعته.
    - ألم تسمع شيئا لاصيحة ولا آهة ولا شيء؟
    - ربما سمعت شيئا ولكني حسبته الفيلم.
    - هل تستطيع ان تصف لنا هذا الرجل؟
    - كان رجلا ضخما يزيد طوله على ستة اقدامكان ماردا.
    - اشقر ام خمري اللون؟
    - لست واثقا من هذالكنه كان اصلع رهيب المنظر.
    - هل كان يعرج؟






    رد مع اقتباس  

  10. #20  
    - آه مادمت قد ذكرتني يا سيدي المفتش فيمكنني ان اقول انه كان يعرج فعلا واذكر ايضا انه كان ملوح الوجه كانه نصف زنجي.
    - هل كان موجودا في مقعده قبل بدء العرض؟
    - لا لقد حضر بعد بدء الفيلم بقليل عندما اظلمت القاعة.
    وأومأ المفتش كروم براسه وبعد انصراف المستر ليدبتر قال لمساعده:
    - هذا اسوأ انواع الشهود انه على استعداد لأن يقول اي شيء توحي به اليه واكبر الظن انه لا يعرف اي شيء عن شكل الرجل حسنا استدع مدير الصالة.
    واقبل مدير الصالة الذي كان عسكريا سابقا ورفع يده بالتحية فقال له المفتش كروم:
    - والآن دعنا يا جيمسون نسمع شهادتك.
    ورفع جيمسون يده للتحية العسكرية مرة اخرى وقال:
    - تماما يا سيدي عند قرب انتهاء العرض يا سيدي سمعت ان احد المتفرجين لا يزال جالسا في مقعده في حالة تدل على انه نائم او مريض او اي شيء من هذا القبيل وكان ذلك السيد جالسا في مقعد بالصالة منحنيا على نفسه بشكل يلفت النظر ورايت سيدا آخر واقفا بالقرب منه يقول ان جلسة ذلك السيد الآخر غير طبيعية ولما وضع يده على كتف السيد المنحني على نفسه لاحظت فورا انها تلوثت بالدماء فارسلت من فمي سيلا من اللعنات وأسوأ من هذا يا سيدي اننا وجدنا السيد المنحني على نفسه مقتولا بطعنة في صدره امام القلب والدماء لا تزال تنساب منها وعلى المقعد الذي بجواره دليل ا.ب.س للسكة الحديدية فانتشر الفزع بيننا وبادرنا إلى اخطار مركز الشرطة.
    فقال المفتش كروم:
    - حسنا يا جيمسون لقد احسنت التصرف.
    - شكرا يا سيدي.
    - الم تلاحظ رجلا غادر الصالة قبل نهاية الفيلم بلحظات؟
    - غادرها كثيرون قبل نهاية العرض يا سيدي.
    - هل يمكن ان تصفهم؟
    - لااظن وانما اعرف منهم فقط المستر جيوفري بان تل والشاب الوسيم بيكر وزوجته الحسناء ولكنني لم الاحظ شخصا بالذات يا سيدي.
    - هذا امر يؤسف له حسنا يا جيمسون.
    - شكرا يا سيدي.
    ورفع جيمسون يده للتحية العسكرية وانصرف وما كاد ينصرف حتى اقبل رجال الشرطة وقال للمفتش كروم:
    - ان المسيو بوارو ومعه سيد آخر يريدان مقابلتك يا سيدي.
    وقطب كروم جبينه وقال:
    دعهما يدخلان.






    رد مع اقتباس  

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 24-Oct-2013, 11:43 PM
  2. رواية مجزرة الحولة من الطفل المذبوح رقم خمسين رواية 2013
    بواسطة иooḟ Ăł.кααьỉ في المنتدى خواطر - نثر - عذب الكلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Dec-2012, 02:08 AM
  3. كوني مثل الحروف الابجدية تسعدين
    بواسطة ! الحب ! في المنتدى ثقافة الحياة الزوجية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 27-Jun-2011, 08:53 PM
  4. دعاء جميل بالحروف الابجدية
    بواسطة ماجـــــــــد في المنتدى رياض المؤمنين
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 07-Nov-2006, 12:04 AM
  5. الجرائم المرتكبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني
    بواسطة سارة اسماعيل في المنتدى خارج مقص الرقيب
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-Jul-2006, 04:51 AM
المفضلات
المفضلات
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •